عيد الغطاس أو الدنح (لوقا 15:3-22
في اليوم الاول من كانون الثاني، وهو اليوم الثامن لميلاد الرب يسوع، أُخضع الطفل لرتبة الختانة حسب شريعة موسى. وهي ذات بُعدين:
الاول، إعلان انتماء يسوع رسميًا الى جماعة الوعود الموروثة من ابراهيم المعروفة بشعب الله القديم، الذي بدأ الله معه وحي تصميمه الخلاصي
الى هذا الواقع اشار بولس الرسول في رسالته الى أهل غلاطية حيث كتب: "لما بلغ ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة مولودًا في حكم الشريعة، لكي يفدي الذين هم في حكم الشريعة، حتى ننال البنوة"(غلا 4:4-5). ما يعني ان انتماء يسوع الى شعب ليس امرًا صوريًا وذا وجه قانوني شرعي فقط، بل يعني اتمام كل برّ تقتضيه شريعة الله، كما سيقول يسوع عن معموديته من يوحنا التي لم يكن بحاجة اليها(متى 15:3
البعد الثاني، إعطاء اسم يسوع للطفل، مع كل مفهومه اللفظي: "الله الذي يخلّص". هذه الرسالة التزم بها يسوع، وتكرّس لها معه يوسف ومريم
لقد حلّ، في العهد الجديد، محلّ الختانة، سرّ المعمودية ببعديه: الاول: الانتماء الى الكنيسة، جسد المسيح السرّي، مع الالتزام بثلاثة: اعتناق حقائق الايمان التي تعلنها والعيش بمقتضاها، قبول اسرار الخلاص السبعة والانفتاح لنعمها لتقديس الذات؛ الخضوع للسلطة الروحية فيها ولقوانينها (ق 8 من مجموعة قوانين الكنائس الشرقية). والبعد الثاني إعطاء الاسم للمعمّد وتسجيله في سجلات الكنيسة والدولة،الى جانب اسم "مسيحي" الذي يقتضي عيش الحياة المسيحية كما يصفها كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية
ولان يسوع هو "سلامنا وسلام الشعوب"، كما يسمّيه بولس الرسول، و"ملك السلام"، كما يسمّيه آشعيا النبي، خصّصت الكنيسة الاول من كانون الثاني للتأمل في السلام، عطية الله للبشر ومسؤوليتهم في بنائه يوميًا. فأنشأت "اليوم العالمي للسلام". واعتاد البابوات توجيه رسالة للمناسبة بموضوع السلام. فوجّه قداسة البابا بندكتوس السادس عشر رسالته الصادرة في 14 كانون الاول 2012، وعنوانها: "طوبى لفاعلي السلام"(متى 9:5). نظرًا لغنى مضمونها، سننقلها تباعًا في برنامج التنشئة المسيحية بأفكارها الرئيسية
المقدمة
المسيحيون، كشعب الله في الشركة معه وفي مسيرة الطريق مع جميع الناس، هم الملتزمون بتقاسم الافراح والآمال، الاحزان والهموم مع الجميع، معلنين خلاص المسيح، ومعزّزين السلام لكل الناس
ثمة أخطار عديدة تهدد السلام بالرغم من زمن العولمة مع ايجابياته وسلبياته: نزاعات دامية جارية، تهديدات بالحرب، توترات ومعارضات بسبب عمق الهوّة بين الاغنياء والفقراء، تغليب الذهنية الانانية والفردية المعبّر عنها في رأسمالية من دون قاعدة؛ أشكال متنوعة من الارهاب والاجرام الدوليين، الاصوليات وانواع التعصّب التي تشوّه طبيعة الدين الحقيقية، الداعية الى الشركة والمصالحة بين الناس، وبالتالي تشكّل خطرًا على السلام
امام هذه الاخطار والتهديدات، ينبغي تجديد الالتزام الجماعي في البحث عن الخير العام، وعن انماء الانسان بشموليته
لكننا نرى بالمقابل في العالم اعمالاً عديدة لصالح السلام، تشهد لدعوة فطرية في البشرية الى السلام. يوجد في كل شخص رغبة بالسلام هي توق جوهري فيه متطابق مع ما يصبو اليه من حياة انسانية كاملة وسعيدة. هذه الرغبة بالسلام تتطابق مع المبدأ الاخلاقي الاساسي، وهو النمو الشامل، الاجتماعي والجماعي، كحق وواجب، وفقًا لتصميم الله على الانسان. أجل، كل انسان هو مخلوق من اجل السلام الذي هو عطية من الله
هذا كله ألهم قداسة البابا لاختيار التطويبة الانجيلية عنوانًا لرسالته: "طوبى لفاعلي السلام، فانهم ابناء الله يدعون" (متى9:5
الطوبى الانجيلية
انها اولاً ككل الطوبايات الاخرى (متى3:5-12) من جملة الوعود كخبر مفرح، حسب لفظة "انجيل"؛ وهي ثانيًا من التوصيات الاخلاقيةالتي ننال ثوابًا على حفظها في هذا العالم وفي الآتي، وهي ثالثًا تتميم للوعد تجاه كل الذين يلتزمون الحقيقة والعدالة والحب. الوعد هو انهم يصبحون حقًا ابناء الله وبناته، في هذه الحياة وفي الآتية، والله متضامن كليًا معهم، وهو الى جانبهم في التزامهم المثلث المذكور. والمسيح يعطيهم السلام الحقيقي الذي يولد من لقاء الانسان بالله لقاءً واثقًا ووجدانيًّا
ندرك من هذه الطوبى ان السلام هو في آن عطية مسيحانية وعمل بشري. عطية تنبع من الله وتُعاش مع الآخرين ومن أجل الآخرين. اخلاقية السلام هي اخلاقية الشركة والتقاسم، لا مقاييس السلطة او الكسب، حيث الوسائل تصبح غايات. السلام هو بناء العيش معًا حسب المقاييس التي يريدها الله
السلام يعني شمولية الشخص البشري ويتطلب التزامه بكامل انسانيته، ليعيش سلامًا مع الله وفقًا لإرادته. انه سلام داخلي، وسلام خارجي مع القريب ومع كل الخلق. ولذلك يقوم على ركائز اربع: الحقيقة والحرية والمحبّة والعدالة (الطوباوي البابا يوحنا الثالث والعشرين: سلام على الارض). من دون الحقيقة حول الانسان، التي كتبها الله الخالق في قلبه، تتلاشى الحرية والمحبّة، وتفقد العدالة أساس ممارستها. لكي نصبح فاعلي سلام حقيقيين ينبغي أن نتغلّب على الخطيئة التي هي نقيض السلام مع الله والذات والناس. فالخطيئة تعني أنانية وعنفًا وجشعًا وتسلّطًا واستكبارًا وبغضًا وحقدًا وظلمًا. فاعل السلام هو الذي يبحث عن خير الآخر، خير نفسه وجسده الكامل، اليوم وغدًا. فاعل السلام هو الذي يقتدي بالمسيح سلامنا وبرّنا ومصالحتنا(أف2: 14؛ 2كور5: 18
* * *
من انجيل القديس لوقا 3: 15-22
ولمَّا اعْتَمَدَ الشَّعْبُ كُلُّهُ، واعْتَمَدَ يَسُوعُ أَيْضًا، وكانَ يُصَلِّي، انفَتَحَتِ السَّمَاء، ونَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ القُدُسُ في صُورَةٍ جَسَديَّةٍ مِثْلِ حَمَامَة، وجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ يَقُول: "أَنْتَ هُوَ ابْنِي الحَبِيب، بِكَ رَضِيت
عيد الغطاس هو تذكار معمودية يسوع في نهر الاردن على يد يوحنّا المعمدان. ويُسمّى عيد الدنح، واللفظة سريانية تعني الظهور الإلهي. فساعة اعتماد يسوع ظهر الله الواحد والثالوث: الآب بالصوت، والابن يسوع المسيح الذي سمّاه الصوت "الابن الحبيب"، والروح القدس الذي نزل في صورة جسديّة مثل حمامة
كانت معمودية يوحنّا بالماء للتوبة: إعتراف بالخطايا وإقرار بها من جهة، والقصد بالخروج من حالة الخطيئة الراهنة وبدء حياة جديدة تغيّرت من جهة ثانية. رتبة إجراء المعمودية كانت ترمز الى هذا الواقع: النزول إلى الماء يرمز إلى الموت، مثل الطوفان الذي يبيد الحياة ويهدم، لكن الماء الجاري هو رمز الحياة، مثل نهر النيل والاردن والفرات، الخروج منها يعني ولادة حياة جديدة
هذه كلها كانت رموز لمعمودية يسوع الأقوى من معمودية يوحنّا، كما شهد هذا الأخير: "أنا أعمّدكم بالماء، ويأتي مَن هو أقوى منّي، هو يعمّدكم بالروح القدس والنار"(لو3: 16). بقي الرمز المزدوج: النزول في الماء كعلامة للموت مع المسيح عن حياة الخطيئة والاغتسال منها، والخروج من الماء كعلامة للقيامة مع المسيح بحياة النعمة، الحياة الالهية فينا. أمّا الحقيقة غير المنظورة فهي حلول الروح القدس الذي يمحو الخطايا ويمنح الحياة الإلهية، فيصبح المعمّد خلقًا جديدًا لابسًا المسيح، على ما يقول بولس الرسول(كول3: 9
لقد أصبحنا بالمعمودية خلقًا جديدًا، ينبغي أن نعيش بمقتضى جدّته، التي تعني العيش على مثال يسوع المسيح، لابسين المسيح، فتأتي أقوالنا وأفعالنا ومواقفنا انعكاسًا لوجه المسيح وشخصه. وأصبحنا مسكن الله الثالوث، فنعيش مظلّلين بنعمة الآب، ومفتدين بنعمة الابن الوحيد، ومقدَّسين بحلول الروح القدس. إنّنا مدعوون لنعيش حضارة المعمودية، حضارة الانسان الجديد التي هي الاقتداء بالمسيح في كل ما قال وما فعل
لماذا تقدّم يسوع للمعمودية على يد يوحنّا؟ هل يعترف بخطايا اقترفها وهو القدّوس، الاله المتجسّد؛ ألم يكن ذلك مدعاة للشك وللبرهان عن أنّه خاطئ، عندما مشى بين الخطأة التائبين ليعتمد؟
نجد الجواب في رواية متى في انجيله: "جاء يسوع الى يوحنا ليعتمد على يده... فمانعه يوحنا قائلاً: أنا المحتاج أن اعتمد منك، وأنت تأتي إليَّ؟ فأجابه يسوع: دعني الآن، فهكذا يحسن بنا أن نُتمّ كل برّ! حينئذٍ تركه يعتمد"(متى3: 13-15
"إتمام كل برّ" يعني قبول إرادة الله قبولاً كاملاً. بما أنّ النزول في الماء للمعودية يحتوي الاعتراف بالخطايا والتماس الغفران من اجل بداية جديدة، في عالم مطبوع بالخطيئة، يسوع يتضامن مع جميع الناس، حاملاً على منكبَيه كل خطايا البشر، وبادئًا هكذا رسالة الفداء مُستبقًا حمل الصليب. معموديته تعني قبول الموت من اجل خطايا البشرية
وفيما نزل يسوع إلى الماء وهو يصلّي، جاء صوت من السماء يعلن قدسيته الكاملة وبراءته من كل خطيئة، وتستبق قيامته من بعد موته على الصليب: "هذا هو ابني الحبيب"(لو3: 22). في الانجيل سمّى يسوع صليبه معمودية موته(راجع مر10: 32 ولو12: 50
صلاة
أيها الرب يسوع، بختانتك انتميت إلى شعب الله والتزمت بشريعته وأخذت إسم يسوع وسرت في رسالة الخلاص، أعطنا نعمة الالتزام بانتمائنا عبر المعمودية إلى كنيستك الواحدة، الجامعة، المقدسة، الرسولية، وعيش كل أبعاد مواصفاتها، وبرسالتها الخلاصية. وبمعموديتك حملت خطايا البشر أجمعين وخطايانا، متَّ على الصليب للتكفير عن خطايانا وقمت لتبريرنا، هبنا نعمة المشاركة بموتك وقيامتك، مائتين عن الخطايا وقائمين لحياة جديدة بغسل الماء والروح، وبمعمودية سرّ التوبة. وعندما يتحقّق فينا الخلق الجديد، ونستعيد بهاء بنوتنا الالهية، نصبح فاعلي سلام في العائلة والمجتمع والوطن، ونؤهَّل لرفع نشيد المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين
الاول، إعلان انتماء يسوع رسميًا الى جماعة الوعود الموروثة من ابراهيم المعروفة بشعب الله القديم، الذي بدأ الله معه وحي تصميمه الخلاصي
الى هذا الواقع اشار بولس الرسول في رسالته الى أهل غلاطية حيث كتب: "لما بلغ ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة مولودًا في حكم الشريعة، لكي يفدي الذين هم في حكم الشريعة، حتى ننال البنوة"(غلا 4:4-5). ما يعني ان انتماء يسوع الى شعب ليس امرًا صوريًا وذا وجه قانوني شرعي فقط، بل يعني اتمام كل برّ تقتضيه شريعة الله، كما سيقول يسوع عن معموديته من يوحنا التي لم يكن بحاجة اليها(متى 15:3
البعد الثاني، إعطاء اسم يسوع للطفل، مع كل مفهومه اللفظي: "الله الذي يخلّص". هذه الرسالة التزم بها يسوع، وتكرّس لها معه يوسف ومريم
لقد حلّ، في العهد الجديد، محلّ الختانة، سرّ المعمودية ببعديه: الاول: الانتماء الى الكنيسة، جسد المسيح السرّي، مع الالتزام بثلاثة: اعتناق حقائق الايمان التي تعلنها والعيش بمقتضاها، قبول اسرار الخلاص السبعة والانفتاح لنعمها لتقديس الذات؛ الخضوع للسلطة الروحية فيها ولقوانينها (ق 8 من مجموعة قوانين الكنائس الشرقية). والبعد الثاني إعطاء الاسم للمعمّد وتسجيله في سجلات الكنيسة والدولة،الى جانب اسم "مسيحي" الذي يقتضي عيش الحياة المسيحية كما يصفها كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية
ولان يسوع هو "سلامنا وسلام الشعوب"، كما يسمّيه بولس الرسول، و"ملك السلام"، كما يسمّيه آشعيا النبي، خصّصت الكنيسة الاول من كانون الثاني للتأمل في السلام، عطية الله للبشر ومسؤوليتهم في بنائه يوميًا. فأنشأت "اليوم العالمي للسلام". واعتاد البابوات توجيه رسالة للمناسبة بموضوع السلام. فوجّه قداسة البابا بندكتوس السادس عشر رسالته الصادرة في 14 كانون الاول 2012، وعنوانها: "طوبى لفاعلي السلام"(متى 9:5). نظرًا لغنى مضمونها، سننقلها تباعًا في برنامج التنشئة المسيحية بأفكارها الرئيسية
المقدمة
المسيحيون، كشعب الله في الشركة معه وفي مسيرة الطريق مع جميع الناس، هم الملتزمون بتقاسم الافراح والآمال، الاحزان والهموم مع الجميع، معلنين خلاص المسيح، ومعزّزين السلام لكل الناس
ثمة أخطار عديدة تهدد السلام بالرغم من زمن العولمة مع ايجابياته وسلبياته: نزاعات دامية جارية، تهديدات بالحرب، توترات ومعارضات بسبب عمق الهوّة بين الاغنياء والفقراء، تغليب الذهنية الانانية والفردية المعبّر عنها في رأسمالية من دون قاعدة؛ أشكال متنوعة من الارهاب والاجرام الدوليين، الاصوليات وانواع التعصّب التي تشوّه طبيعة الدين الحقيقية، الداعية الى الشركة والمصالحة بين الناس، وبالتالي تشكّل خطرًا على السلام
امام هذه الاخطار والتهديدات، ينبغي تجديد الالتزام الجماعي في البحث عن الخير العام، وعن انماء الانسان بشموليته
لكننا نرى بالمقابل في العالم اعمالاً عديدة لصالح السلام، تشهد لدعوة فطرية في البشرية الى السلام. يوجد في كل شخص رغبة بالسلام هي توق جوهري فيه متطابق مع ما يصبو اليه من حياة انسانية كاملة وسعيدة. هذه الرغبة بالسلام تتطابق مع المبدأ الاخلاقي الاساسي، وهو النمو الشامل، الاجتماعي والجماعي، كحق وواجب، وفقًا لتصميم الله على الانسان. أجل، كل انسان هو مخلوق من اجل السلام الذي هو عطية من الله
هذا كله ألهم قداسة البابا لاختيار التطويبة الانجيلية عنوانًا لرسالته: "طوبى لفاعلي السلام، فانهم ابناء الله يدعون" (متى9:5
الطوبى الانجيلية
انها اولاً ككل الطوبايات الاخرى (متى3:5-12) من جملة الوعود كخبر مفرح، حسب لفظة "انجيل"؛ وهي ثانيًا من التوصيات الاخلاقيةالتي ننال ثوابًا على حفظها في هذا العالم وفي الآتي، وهي ثالثًا تتميم للوعد تجاه كل الذين يلتزمون الحقيقة والعدالة والحب. الوعد هو انهم يصبحون حقًا ابناء الله وبناته، في هذه الحياة وفي الآتية، والله متضامن كليًا معهم، وهو الى جانبهم في التزامهم المثلث المذكور. والمسيح يعطيهم السلام الحقيقي الذي يولد من لقاء الانسان بالله لقاءً واثقًا ووجدانيًّا
ندرك من هذه الطوبى ان السلام هو في آن عطية مسيحانية وعمل بشري. عطية تنبع من الله وتُعاش مع الآخرين ومن أجل الآخرين. اخلاقية السلام هي اخلاقية الشركة والتقاسم، لا مقاييس السلطة او الكسب، حيث الوسائل تصبح غايات. السلام هو بناء العيش معًا حسب المقاييس التي يريدها الله
السلام يعني شمولية الشخص البشري ويتطلب التزامه بكامل انسانيته، ليعيش سلامًا مع الله وفقًا لإرادته. انه سلام داخلي، وسلام خارجي مع القريب ومع كل الخلق. ولذلك يقوم على ركائز اربع: الحقيقة والحرية والمحبّة والعدالة (الطوباوي البابا يوحنا الثالث والعشرين: سلام على الارض). من دون الحقيقة حول الانسان، التي كتبها الله الخالق في قلبه، تتلاشى الحرية والمحبّة، وتفقد العدالة أساس ممارستها. لكي نصبح فاعلي سلام حقيقيين ينبغي أن نتغلّب على الخطيئة التي هي نقيض السلام مع الله والذات والناس. فالخطيئة تعني أنانية وعنفًا وجشعًا وتسلّطًا واستكبارًا وبغضًا وحقدًا وظلمًا. فاعل السلام هو الذي يبحث عن خير الآخر، خير نفسه وجسده الكامل، اليوم وغدًا. فاعل السلام هو الذي يقتدي بالمسيح سلامنا وبرّنا ومصالحتنا(أف2: 14؛ 2كور5: 18
* * *
من انجيل القديس لوقا 3: 15-22
ولمَّا اعْتَمَدَ الشَّعْبُ كُلُّهُ، واعْتَمَدَ يَسُوعُ أَيْضًا، وكانَ يُصَلِّي، انفَتَحَتِ السَّمَاء، ونَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ القُدُسُ في صُورَةٍ جَسَديَّةٍ مِثْلِ حَمَامَة، وجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ يَقُول: "أَنْتَ هُوَ ابْنِي الحَبِيب، بِكَ رَضِيت
عيد الغطاس هو تذكار معمودية يسوع في نهر الاردن على يد يوحنّا المعمدان. ويُسمّى عيد الدنح، واللفظة سريانية تعني الظهور الإلهي. فساعة اعتماد يسوع ظهر الله الواحد والثالوث: الآب بالصوت، والابن يسوع المسيح الذي سمّاه الصوت "الابن الحبيب"، والروح القدس الذي نزل في صورة جسديّة مثل حمامة
كانت معمودية يوحنّا بالماء للتوبة: إعتراف بالخطايا وإقرار بها من جهة، والقصد بالخروج من حالة الخطيئة الراهنة وبدء حياة جديدة تغيّرت من جهة ثانية. رتبة إجراء المعمودية كانت ترمز الى هذا الواقع: النزول إلى الماء يرمز إلى الموت، مثل الطوفان الذي يبيد الحياة ويهدم، لكن الماء الجاري هو رمز الحياة، مثل نهر النيل والاردن والفرات، الخروج منها يعني ولادة حياة جديدة
هذه كلها كانت رموز لمعمودية يسوع الأقوى من معمودية يوحنّا، كما شهد هذا الأخير: "أنا أعمّدكم بالماء، ويأتي مَن هو أقوى منّي، هو يعمّدكم بالروح القدس والنار"(لو3: 16). بقي الرمز المزدوج: النزول في الماء كعلامة للموت مع المسيح عن حياة الخطيئة والاغتسال منها، والخروج من الماء كعلامة للقيامة مع المسيح بحياة النعمة، الحياة الالهية فينا. أمّا الحقيقة غير المنظورة فهي حلول الروح القدس الذي يمحو الخطايا ويمنح الحياة الإلهية، فيصبح المعمّد خلقًا جديدًا لابسًا المسيح، على ما يقول بولس الرسول(كول3: 9
لقد أصبحنا بالمعمودية خلقًا جديدًا، ينبغي أن نعيش بمقتضى جدّته، التي تعني العيش على مثال يسوع المسيح، لابسين المسيح، فتأتي أقوالنا وأفعالنا ومواقفنا انعكاسًا لوجه المسيح وشخصه. وأصبحنا مسكن الله الثالوث، فنعيش مظلّلين بنعمة الآب، ومفتدين بنعمة الابن الوحيد، ومقدَّسين بحلول الروح القدس. إنّنا مدعوون لنعيش حضارة المعمودية، حضارة الانسان الجديد التي هي الاقتداء بالمسيح في كل ما قال وما فعل
لماذا تقدّم يسوع للمعمودية على يد يوحنّا؟ هل يعترف بخطايا اقترفها وهو القدّوس، الاله المتجسّد؛ ألم يكن ذلك مدعاة للشك وللبرهان عن أنّه خاطئ، عندما مشى بين الخطأة التائبين ليعتمد؟
نجد الجواب في رواية متى في انجيله: "جاء يسوع الى يوحنا ليعتمد على يده... فمانعه يوحنا قائلاً: أنا المحتاج أن اعتمد منك، وأنت تأتي إليَّ؟ فأجابه يسوع: دعني الآن، فهكذا يحسن بنا أن نُتمّ كل برّ! حينئذٍ تركه يعتمد"(متى3: 13-15
"إتمام كل برّ" يعني قبول إرادة الله قبولاً كاملاً. بما أنّ النزول في الماء للمعودية يحتوي الاعتراف بالخطايا والتماس الغفران من اجل بداية جديدة، في عالم مطبوع بالخطيئة، يسوع يتضامن مع جميع الناس، حاملاً على منكبَيه كل خطايا البشر، وبادئًا هكذا رسالة الفداء مُستبقًا حمل الصليب. معموديته تعني قبول الموت من اجل خطايا البشرية
وفيما نزل يسوع إلى الماء وهو يصلّي، جاء صوت من السماء يعلن قدسيته الكاملة وبراءته من كل خطيئة، وتستبق قيامته من بعد موته على الصليب: "هذا هو ابني الحبيب"(لو3: 22). في الانجيل سمّى يسوع صليبه معمودية موته(راجع مر10: 32 ولو12: 50
صلاة
أيها الرب يسوع، بختانتك انتميت إلى شعب الله والتزمت بشريعته وأخذت إسم يسوع وسرت في رسالة الخلاص، أعطنا نعمة الالتزام بانتمائنا عبر المعمودية إلى كنيستك الواحدة، الجامعة، المقدسة، الرسولية، وعيش كل أبعاد مواصفاتها، وبرسالتها الخلاصية. وبمعموديتك حملت خطايا البشر أجمعين وخطايانا، متَّ على الصليب للتكفير عن خطايانا وقمت لتبريرنا، هبنا نعمة المشاركة بموتك وقيامتك، مائتين عن الخطايا وقائمين لحياة جديدة بغسل الماء والروح، وبمعمودية سرّ التوبة. وعندما يتحقّق فينا الخلق الجديد، ونستعيد بهاء بنوتنا الالهية، نصبح فاعلي سلام في العائلة والمجتمع والوطن، ونؤهَّل لرفع نشيد المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين