"لا تخفْن! أنتنّ تطلبْنَ يسوعَ الناصري المصلوب، إنّهُ قام، وهو ليس هنا"
(مر16: 6)
فخامةَ الرئيس
يسعدُني أن أرحّبَ بكم، مع إخواني السادة المطارنة والآباء وهذه الجماعة المصلّية، كما نرحّبُ بأصحاب المعالي والسعادة الوزراء والنوّاب وسائرِ معاونيكم العاملين في الحقل العام. وأنتم، يا فخامة الرئيس، تتقدّمون، مع السيّدة عقيلتِكم اللبنانيّة الأولى، هذا الجمهورَ كعادتكم، لنرفع الصلاة معاً إحتفالاً بعيد قيامة ربِّنا يسوع المسيح من بين الأموات. لقد ارتضى الموتَ على الصليب تكفيراً عن خطايانا وخطايا البشر، وقام من بين الأموات ليهبَنا الحياة الجديدة ويقدّسَنا. وبهذَين الحدثَين زَرَعَ السّلامَ في القلوب، وانتزعَ منها الخوفَ، وافتتحَ على الأرضِ زمناً جديداً مَرضيّاً لله، هو زمنُ المحبّةِ والأخوّةِ والمصالحة والسلام. هذا هو مضمون بُشرى الملاك للنِّسوة من داخل القبر الفارغ: "لا تخفْنَ! أنتُنّ تطلبْنَ يسوع الناصري المصلوب، إنّه قام، وهو ليس هنا" (مر16: 6
إنّنا نُصلّي من أجلكم، فخامة الرئيس، لكي يعضدَكم المسيحُ القائم من الموت، وأنتم تقودون سفينة الوطن، لكي تصِلوا به إلى شاطئ الأمان. إنّنا نعيشُ في لبنان والمشرق ظرفًا شديدَ الخطورة بسببِ الأحداث الجارية في سوريا والمنطقة وتداعياتِها عندنا. تكتنفُنا ظلالُ الموت من كلّ جانب، سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا، فنصلّي معًا إلى المسيح الذي هو نورُنا وسلامُنا، لكي يدحرجَ عنّا وعن المنطقة حجرَ الموت والعنف والقتل والتدمير، كما دحرج الحجر الكبير عن باب قبره، فيُلهمَ الجميعَ إلى مخارج التفاهم والتعاون والسلام
إنَّ النسوةَ اللواتي قبلن بُشرى القيامة، لشدّة الإنذهال من الحدث وصدمة الصلب وعدم الفهم، "خرجْن من القبر ولم يقلْن لأحدٍ شيئاً(مر16: 8). لقد وقف كثيرٌ من الناس مذهولين، عبرَ الأجيال، أمام حدثِ موتِ الربِّ وقيامتِه. فما استطاعوا تقبّلَ فكرةِ صلبِ المسيح وموتِه، ولا استطاعوا إدراكَ سرِّ قيامته، فحَرَموا نفوسَهم من ثمارِ هذا السرّ الخلاصيّ. وربّما نحن مثلهم ولو من نوع آخر. فإن تَقَبَّلْنا الحدثَين، من بابِ الإيمان، ربّما لا نتقبّلُ الالتزامَ بمقتضياتهما، فلا نسعى إلى نيل ثمار موت المسيح وقيامته الخلاصية
نحن نؤمنُ أنّ يسوع صُلب ومات فداءً عنّا وتكفيراً عن خطايانا. فهل نعودُ إلى الله تائبين حقّاً عن الخطايا، وملتمسين الغفران عنها من خِدْمَةِ كهنةِ الكنيسة الذين سُلِّموا سلطانَ الحلِّ منها باسم المسيح الكاهن الأسمى؟ نحن نؤمنُ أنّ يسوع قام من الموتِ ومنحنا الحياة الجديدة لتقديسنا. فهل نمارسُ أسرار الخلاص لقَبول هذه الحياةِ الإلهيّة ولتحقيقِ قيامتنا لحياةٍ جديدة؟ فالإيمانُ الذي نُعلنُه بالفم ينبغي أن يصبحَ إيماناً في القلب، لكي يدفعَ بنا إلى التماس نعمة التقديس والحياة الجديدة، كما يقول بولس الرسول: "إن اعترفتَ بفمك أن يسوع هو ربّ، وآمنتَ في قلبك أنَّ الله أقامه من بين الأموات تخلُص. لأنَّ الإيمان بالقلب يقود إلى البرّ، والاعترافَ بالفم يقود إلى الخلاص" (روم10: 9-10
لكي يكون الإيمانُ حقيقيًّا وكاملاً، لا يكفي أن يكون معرفةً على مستوى العقل، بل ينبغي أن يظهرَ في الأفعال على مستوى الإرادة، وأن يكتمل في القلب حُبّاً للمسيح وسعياً إلى لقاءٍ شخصيٍّ وجدانيّ معه. هذا اللقاء يغيّرُ الإنسانَ ويبدّلُه ويقدّسه. ألمؤمنون الحقيقيّون قادرون أن يبنوا مستقبلاً أفضل يتوق إليه الجميع، وأن يتكلّموا لغة جديدة تجمع وتُطَمْئِن، وأن يجدوا الحلول العادلة للأزمات. كم نحن بحاجة إلى مسؤولين مؤمنين يُدركون أنهم دُعوا لشرفِ خدمةِ الخير العام بالتّجرّد وبذل الذات! ألم يقلِ الربُّ يسوع: "مَن أراد أن يكون فيكم كبيرًا، فليكن لكم خادمًا؟ ومَن اراد أن يكون الأول، فليكن للجميع عبدًا؟" وأعطانا القدوة بنفسه قائلاً: "فإنَّ ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم بل ليَخدُم، ويبذلَ نفسه فدىً عن الكثيرين"(مر10: 43-45). وهكذا شكّلتِ الخدمة المُتفانية على مِثالِ المسيحِ الفادي مَنزِلةَ الشرف
موتُ المسيح وقيامتُه حدثٌ تاريخيٌّ يُغيّرُ وجه العالم ويبدّلُ وضع الإنسان. وقد جعل يسوعَ المسيح مقياساً للإنسان ولحياة والشعوب.موته يندرج في تصميم الله الخلاصي، لأنّه تكفيرٌ عن خطايا كلِّ إنسان، وفداءٌ للجنس البشري. يختلف موتُه عن موت البشر، بني آدم.فموت هؤلاء قصاصٌ على خطيئتهم وادّعائهم وكبريائهم ومزاحمتِهم لله سيّدهم؛ أمّا موتُ المسيح، الذي لم يرتكب خطيئة، فينبعُ من صميم محبته وتواضعه، هو الذي انحدر نحو الإنسان لكي يجتذبه من جديد إلى قمم الروح، ويرفعَه إليه. ولكنّه في الوقت نفسه، حَمَلَ خطايا البشر وجعلَ نفسه كأنّه خطيئة، وأرضى عدالةَ الله، فارتضى الآلامَ والموتَ المُذِلَّ على الصليب فداءً عن الجميع، وصالح اللهَ مع البشر أجمعين، وأصبح هو الغفران الذي يغسل خطيئة كلّ إنسان يتوب إلى ربّه
البشر يموتونَ ولن يقوموا إلاّ في آخر الأزمنة، أما يسوعُ فمات ليقومَ في اليوم الثالث كما جاء في الكتب، ولكي تولدَ البشريةُ الجديدة، المتمثّلةُ بالكنيسة، التي هي المسيحُ الكلّي أو المسيحُ السرّي، بالنسبة إلى المسيح التاريخي. مات لنقوم نحن به لحياة جديدة. لقد شبّه هذا السرَّ "بحبّة الحنطة التي تقع في الأرض وتموت فتعطي ثمراً كثيراً"(يو12: 24). وهكذا أصبح الموتُ والقيامة نهجَ حياةٍ لكلّ إنسان، على كلٍّ من المستوى الروحي والاجتماعي، العائلي والوطني. أصبحت كلُّ آلامِ البشر آلامَ مخاضٍ من أجل ولادةِ حياةٍ جديدة وواقعٍ جديد. هكذا نتطلّع إلى آلامِنا الشخصية والاجتماعية والوطنية. وكم ردّدنا عن شهدائنا أنّهم "ماتوا لنحيا
6. قيامة يسوع تختلف أيضًا عن قيامة الموتى الذين أعادهم هو إلى الحياة، كآياتٍ إستباقيّة لقيامتِه العتيدة. نذكر قيامةَ الشابّ إبنِ أرملة نائين(لو7: 11-17)، والصبيةِ إبنةِ يائيرس(مر5: 22: 24؛ 35-43)، ولعازر شقيقِ مرتا ومريم من بيت عنيا (يو11: 1-44). هؤلاء أعادهم يسوعُ إلى حياتهم البيولوجية العادية السابقة، ثمّ ماتوا من جديد بعد زمنٍ معيّن. أمّا قيامةُ يسوع من بين الأموات فكانت خروجاً نحو حياةٍ جديدة بكلّيَّتِها، لا تخضعُ بَعدَ الآن لشريعةِ الموتِ والصيرورة. إنّها حالةُ تخطٍّ للمكانِ والزمان والمادّة، وحضورٌ إلهيٌّ دائمٌ في تاريخ البشر ليقودَه إلى نهايته، وفي حياةِ كلّ إنسان ليقودَه إلى ذاته وإلى مصيره الأخير. لقد وضَعَنَا، نحن البشر، في حالةِ قيامة. وفي كلّ مرّةٍ نكونُ مصلوبين، فإنّنا قياميّون
لقد خَتَمَنا في المعمودية بختمِ الموتِ والقيامة، روحيّاً وحسّياً ومعنويّاً، على ما قال بولسُ الرسول: "لقد دُفنّا مع المسيح بالمعموديّةِ للموت، حتّى إنّنا، كما أُقيمَ المسيحُ من بين الأموات بمجدِ الآب، كذلك نسلُكُ نحن أيضًا في جِدَّةِ الحياة. لأنّا اتّحدنا معه بشبهِ موته، نصيرُ أيضًا بشبه قيامتِه، عالمين أنّ إنساننا العتيقَ قد صُلبَ معه، لكي يتلاشى جسدُ الخطيئة، بحيث لا نُستعبَدُ بَعْدُ للخطيئة، لأنّ الذي يموت يتحرّرُ من الخطيئة(روم6: 4-7
7. لقد علَّمنا يسوعُ المسيح، بتجسّدِه وموتِه وقيامته، أنّ للإنسان قيمةٌ مُطلقة عند الله، لأنّ اللهَ خلقه على صورته ومثاله، لكي يعكُسَ وجهَه غيرَ المنظور، وابنَ الله يسوع المسيح افتداه بدمه الزّكيّ على الصليب، والروحَ القدس جعلَه هيكلاً مُقدّسًا. لذا كان الإنسانُ، كلُّ إنسان، طريقَ المسيح، إذ من أجله تجسّدَ وهو ابن الله، واحتملَ الآلام ومات على الصليب وقام من بين الأموات. وجعله طريقَ الكنيسة وغايةَ رسالتها، فهي تتنبّه لما يُهدّدُ الانسان من أخطار، وترفع الصوت عاليًا للدفاع عنه، ولإعطاءِ صوتٍ لمن لا صوت لهم(يوحنّا بولس الثانين فادي الانسان، 14). إنّ ما نشهدُه من تحقيرٍ لكرامة الإنسان عندنا وفي بلدان الشرق الأوسط، ومن اعتداءٍ على حياته وقتله وتعذيبه وتهجيره وتشريده وتجويعه وحرمانه حقوقه الأساسيّة، ومن تلاعب بمصير أجيالنا الطّالعة، إنّما يشكّل جرمًا فظيعًا ضدّ الإنسانيّة
إنّ السلطة السياسيّة، التي وُجدت لخدمة الانسان المواطن والخير العام، في ما يختصّ بالشؤون الاقتصاديّة والاجتماعيّة والتشريعيّة والإجرائية والإدارية والقضائيّة، مُلزَمة بتوجيه كلّ نشاطاتها إلى تعزيز إنماء الشخص البشري وكرامته وحقوقه الأساسيّة المرتكزة على الشريعتَين الإلهيّة والطبيعية المكتوبة في قلب الإنسان. وليدرك أصحاب السلطة السياسيّة أنهم، على ما يقول بولس الرسول "خدّام الله للشعب وللخير"(روم13: 4
8. وفيما نُقدّم أطيبَ التهاني بالعيد مع أخلص التمنّيات لكم، فخامة الرئيس وللسيّدة اللبنانيّة الأولى، ولجميع الحاضرين، ومن خلالكم لكلّ اللبنانيّين عامة والمسيحيّين خاصّة المتواجدين في بلدان المشرق وعالم الانتشار، نتذكّر موت المسيح الفادي وقيامته من بين الأموات من اجل كلّ إنسان، مُدركين أنّ سرّ الموت والقيامة أصبح نهج كلّ مسؤول. فهو مدعوٌ لأن "يموت" عن مصالحه وحساباته الخاصّة، "ويقوم" لحياة التفاني والبذل والعطاء، من أجل "قيامة" الوطن والمواطنين. وعلى هذا الاساس نتبادل تحية الفصح: المسيح قام! حقًّا قام! آمين
يسعدُني أن أرحّبَ بكم، مع إخواني السادة المطارنة والآباء وهذه الجماعة المصلّية، كما نرحّبُ بأصحاب المعالي والسعادة الوزراء والنوّاب وسائرِ معاونيكم العاملين في الحقل العام. وأنتم، يا فخامة الرئيس، تتقدّمون، مع السيّدة عقيلتِكم اللبنانيّة الأولى، هذا الجمهورَ كعادتكم، لنرفع الصلاة معاً إحتفالاً بعيد قيامة ربِّنا يسوع المسيح من بين الأموات. لقد ارتضى الموتَ على الصليب تكفيراً عن خطايانا وخطايا البشر، وقام من بين الأموات ليهبَنا الحياة الجديدة ويقدّسَنا. وبهذَين الحدثَين زَرَعَ السّلامَ في القلوب، وانتزعَ منها الخوفَ، وافتتحَ على الأرضِ زمناً جديداً مَرضيّاً لله، هو زمنُ المحبّةِ والأخوّةِ والمصالحة والسلام. هذا هو مضمون بُشرى الملاك للنِّسوة من داخل القبر الفارغ: "لا تخفْنَ! أنتُنّ تطلبْنَ يسوع الناصري المصلوب، إنّه قام، وهو ليس هنا" (مر16: 6
إنّنا نُصلّي من أجلكم، فخامة الرئيس، لكي يعضدَكم المسيحُ القائم من الموت، وأنتم تقودون سفينة الوطن، لكي تصِلوا به إلى شاطئ الأمان. إنّنا نعيشُ في لبنان والمشرق ظرفًا شديدَ الخطورة بسببِ الأحداث الجارية في سوريا والمنطقة وتداعياتِها عندنا. تكتنفُنا ظلالُ الموت من كلّ جانب، سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا، فنصلّي معًا إلى المسيح الذي هو نورُنا وسلامُنا، لكي يدحرجَ عنّا وعن المنطقة حجرَ الموت والعنف والقتل والتدمير، كما دحرج الحجر الكبير عن باب قبره، فيُلهمَ الجميعَ إلى مخارج التفاهم والتعاون والسلام
إنَّ النسوةَ اللواتي قبلن بُشرى القيامة، لشدّة الإنذهال من الحدث وصدمة الصلب وعدم الفهم، "خرجْن من القبر ولم يقلْن لأحدٍ شيئاً(مر16: 8). لقد وقف كثيرٌ من الناس مذهولين، عبرَ الأجيال، أمام حدثِ موتِ الربِّ وقيامتِه. فما استطاعوا تقبّلَ فكرةِ صلبِ المسيح وموتِه، ولا استطاعوا إدراكَ سرِّ قيامته، فحَرَموا نفوسَهم من ثمارِ هذا السرّ الخلاصيّ. وربّما نحن مثلهم ولو من نوع آخر. فإن تَقَبَّلْنا الحدثَين، من بابِ الإيمان، ربّما لا نتقبّلُ الالتزامَ بمقتضياتهما، فلا نسعى إلى نيل ثمار موت المسيح وقيامته الخلاصية
نحن نؤمنُ أنّ يسوع صُلب ومات فداءً عنّا وتكفيراً عن خطايانا. فهل نعودُ إلى الله تائبين حقّاً عن الخطايا، وملتمسين الغفران عنها من خِدْمَةِ كهنةِ الكنيسة الذين سُلِّموا سلطانَ الحلِّ منها باسم المسيح الكاهن الأسمى؟ نحن نؤمنُ أنّ يسوع قام من الموتِ ومنحنا الحياة الجديدة لتقديسنا. فهل نمارسُ أسرار الخلاص لقَبول هذه الحياةِ الإلهيّة ولتحقيقِ قيامتنا لحياةٍ جديدة؟ فالإيمانُ الذي نُعلنُه بالفم ينبغي أن يصبحَ إيماناً في القلب، لكي يدفعَ بنا إلى التماس نعمة التقديس والحياة الجديدة، كما يقول بولس الرسول: "إن اعترفتَ بفمك أن يسوع هو ربّ، وآمنتَ في قلبك أنَّ الله أقامه من بين الأموات تخلُص. لأنَّ الإيمان بالقلب يقود إلى البرّ، والاعترافَ بالفم يقود إلى الخلاص" (روم10: 9-10
لكي يكون الإيمانُ حقيقيًّا وكاملاً، لا يكفي أن يكون معرفةً على مستوى العقل، بل ينبغي أن يظهرَ في الأفعال على مستوى الإرادة، وأن يكتمل في القلب حُبّاً للمسيح وسعياً إلى لقاءٍ شخصيٍّ وجدانيّ معه. هذا اللقاء يغيّرُ الإنسانَ ويبدّلُه ويقدّسه. ألمؤمنون الحقيقيّون قادرون أن يبنوا مستقبلاً أفضل يتوق إليه الجميع، وأن يتكلّموا لغة جديدة تجمع وتُطَمْئِن، وأن يجدوا الحلول العادلة للأزمات. كم نحن بحاجة إلى مسؤولين مؤمنين يُدركون أنهم دُعوا لشرفِ خدمةِ الخير العام بالتّجرّد وبذل الذات! ألم يقلِ الربُّ يسوع: "مَن أراد أن يكون فيكم كبيرًا، فليكن لكم خادمًا؟ ومَن اراد أن يكون الأول، فليكن للجميع عبدًا؟" وأعطانا القدوة بنفسه قائلاً: "فإنَّ ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم بل ليَخدُم، ويبذلَ نفسه فدىً عن الكثيرين"(مر10: 43-45). وهكذا شكّلتِ الخدمة المُتفانية على مِثالِ المسيحِ الفادي مَنزِلةَ الشرف
موتُ المسيح وقيامتُه حدثٌ تاريخيٌّ يُغيّرُ وجه العالم ويبدّلُ وضع الإنسان. وقد جعل يسوعَ المسيح مقياساً للإنسان ولحياة والشعوب.موته يندرج في تصميم الله الخلاصي، لأنّه تكفيرٌ عن خطايا كلِّ إنسان، وفداءٌ للجنس البشري. يختلف موتُه عن موت البشر، بني آدم.فموت هؤلاء قصاصٌ على خطيئتهم وادّعائهم وكبريائهم ومزاحمتِهم لله سيّدهم؛ أمّا موتُ المسيح، الذي لم يرتكب خطيئة، فينبعُ من صميم محبته وتواضعه، هو الذي انحدر نحو الإنسان لكي يجتذبه من جديد إلى قمم الروح، ويرفعَه إليه. ولكنّه في الوقت نفسه، حَمَلَ خطايا البشر وجعلَ نفسه كأنّه خطيئة، وأرضى عدالةَ الله، فارتضى الآلامَ والموتَ المُذِلَّ على الصليب فداءً عن الجميع، وصالح اللهَ مع البشر أجمعين، وأصبح هو الغفران الذي يغسل خطيئة كلّ إنسان يتوب إلى ربّه
البشر يموتونَ ولن يقوموا إلاّ في آخر الأزمنة، أما يسوعُ فمات ليقومَ في اليوم الثالث كما جاء في الكتب، ولكي تولدَ البشريةُ الجديدة، المتمثّلةُ بالكنيسة، التي هي المسيحُ الكلّي أو المسيحُ السرّي، بالنسبة إلى المسيح التاريخي. مات لنقوم نحن به لحياة جديدة. لقد شبّه هذا السرَّ "بحبّة الحنطة التي تقع في الأرض وتموت فتعطي ثمراً كثيراً"(يو12: 24). وهكذا أصبح الموتُ والقيامة نهجَ حياةٍ لكلّ إنسان، على كلٍّ من المستوى الروحي والاجتماعي، العائلي والوطني. أصبحت كلُّ آلامِ البشر آلامَ مخاضٍ من أجل ولادةِ حياةٍ جديدة وواقعٍ جديد. هكذا نتطلّع إلى آلامِنا الشخصية والاجتماعية والوطنية. وكم ردّدنا عن شهدائنا أنّهم "ماتوا لنحيا
6. قيامة يسوع تختلف أيضًا عن قيامة الموتى الذين أعادهم هو إلى الحياة، كآياتٍ إستباقيّة لقيامتِه العتيدة. نذكر قيامةَ الشابّ إبنِ أرملة نائين(لو7: 11-17)، والصبيةِ إبنةِ يائيرس(مر5: 22: 24؛ 35-43)، ولعازر شقيقِ مرتا ومريم من بيت عنيا (يو11: 1-44). هؤلاء أعادهم يسوعُ إلى حياتهم البيولوجية العادية السابقة، ثمّ ماتوا من جديد بعد زمنٍ معيّن. أمّا قيامةُ يسوع من بين الأموات فكانت خروجاً نحو حياةٍ جديدة بكلّيَّتِها، لا تخضعُ بَعدَ الآن لشريعةِ الموتِ والصيرورة. إنّها حالةُ تخطٍّ للمكانِ والزمان والمادّة، وحضورٌ إلهيٌّ دائمٌ في تاريخ البشر ليقودَه إلى نهايته، وفي حياةِ كلّ إنسان ليقودَه إلى ذاته وإلى مصيره الأخير. لقد وضَعَنَا، نحن البشر، في حالةِ قيامة. وفي كلّ مرّةٍ نكونُ مصلوبين، فإنّنا قياميّون
لقد خَتَمَنا في المعمودية بختمِ الموتِ والقيامة، روحيّاً وحسّياً ومعنويّاً، على ما قال بولسُ الرسول: "لقد دُفنّا مع المسيح بالمعموديّةِ للموت، حتّى إنّنا، كما أُقيمَ المسيحُ من بين الأموات بمجدِ الآب، كذلك نسلُكُ نحن أيضًا في جِدَّةِ الحياة. لأنّا اتّحدنا معه بشبهِ موته، نصيرُ أيضًا بشبه قيامتِه، عالمين أنّ إنساننا العتيقَ قد صُلبَ معه، لكي يتلاشى جسدُ الخطيئة، بحيث لا نُستعبَدُ بَعْدُ للخطيئة، لأنّ الذي يموت يتحرّرُ من الخطيئة(روم6: 4-7
7. لقد علَّمنا يسوعُ المسيح، بتجسّدِه وموتِه وقيامته، أنّ للإنسان قيمةٌ مُطلقة عند الله، لأنّ اللهَ خلقه على صورته ومثاله، لكي يعكُسَ وجهَه غيرَ المنظور، وابنَ الله يسوع المسيح افتداه بدمه الزّكيّ على الصليب، والروحَ القدس جعلَه هيكلاً مُقدّسًا. لذا كان الإنسانُ، كلُّ إنسان، طريقَ المسيح، إذ من أجله تجسّدَ وهو ابن الله، واحتملَ الآلام ومات على الصليب وقام من بين الأموات. وجعله طريقَ الكنيسة وغايةَ رسالتها، فهي تتنبّه لما يُهدّدُ الانسان من أخطار، وترفع الصوت عاليًا للدفاع عنه، ولإعطاءِ صوتٍ لمن لا صوت لهم(يوحنّا بولس الثانين فادي الانسان، 14). إنّ ما نشهدُه من تحقيرٍ لكرامة الإنسان عندنا وفي بلدان الشرق الأوسط، ومن اعتداءٍ على حياته وقتله وتعذيبه وتهجيره وتشريده وتجويعه وحرمانه حقوقه الأساسيّة، ومن تلاعب بمصير أجيالنا الطّالعة، إنّما يشكّل جرمًا فظيعًا ضدّ الإنسانيّة
إنّ السلطة السياسيّة، التي وُجدت لخدمة الانسان المواطن والخير العام، في ما يختصّ بالشؤون الاقتصاديّة والاجتماعيّة والتشريعيّة والإجرائية والإدارية والقضائيّة، مُلزَمة بتوجيه كلّ نشاطاتها إلى تعزيز إنماء الشخص البشري وكرامته وحقوقه الأساسيّة المرتكزة على الشريعتَين الإلهيّة والطبيعية المكتوبة في قلب الإنسان. وليدرك أصحاب السلطة السياسيّة أنهم، على ما يقول بولس الرسول "خدّام الله للشعب وللخير"(روم13: 4
8. وفيما نُقدّم أطيبَ التهاني بالعيد مع أخلص التمنّيات لكم، فخامة الرئيس وللسيّدة اللبنانيّة الأولى، ولجميع الحاضرين، ومن خلالكم لكلّ اللبنانيّين عامة والمسيحيّين خاصّة المتواجدين في بلدان المشرق وعالم الانتشار، نتذكّر موت المسيح الفادي وقيامته من بين الأموات من اجل كلّ إنسان، مُدركين أنّ سرّ الموت والقيامة أصبح نهج كلّ مسؤول. فهو مدعوٌ لأن "يموت" عن مصالحه وحساباته الخاصّة، "ويقوم" لحياة التفاني والبذل والعطاء، من أجل "قيامة" الوطن والمواطنين. وعلى هذا الاساس نتبادل تحية الفصح: المسيح قام! حقًّا قام! آمين