الثِّياب اللِّيترجيَّة الكهنوتِيَّة ومعانيها بحسب الكنيسة البيزنطيّ
توطئة
سأقوم بدراستي هذه بتعداد الثِّياب اللِّيترجيَّة لكل من الكاهن والشّمَّاس الإنجيليّ والأسقف مبيِّنًا معنى كل قطعة من هذه الثِّياب، إلى ماذا ترمز متوقِّفًا على الصَّلاة المرافقة عند لبس كل قطعة؛ بحسب الكنيسة البيزنطيَّة ومن ثمَّ أنتقل إلى شرح بعض رموز الألوان وإلى معانيها المختلفة، وأنتهي بشرح لبعض الرُّموز المرسومة على هذه الثِّياب وتبيان معانيها
مقدِّمة
إنَّ الحلَّة الَّتي يرتديها اليوم الكهنة ليست سوى تقليد للثِّياب الرَّسميَّة المدنيَّة المستخدمة قديمًا في الامبراطوريَّة البيزنطيَّة، مع الفارق أنَّ هذه الثِّياب الكنسيَّة أكثر زخرفة، لكن مع الوقت أصبحت الثِّياب الكهنوتيَّة تحمل معانٍ روحيَّة، والاتِّشاح بها صار تعبيرًا عن الوظيفة الخاصَّة المُناطة بالكاهن، إذ إنَّه يلبس ثياب المسيح ليقوم بخدمة كهنوتيَّة هي أساسًا من مهام الكاهن الأعظم ربّنا يسوع المسيح؛ فالكاهن هو إيقونة رئيس الكهنة وارتداء الحُلَّة الكهنوتيَّة يرمز إلى لبسه للمسيح، لذلك على ما يرد لدى القديس كيرلّس الإسكندريّ لا يجدر بالعلمانيين أن يلمسوها؛ فبنعمة الكهنوت يُدعى الإنسان ليصير مدبِّرًا للنِّعمة الإلهيَّة، وطالما اقتبل النّعمة لنفسه، فهو مدعو الآن أن يقدّمها للعالم. فالكاهن بحلَّته الكهنوتيَّة يذكِّرنا أنَّه في هذا العالم إلاَّ أنَّه ينتمي لا إلى هذا العالم. فهو يقف بين الإنسان والله وجسرًا تعبر عليه تقدماتنا إلى العليّ وتنحدر بواسطته مواهب الله إلينا
الثِّياب الكهنوتيَّة
أوَّلاً: الثِّياب الخاصَّة بالكاهن
أ) الاستيخارة أو القميص (Sticarion): هذا الثّوب مشترك بين جميع رجال الإكليروس وخَدَمة الهيكل، يرمز إلى ثوب الخلاص وثوب العرس وحلَّة البهجة[1]، ويكون هذا الثَّوب طويلاً من القدمَين على ما ذُكر في سفر الرُّؤيا[2]ويرمز إلى أُلُوهِيَّة يسوع المسيح وإلى صفاء القلب، وإلى الطَّهارة الَّتي يجب على جميع خَدَمَة الهيكل أن يتحلُّوا بها، وكذلك يوحي ببهاء الملائكة الَّذين يخدمون في السَّماء[3]، ينتظر المؤمنين عند المذبح المقدَّس قبر المسيح المعطي الحياة ليدعوهم إلى عشاء القيامة. والصَّلاة المرافقة: "تَبتَهجُ نفسي بالرَّبّ. فإِنَّهُ ألبَسني ثوبَ الخلاص. وشَملني برِداءِ السُّرور. وعصَّبني بتاجٍ كعريس. وزيَّنَني زينةَ العروس
ب) البطرشيل (Epitrachlion): أي ما يوضع على العنق وهو عصابة طويلة من القماش توضع حول العنق ويتدلَّى طرفاها على صدر الكاهن حتَّى الأسفل، مرسوم عليها ستَّة صلبان متقابلة، وسابع على الرَّقبة يرمز بها إلى الأسرار السّبعة، ويمثِّل أيضًا نير المسيح الخفيف العذب، ويرمز إلى النِّعمة الإلهيَّة[4]وكذلك إلى "نعمة الكهنوت ذلك باشتراك الكاهن في كهنوت المسيح إذ يكشف نعمة الرُّوح القدس المتمِّمة للخدمة والمنحدرة من العلى"[5]هذه النِّعمة هي كطيب خاصٍّ، الَّذي كان يُمسح به رئيس كهنة العبرانيِّين فيبدو الفرح على محيّاه، وتفوح منه رائحة زكيَّة وينشر الفرح على كلِّ الَّذين يَرَوْنَهُ[6]وأيضًا تُعطى نعمة الله الَّتي اقتبلها الكاهن للمؤمنين من خلال الأسرار إذ تنحدر النِّعمة الإلهيَّة كطيب من رأس الكنيسة (المسيح) على اللِّحية (الكاهن) وتنزل إلى أقصى الثَّوب، إلى ذيله (المؤمنين). ويقول القديس أثناسيوس الكبير في تفسيره (مز132: 2): " عندما تلتئم الكنيسة بتجانس واحد، عندها يُسكب الرُّوح القدس، أوَّلاً على رأس الكنيسة الَّذي هو المسيح، ثُمَّ على اللِّحية، ويُقصد بها الرُّسل، وينسكب في آخر الأمر على الجسد كلِّه، أي جميع الَّذين ارتدوا المسيح في الكنيسة"[7]. البطرشيل يكشف أنَّ الكاهن هو تحت الرَّأس (المسيح)، وأنَّه يجدر به أن يُتَمِّم الأعمال الَّتي هي للمسيح، بالمسيح ومن دونه لا يصنع شيئًا البتَّة[8
ج) الزِّنَّار (Zonh): يُستَعْمَل لشدِّ القميص حول الخصر، ذُكِرَ في سفر الرُّؤيا[9] ويرمز إلى أمرين: أوَّلاً إلى قوَّة الله الَّتي تعضد الكاهن في القدَّاس الإلهيّ. ثانيًا: إلى الطَّهارة والعفَّة الَّتي يجب على الكاهن أن يتحلَّى بها. فالخادم يتسوَّر بالزنَّار ولكن أيضًا بالعفَّة والبراءة. ولا ننسى ما حدث مع العبرانيِّين عندما كانوا يتناولون الفصح متمنطقين لكي يكونوا مستعدِّين للمسيرة الَّتي تقودهم إلى أرض الميعاد؛ كذلك نحن أيضًا نأكل الفصح الَّذي هو المسيح أي أن نتناول الأسرار متمنطقين، حتَّى نكون مستعدِّين للخروج.[10]بالإضافة إلى أنَّ الكاهن يسهر هو والمؤمنين بمصابيح النَّفس المشتعلة منتظرين الرَّب أن يأتي، كالأُناس المنتظرين سيِّدهم أن يرجع من العُرس فيفتحون له، بالحال عندما تكون أحقاؤهم ممنطقة والسُّرج موقدة[11]. ويصلِّي الكاهن هذه الصَّلاة عندما يلبس الزّنَّار: " تبارك الله الذي يُمنطِقُني بالقُدْرَة. وقد جعَلَ طَريقي بلا عَيْب
د) الأكمام (Epimanikia): تُستعمل لشدِّ أكمام القميص حول الذِّراعين لئلاَّ تتلوَّث أو تمسّ القرابين المقدَّسة، وترمزان إلى ذراع الله القويَّة الَّتي تسند المحتفل. كذلك ترمز الأكمام إلى خلق الإنسان وإلى التَّدبير الإلهيّ. فيقول الكاهن عند ارتدائه الكمّ في اليد اليُسرى: " يَداكَ صنعَتَاني وجَبَلتاني. فهِّمْني فأتعلَّمَ وصاياكَ"[12]؛ لأنَّه بيديّ الآب وهما الابن والرُّوح، صنع الله الإنسان على صورته ومثاله[13]أي يدا الله هما الكلمة والرُّوح القدس قد صنعتا الإنسان؛ لكن الإنسان قد آثر الاستعباد للعدوّ على العيش في سكنى الله، فأسره الشَّيطان إلى حين حطَّمت يمين العليّ الأعداء وسحقت المقاومين، بل بفضل جودة الرَّب وعطفه رُفِعَ الإنسان إلى السَّماء. فاليد اليُمنَى هي الرَّب يسوع الَّتي رفعت الإنسان الَّذي اتَّحد بنا فيقول عندما يلبس الكم اليمين: "يمينُكَ يا ربُّ عزيزةُ القوَّة. يمينُكَ يا ربُّ تُحطِّمُ العدُوّ. وبِعَظَمَةِ ٱقتِدارِكَ تَهدِمُ مُقاوِميكَ
لا نغفل أنَّ الرَّب يسوع يخدم بذاته الخدمة المقدَّسة، خدمة جسده المقدَّس ودمه[14]فيسوع أعطى الكهنة نعمة إتمام عمله الخاص، والكاهن أصبح يد المسيح. وفي هذا الصَّدد يقول القديس يوحنَّا الذَّهبي الفم: لا تصدِّق أنَّ الكاهن هو الَّذي يعطيك الأسرار الرَّهيبة، بل آمن أنَّ اليد الممدودة هي يد المسيح.[15]تجدر الإشارة أيضًا إلى أنَّ الأكمام ترمز إلى الحَبْل الَّذي جَنْدَلَ به بيلاطس يديّ المخلِّص وقت آلامه
ه) الحِجْر (Epigonation): وهو قطعة من نسيج مربَّعة الزَّوايا، كانت تُستخدم في البلاط الأمبراطوريّ كجيبٍ تُوضع فيه أوراق الخطب الَّتي كان يلقيها الأمبراطور. تُعطى لأصحاب الرُّتب الكنسيَّة كعلامة لحقِّهم بالوعظ والتَّعليم، وهو رمز للسَّيف الرُّوحيّ، سيف الحق والقُوَّة والشَّجاعة. فيصلِّي الكاهن عندما يلبسه: " تَقلَّدْ سيفَكَ على جَنْبِكَ. أَيُّها القويّ. بحُسْنِكَ وجمالِكَ ٱستَلَّهُ وسِرْ إِلى الأمام. وٱملِكْ في سَبيلِ الحقِّ والدِّعة والبرّ. فتَهديَكَ يمينُكَ هَدْيًا عَجيبًا "[16]وبهذا السَّيف يُقهر أعداء الإيمان
و) الإفلونيَّة أو المعطف (Felonion): وهو معطف واسع أصله فينيقيّ، يغطِّي الكاهن من الأكتاف إلى القدمَين، ويرمز إلى البهجة والبرّ والعدل[17]. أيضًا يرمز إلى الثوب القرمزيّ الَّذي جعله الجنود على كتفيّ يسوع وقت آلامه. ويقول القِدِّيس غريغوريوس اللاهوتيّ في هذا الصَّدد: " يا كهنة إلبسوا البرّ ... الرِّداء العظيم غير المعاب، المسيح زينتنا الخاصَّة، فهو يلبس ذاك الَّذي صار لنا حكمة من الله وبرًّا وقداسة "[18
إنَّ برّ الله هو محبَّة البشر، وهذه المحبَّة جعلت منَّا أبرارًا أحبَّاء وأصدقاء لله بموت يسوع، فالأفلونيَّة تكشف آلام المسيح المخلِّص، والكاهن يتشبَّه به عندما يرتديها. ويصلِّي الكاهن هذه الصَّلاة عندما يلبسها قائلاً: "كهنتُكَ يا ربُّ يَلبسونَ البِرَّ. وأصفياؤُكَ يَبتَهجونَ ابتهاجًا. كُلَّ حينٍ الآنَ وكلَّ أوانٍ وإلى دهرِ الدَّاهرين. آمين
ثانيًاً: الثِّياب الخاصَّة بالشّمَّاس
تتألَّف حَلَّةُ الشَّمَّاس من 1) الاستيخارة 2) والأكمام 3) والزّنَّار؛ لكن زنَّار الشَّمَّاس أو الأوراريون (Orarion): هو عصابة طويلة من القماش، مرسوم عليها ثلاثة صلبان، وكلمة قدُّوس ثلاثًا أيضًا، فهو يرمز إلى النِّعمة، وإلى أجنحة الملائكة المحيطين بعرش الحمل يسبِّحون الله بالنَّشيد المثلَّث التَّقديس، يرفعه الشَّمَّاس بيده اليمنى ليوجِّه به الشَّعب. يرتدي الشَّمَّاس حلَّته ويقول ما قاله الكاهن عند ارتداء الاستيخارة والأكمام، ثمَّ يقبِّل الزّنَّار ويضعه على كتفه اليُسرى قائلاً: " قدُّوس قدُّوس قدُّوس ربُّ الصَّباؤوت، السَّماء والأرض مملوءتان من مجدك"[19
يرد الحديث للمرَّة الأولى عن الزِّنَّار في القانون 22 من مجمع اللاذقيَّة، لكن البعض يعتقد بأنَّ هذه الكلمة مشتقَّة من اللفظة اللاتينيَّة Orare"" والَّتي تعني " أن نُصلِّي"، إذ الشَّمَّاس يعلن الطلبات ممسكًا بالزّنَّار أمَّا أفستراتيوس الأرجنتينيّ فيقول إنَّها مشتقَّة من من لفظة "Os, Oris" الَّتي تعني الفم. ذلك لأنَّ الشّمَّاس حالما كان ينقل القدسات للمؤمنين، يمسحون فمهم بالزّنَّار المتدلِّي على كتف الشَّمَّاس
ثالثًا: الثِّياب الخاصَّة بالأسقف
أ) السَّاكوس (SakkoV): وهو معطف الأباطرة، عمَّ استعماله بعد ذلك على جميع الأساقفة بعد سقوط القسطنطينيَّة؛ فهو ثوب قصير مفتوح من جانبيه، عريض الأكمام، يلبسه الأسقف بدلاً من الإفلونيَّة الَّتي لدى الكاهن؛ يرمز إلى ثوب الرَّب غير المخيط الَّذي اقترع عليه الجنود، ويُذكِّر بواجب سهر الأساقفة على التَّعليم القويم ضدَّ الهراطقة، ويرمز إلى ثوب التَّوبة الَّذي كان شائعًا في العهد القديم، وتجدر الإشارة إلى أن الثَّوب عادة ينتهي بأجراس[20] لتدل على الفرح
ب) المشلح أو الأوموفوريون (Womoforion): وهو عُصابة قماش عريضة، يضعها الأسقف حول عنقه متدلِّية على كتفيه، ويُشير إلى دور الأسقف الرَّعائيّ، إذ يرمز إلى الخروف الضَّال الَّذي يحمله الرَّاعي الصَّالح[21]معيدًا إيَّاه إلى الحظيرة[22]، وإلى الصَّليب الَّذي حمله يسوع في طريقه إلى الجلجلة
ج) إيقونتا الصَّدر أو الأنغولبيون (Engolpion): إحداهما تحمل صورة السَّيِّد، والأخرى السَّيِّدة تُلبسان عن يمين ويسار صليب الصَّدر، رمزًا إلى الكنيسة الَّتي كَرَّس ذاته لأجلها، ورمزًا إلى الإيمان القويم الَّذي يملأ قلبه. أمَّا في خارج الاحتفالات الليترجيَّة فيلبس عادة إيقونة والدة الإله
د) التَّاج: بعد سقوط القسطنطينيَّة احتفظ البطاركة بتاج الأباطرة، وقد لبسه أيضًا الأساقفة. هذا التَّاج يوجد في رأسه صليب، وعلى جوانبه إيقونات تُمَثِّل عادة الإنجيليِّين الأربعة، وهو يرمز إلى رأس الكنيسة المحلِيَّة.
ه) العصا الرَّاعويَّة: تُصنع من الخشب ومن المعدن، وتنتهي بحيَّتين ملتفَّتين حول الكرة الأرضيَّة برأسها صليب. الحيَّتان ترمزان إلى الفطنة والحكمة، وإلى الحيَّة الَّتي رفعها موسى في الصَّحراء ليخلُص من لدغات الحيَّات عند النَّظر إليها. وهي أيضًا تُشير إلى السُّلطة؛ وهذا ما نجده في رتبة تسليمها إلى الأسقف عند سيامته: "خُذ هذه العصا لترعى بها رعيَّة المسيح المُسَلَّمَة إليك. ولتكن في يديك للطَّائعين عصا رعاية وحماية، وللعُصاة والمتقلِّبين عصا إصلاح وتأديب
و) المَنْدِيَّة (Mantia): هي معطف واسع طويل الذَّيل، لونه خمريّ، عليه من الأمام إيقونات تُمثِّل الإنجيليِّين الأربعة، يلبسها الأسقف وبيده العصا وفي الأخرى الصَّليب عند دخوله الكنيسة دخولاً احتفاليًّا، وعندما يترأَس القُدَّاس من على عرشه بدون أن يصعد إلى الهيكل المقدَّس
ز) التريكاري (Trikhrion) والذِّيكاري (Dikhrion): وهي بالتَّرتيب، الشَّمعدان المثلَّث الشُّموع والمثنَّى الشُّموع، فالأوَّل يرمز إلى الثَّالوث الأقدس، والثَّاني إلى طبيعتَي المسيح، ونور الشُّموع يرمز إلى حلول الرُّوح القدس على الرُّسل بهيئة ألسنة ناريَّة[23]. يبارك الأسقف الشَّعب في الاحتفالات الكُبرى باسم المسيح وباسم الثَّالوث، راسمًا الصَّليب علامة الفداء والخلاص
ح) سجَّادة النَّسر: سجَّادة رُسم عليها نسر فوق مدينة، توضع تحت أقدام الأسقف حيثما وَقَف، وترمز إلى مركز الكنيسة، وإلى أنَّه حيث يكون الأسقف تكون الكنيسة، والنَّسر يمثِّل الأسقف الَّذي يحلِّق في أصول المعرفة اللاهوتيَّة
ألوان الحُلل الكهنوتيَّة ومعانيها
تختلف ألوان الحُلل الكهنوتيَّة بحسب الزَّمن اللِّيتورجي، ولكلِّ لون رمز؛ فعندما تتَّشِح الطَّبيعة بالألوان المختلفة والجميلة لدى تعاقب فصول السَّنة، هكذا تريد الكنيسة لدى تعاقب الأزمنة الكنسيَّة، أن يتَّشح الكاهن بألوان مختلفة مميَّزة مع المذبح ومنبر القراءات، والهدف من تنوّع الألوان هو التَّعبير بطريقة أكثر فعاليَّة، عمَّا لأسرار الإيمان التي نقيمها من ميِّزات، وعمَّا للحياة المسيحيَّة المتنامية من خلال السَّنة اللِّيتورجيَّة من مفهوم ولتحقِّق هذا الهدف اختارت الألوان التَّالية
أ) اللَّون الأبيض: إشارة إلى العيد والفرح والطَّهارة، يُستعمل في الزَّمن الفصحيّ والزَّمن الميلادِيّ وفي أعياد الرَّب خارج تذكارات الآلام؛ وفي أعياد وتذكارات: مريَم العَذراء، والمَلائِكة، والقدِّيسين ممَّن ليسوا بشهَداء، وفي عيد جميع القديسين، عيد القديس يوحنا المعمدان، عيد القديس يوحنا الإنجيلي
ب) اللَّون الأحمَر أو اللون البنفسجي: لون الحبّ والدَّمّ، يُستعمل في آلام الرَّبّ وفترة الصوم الكبير، وأعياد مولد الرسل والإنجيليِّين، والشهداء، وعيد رفع الصَّليب المحيي.كما يمكن استخدامها في الجنَّازات والدّفن
ج) اللَّون الأخضر: لون الأمَل والطبيعة، يستعمل في أحد الشَّعانين، وعيد العنصرة، ويدعونا إلى التشبُّه بالنَّباتات الخضراء، كي نأتي دومًا بالثِّمار الكثيرة اليافعة
د) اللَّون الذَّهبيّ: وهو الأكثر شيوعًا في الطَّقس البيزنطيّ الملكيّ، وهو رمز الملوكيَّة، والنُّور، والمجد
بعض الرُّموز الموجودة على الحلَّة الكهنوتيَّة ومعانيها
السَّمكة: (IXQUS) ترمز في أحرفها اليونانية " IhsouV, CristoV, Qeou, UioV, Swthr " يسوع المسيح ابن الله المخلص
السَّنابل: ترمز إلى القمح وإلى خبز الإفخارستيّا المقدّسة، وإلى وفرة الثِّمار، وإلى وحدة المسيحيِّين، وتُذَكِّرنا بالخبز غذاء الجسد، وقد حوَّله يسوع إلى جسده الخاصّ
المرساة: رمزٌ الى الأمل والرَّجاء وثبات الإيمان في الكنيسة على المسيح
الصَّليب: أداة الخلاص، فهو حارس المسكونة، وسند المؤمنين، وبهاء الكنيسة، ونكبة الأبالسة
عناقيد العنب: تُذَكِّرُنا بالكرمة، إذ المسيح هو الكرمة ونحن الأغصان، والعنب يقطر الخمر الَّذي يتحوَّل إلى دمّ المسيح، وهو يجلب الفرح والسَّعادة
الأحرف اليونانيَّة (A W): وتعني الألف والياء، إذ الرَّب يسوع[24] هو البداية والنِّهاية
خلاصة
يفرح الكاهن عندما يقترب من الأسرار الإلهيَّة الرَّهيبة، ويفرح لأنَّ الرَّب يُلبسه ثوب الخلاص وحلَّة السُّرور، ويَشكُر الرَّب يسوع الَّذي يُوشِّحه بِلِبَاسِ العَروس، فالإنسان يلبس المسيح كرداءٍ في سرّ المعموديَّة، فهو الحلَّة الَّتي تليق بجميع القِدِّيسين على نحوٍ فائق؛ بهذا البهاء يلبس الكاهن حلَّته؛ وكذلك كلّ الرُّموز إنَّما هي رمز لما للكهنوت من سموّ ورِفعة، إذ هو إيقونة رئيس الكهنة. وما يختصّ بالألوان؛ فكما أنَّ الأرض تدور حول الشَّمس، كذلك الكنيسة تدور حول المسيح، بذلك تتآلف الكنيسة بِفُصُولِهَا وأَلوَانِها حَولَ المسيح، فيعيش المؤمن هذه الفصول على نحو فائق
المراجع
1) حَّدَّاد بطرس (الأب)، 1987. أسرار الكنيسة السَّبعة في حياة الإنسان، جونية: المطبعة البولسيَّة
2) لحَّام غريغوريوس (البطريرك)، 2005. الصَّلاة في الكنيسة مع الجماعة، دمشق: باب توما
3) لحَّام لطفي (المطران)، 1988. مدخل إلى اللّيترجيَّا ورموزها في الكنيسة الشَّرقيَّة، جونية: المطبعة البولسيَّة
4) غريغوريوس (الأب)، موسى سلوان (تعريب)، 1999. تفسير القدَّاس الإلهيّ، طرابلس: لبنان
5) الصَّايغ فؤاد (الأرشمندريت)، 1998. صلاتنا حياتنا (مدخل إلى اللِّيترجيَّا)، جونية: المطبعة البولسيَّة
[1] ( أش 6: 10)
[2] (رؤ 1: 3)
[3] (لو 24: 4)
[4] (مز 132: 2)
[5] (سمعان أسقف تسالونيكي (P.G.155, 7137
[6] (الذَّهبيّ الفم في شرحه (خر 30: 30) EPE 21, 308-310)
[7] (BEP 32, 286)
[8] (سمعان أسقف تسالونيكي P.G. 155,713)
[9] (رؤ 1: 13)
[10] ذهبيّ الفم في شرحه (خر 21: 11) (EPE 21, 308-310)
[11] (لو 12: 35-37)
[12] (مز 118: 73)
[13] (القديس إيريناوس في شرحه (تك 1: 26) SC 153,73)
[14] (غريغوريوس النِّيصصي P.G. 45 697B)
[15] (EPE 58)
[16] (مز 44: 5)
[17] (مز 131: 9)
[18] (في تفسيره (1كو 1: 30) EPE 3,228
[19] (أش 6: 3)
[20] (خر 39: 25)
[21] (يو 10)
[22] (لو 15)
[23] (أع 2: 3)
[24] (رؤ 1: 8)، (رؤ 21: 6)، (رؤ 22: 13)
سأقوم بدراستي هذه بتعداد الثِّياب اللِّيترجيَّة لكل من الكاهن والشّمَّاس الإنجيليّ والأسقف مبيِّنًا معنى كل قطعة من هذه الثِّياب، إلى ماذا ترمز متوقِّفًا على الصَّلاة المرافقة عند لبس كل قطعة؛ بحسب الكنيسة البيزنطيَّة ومن ثمَّ أنتقل إلى شرح بعض رموز الألوان وإلى معانيها المختلفة، وأنتهي بشرح لبعض الرُّموز المرسومة على هذه الثِّياب وتبيان معانيها
مقدِّمة
إنَّ الحلَّة الَّتي يرتديها اليوم الكهنة ليست سوى تقليد للثِّياب الرَّسميَّة المدنيَّة المستخدمة قديمًا في الامبراطوريَّة البيزنطيَّة، مع الفارق أنَّ هذه الثِّياب الكنسيَّة أكثر زخرفة، لكن مع الوقت أصبحت الثِّياب الكهنوتيَّة تحمل معانٍ روحيَّة، والاتِّشاح بها صار تعبيرًا عن الوظيفة الخاصَّة المُناطة بالكاهن، إذ إنَّه يلبس ثياب المسيح ليقوم بخدمة كهنوتيَّة هي أساسًا من مهام الكاهن الأعظم ربّنا يسوع المسيح؛ فالكاهن هو إيقونة رئيس الكهنة وارتداء الحُلَّة الكهنوتيَّة يرمز إلى لبسه للمسيح، لذلك على ما يرد لدى القديس كيرلّس الإسكندريّ لا يجدر بالعلمانيين أن يلمسوها؛ فبنعمة الكهنوت يُدعى الإنسان ليصير مدبِّرًا للنِّعمة الإلهيَّة، وطالما اقتبل النّعمة لنفسه، فهو مدعو الآن أن يقدّمها للعالم. فالكاهن بحلَّته الكهنوتيَّة يذكِّرنا أنَّه في هذا العالم إلاَّ أنَّه ينتمي لا إلى هذا العالم. فهو يقف بين الإنسان والله وجسرًا تعبر عليه تقدماتنا إلى العليّ وتنحدر بواسطته مواهب الله إلينا
الثِّياب الكهنوتيَّة
أوَّلاً: الثِّياب الخاصَّة بالكاهن
أ) الاستيخارة أو القميص (Sticarion): هذا الثّوب مشترك بين جميع رجال الإكليروس وخَدَمة الهيكل، يرمز إلى ثوب الخلاص وثوب العرس وحلَّة البهجة[1]، ويكون هذا الثَّوب طويلاً من القدمَين على ما ذُكر في سفر الرُّؤيا[2]ويرمز إلى أُلُوهِيَّة يسوع المسيح وإلى صفاء القلب، وإلى الطَّهارة الَّتي يجب على جميع خَدَمَة الهيكل أن يتحلُّوا بها، وكذلك يوحي ببهاء الملائكة الَّذين يخدمون في السَّماء[3]، ينتظر المؤمنين عند المذبح المقدَّس قبر المسيح المعطي الحياة ليدعوهم إلى عشاء القيامة. والصَّلاة المرافقة: "تَبتَهجُ نفسي بالرَّبّ. فإِنَّهُ ألبَسني ثوبَ الخلاص. وشَملني برِداءِ السُّرور. وعصَّبني بتاجٍ كعريس. وزيَّنَني زينةَ العروس
ب) البطرشيل (Epitrachlion): أي ما يوضع على العنق وهو عصابة طويلة من القماش توضع حول العنق ويتدلَّى طرفاها على صدر الكاهن حتَّى الأسفل، مرسوم عليها ستَّة صلبان متقابلة، وسابع على الرَّقبة يرمز بها إلى الأسرار السّبعة، ويمثِّل أيضًا نير المسيح الخفيف العذب، ويرمز إلى النِّعمة الإلهيَّة[4]وكذلك إلى "نعمة الكهنوت ذلك باشتراك الكاهن في كهنوت المسيح إذ يكشف نعمة الرُّوح القدس المتمِّمة للخدمة والمنحدرة من العلى"[5]هذه النِّعمة هي كطيب خاصٍّ، الَّذي كان يُمسح به رئيس كهنة العبرانيِّين فيبدو الفرح على محيّاه، وتفوح منه رائحة زكيَّة وينشر الفرح على كلِّ الَّذين يَرَوْنَهُ[6]وأيضًا تُعطى نعمة الله الَّتي اقتبلها الكاهن للمؤمنين من خلال الأسرار إذ تنحدر النِّعمة الإلهيَّة كطيب من رأس الكنيسة (المسيح) على اللِّحية (الكاهن) وتنزل إلى أقصى الثَّوب، إلى ذيله (المؤمنين). ويقول القديس أثناسيوس الكبير في تفسيره (مز132: 2): " عندما تلتئم الكنيسة بتجانس واحد، عندها يُسكب الرُّوح القدس، أوَّلاً على رأس الكنيسة الَّذي هو المسيح، ثُمَّ على اللِّحية، ويُقصد بها الرُّسل، وينسكب في آخر الأمر على الجسد كلِّه، أي جميع الَّذين ارتدوا المسيح في الكنيسة"[7]. البطرشيل يكشف أنَّ الكاهن هو تحت الرَّأس (المسيح)، وأنَّه يجدر به أن يُتَمِّم الأعمال الَّتي هي للمسيح، بالمسيح ومن دونه لا يصنع شيئًا البتَّة[8
ج) الزِّنَّار (Zonh): يُستَعْمَل لشدِّ القميص حول الخصر، ذُكِرَ في سفر الرُّؤيا[9] ويرمز إلى أمرين: أوَّلاً إلى قوَّة الله الَّتي تعضد الكاهن في القدَّاس الإلهيّ. ثانيًا: إلى الطَّهارة والعفَّة الَّتي يجب على الكاهن أن يتحلَّى بها. فالخادم يتسوَّر بالزنَّار ولكن أيضًا بالعفَّة والبراءة. ولا ننسى ما حدث مع العبرانيِّين عندما كانوا يتناولون الفصح متمنطقين لكي يكونوا مستعدِّين للمسيرة الَّتي تقودهم إلى أرض الميعاد؛ كذلك نحن أيضًا نأكل الفصح الَّذي هو المسيح أي أن نتناول الأسرار متمنطقين، حتَّى نكون مستعدِّين للخروج.[10]بالإضافة إلى أنَّ الكاهن يسهر هو والمؤمنين بمصابيح النَّفس المشتعلة منتظرين الرَّب أن يأتي، كالأُناس المنتظرين سيِّدهم أن يرجع من العُرس فيفتحون له، بالحال عندما تكون أحقاؤهم ممنطقة والسُّرج موقدة[11]. ويصلِّي الكاهن هذه الصَّلاة عندما يلبس الزّنَّار: " تبارك الله الذي يُمنطِقُني بالقُدْرَة. وقد جعَلَ طَريقي بلا عَيْب
د) الأكمام (Epimanikia): تُستعمل لشدِّ أكمام القميص حول الذِّراعين لئلاَّ تتلوَّث أو تمسّ القرابين المقدَّسة، وترمزان إلى ذراع الله القويَّة الَّتي تسند المحتفل. كذلك ترمز الأكمام إلى خلق الإنسان وإلى التَّدبير الإلهيّ. فيقول الكاهن عند ارتدائه الكمّ في اليد اليُسرى: " يَداكَ صنعَتَاني وجَبَلتاني. فهِّمْني فأتعلَّمَ وصاياكَ"[12]؛ لأنَّه بيديّ الآب وهما الابن والرُّوح، صنع الله الإنسان على صورته ومثاله[13]أي يدا الله هما الكلمة والرُّوح القدس قد صنعتا الإنسان؛ لكن الإنسان قد آثر الاستعباد للعدوّ على العيش في سكنى الله، فأسره الشَّيطان إلى حين حطَّمت يمين العليّ الأعداء وسحقت المقاومين، بل بفضل جودة الرَّب وعطفه رُفِعَ الإنسان إلى السَّماء. فاليد اليُمنَى هي الرَّب يسوع الَّتي رفعت الإنسان الَّذي اتَّحد بنا فيقول عندما يلبس الكم اليمين: "يمينُكَ يا ربُّ عزيزةُ القوَّة. يمينُكَ يا ربُّ تُحطِّمُ العدُوّ. وبِعَظَمَةِ ٱقتِدارِكَ تَهدِمُ مُقاوِميكَ
لا نغفل أنَّ الرَّب يسوع يخدم بذاته الخدمة المقدَّسة، خدمة جسده المقدَّس ودمه[14]فيسوع أعطى الكهنة نعمة إتمام عمله الخاص، والكاهن أصبح يد المسيح. وفي هذا الصَّدد يقول القديس يوحنَّا الذَّهبي الفم: لا تصدِّق أنَّ الكاهن هو الَّذي يعطيك الأسرار الرَّهيبة، بل آمن أنَّ اليد الممدودة هي يد المسيح.[15]تجدر الإشارة أيضًا إلى أنَّ الأكمام ترمز إلى الحَبْل الَّذي جَنْدَلَ به بيلاطس يديّ المخلِّص وقت آلامه
ه) الحِجْر (Epigonation): وهو قطعة من نسيج مربَّعة الزَّوايا، كانت تُستخدم في البلاط الأمبراطوريّ كجيبٍ تُوضع فيه أوراق الخطب الَّتي كان يلقيها الأمبراطور. تُعطى لأصحاب الرُّتب الكنسيَّة كعلامة لحقِّهم بالوعظ والتَّعليم، وهو رمز للسَّيف الرُّوحيّ، سيف الحق والقُوَّة والشَّجاعة. فيصلِّي الكاهن عندما يلبسه: " تَقلَّدْ سيفَكَ على جَنْبِكَ. أَيُّها القويّ. بحُسْنِكَ وجمالِكَ ٱستَلَّهُ وسِرْ إِلى الأمام. وٱملِكْ في سَبيلِ الحقِّ والدِّعة والبرّ. فتَهديَكَ يمينُكَ هَدْيًا عَجيبًا "[16]وبهذا السَّيف يُقهر أعداء الإيمان
و) الإفلونيَّة أو المعطف (Felonion): وهو معطف واسع أصله فينيقيّ، يغطِّي الكاهن من الأكتاف إلى القدمَين، ويرمز إلى البهجة والبرّ والعدل[17]. أيضًا يرمز إلى الثوب القرمزيّ الَّذي جعله الجنود على كتفيّ يسوع وقت آلامه. ويقول القِدِّيس غريغوريوس اللاهوتيّ في هذا الصَّدد: " يا كهنة إلبسوا البرّ ... الرِّداء العظيم غير المعاب، المسيح زينتنا الخاصَّة، فهو يلبس ذاك الَّذي صار لنا حكمة من الله وبرًّا وقداسة "[18
إنَّ برّ الله هو محبَّة البشر، وهذه المحبَّة جعلت منَّا أبرارًا أحبَّاء وأصدقاء لله بموت يسوع، فالأفلونيَّة تكشف آلام المسيح المخلِّص، والكاهن يتشبَّه به عندما يرتديها. ويصلِّي الكاهن هذه الصَّلاة عندما يلبسها قائلاً: "كهنتُكَ يا ربُّ يَلبسونَ البِرَّ. وأصفياؤُكَ يَبتَهجونَ ابتهاجًا. كُلَّ حينٍ الآنَ وكلَّ أوانٍ وإلى دهرِ الدَّاهرين. آمين
ثانيًاً: الثِّياب الخاصَّة بالشّمَّاس
تتألَّف حَلَّةُ الشَّمَّاس من 1) الاستيخارة 2) والأكمام 3) والزّنَّار؛ لكن زنَّار الشَّمَّاس أو الأوراريون (Orarion): هو عصابة طويلة من القماش، مرسوم عليها ثلاثة صلبان، وكلمة قدُّوس ثلاثًا أيضًا، فهو يرمز إلى النِّعمة، وإلى أجنحة الملائكة المحيطين بعرش الحمل يسبِّحون الله بالنَّشيد المثلَّث التَّقديس، يرفعه الشَّمَّاس بيده اليمنى ليوجِّه به الشَّعب. يرتدي الشَّمَّاس حلَّته ويقول ما قاله الكاهن عند ارتداء الاستيخارة والأكمام، ثمَّ يقبِّل الزّنَّار ويضعه على كتفه اليُسرى قائلاً: " قدُّوس قدُّوس قدُّوس ربُّ الصَّباؤوت، السَّماء والأرض مملوءتان من مجدك"[19
يرد الحديث للمرَّة الأولى عن الزِّنَّار في القانون 22 من مجمع اللاذقيَّة، لكن البعض يعتقد بأنَّ هذه الكلمة مشتقَّة من اللفظة اللاتينيَّة Orare"" والَّتي تعني " أن نُصلِّي"، إذ الشَّمَّاس يعلن الطلبات ممسكًا بالزّنَّار أمَّا أفستراتيوس الأرجنتينيّ فيقول إنَّها مشتقَّة من من لفظة "Os, Oris" الَّتي تعني الفم. ذلك لأنَّ الشّمَّاس حالما كان ينقل القدسات للمؤمنين، يمسحون فمهم بالزّنَّار المتدلِّي على كتف الشَّمَّاس
ثالثًا: الثِّياب الخاصَّة بالأسقف
أ) السَّاكوس (SakkoV): وهو معطف الأباطرة، عمَّ استعماله بعد ذلك على جميع الأساقفة بعد سقوط القسطنطينيَّة؛ فهو ثوب قصير مفتوح من جانبيه، عريض الأكمام، يلبسه الأسقف بدلاً من الإفلونيَّة الَّتي لدى الكاهن؛ يرمز إلى ثوب الرَّب غير المخيط الَّذي اقترع عليه الجنود، ويُذكِّر بواجب سهر الأساقفة على التَّعليم القويم ضدَّ الهراطقة، ويرمز إلى ثوب التَّوبة الَّذي كان شائعًا في العهد القديم، وتجدر الإشارة إلى أن الثَّوب عادة ينتهي بأجراس[20] لتدل على الفرح
ب) المشلح أو الأوموفوريون (Womoforion): وهو عُصابة قماش عريضة، يضعها الأسقف حول عنقه متدلِّية على كتفيه، ويُشير إلى دور الأسقف الرَّعائيّ، إذ يرمز إلى الخروف الضَّال الَّذي يحمله الرَّاعي الصَّالح[21]معيدًا إيَّاه إلى الحظيرة[22]، وإلى الصَّليب الَّذي حمله يسوع في طريقه إلى الجلجلة
ج) إيقونتا الصَّدر أو الأنغولبيون (Engolpion): إحداهما تحمل صورة السَّيِّد، والأخرى السَّيِّدة تُلبسان عن يمين ويسار صليب الصَّدر، رمزًا إلى الكنيسة الَّتي كَرَّس ذاته لأجلها، ورمزًا إلى الإيمان القويم الَّذي يملأ قلبه. أمَّا في خارج الاحتفالات الليترجيَّة فيلبس عادة إيقونة والدة الإله
د) التَّاج: بعد سقوط القسطنطينيَّة احتفظ البطاركة بتاج الأباطرة، وقد لبسه أيضًا الأساقفة. هذا التَّاج يوجد في رأسه صليب، وعلى جوانبه إيقونات تُمَثِّل عادة الإنجيليِّين الأربعة، وهو يرمز إلى رأس الكنيسة المحلِيَّة.
ه) العصا الرَّاعويَّة: تُصنع من الخشب ومن المعدن، وتنتهي بحيَّتين ملتفَّتين حول الكرة الأرضيَّة برأسها صليب. الحيَّتان ترمزان إلى الفطنة والحكمة، وإلى الحيَّة الَّتي رفعها موسى في الصَّحراء ليخلُص من لدغات الحيَّات عند النَّظر إليها. وهي أيضًا تُشير إلى السُّلطة؛ وهذا ما نجده في رتبة تسليمها إلى الأسقف عند سيامته: "خُذ هذه العصا لترعى بها رعيَّة المسيح المُسَلَّمَة إليك. ولتكن في يديك للطَّائعين عصا رعاية وحماية، وللعُصاة والمتقلِّبين عصا إصلاح وتأديب
و) المَنْدِيَّة (Mantia): هي معطف واسع طويل الذَّيل، لونه خمريّ، عليه من الأمام إيقونات تُمثِّل الإنجيليِّين الأربعة، يلبسها الأسقف وبيده العصا وفي الأخرى الصَّليب عند دخوله الكنيسة دخولاً احتفاليًّا، وعندما يترأَس القُدَّاس من على عرشه بدون أن يصعد إلى الهيكل المقدَّس
ز) التريكاري (Trikhrion) والذِّيكاري (Dikhrion): وهي بالتَّرتيب، الشَّمعدان المثلَّث الشُّموع والمثنَّى الشُّموع، فالأوَّل يرمز إلى الثَّالوث الأقدس، والثَّاني إلى طبيعتَي المسيح، ونور الشُّموع يرمز إلى حلول الرُّوح القدس على الرُّسل بهيئة ألسنة ناريَّة[23]. يبارك الأسقف الشَّعب في الاحتفالات الكُبرى باسم المسيح وباسم الثَّالوث، راسمًا الصَّليب علامة الفداء والخلاص
ح) سجَّادة النَّسر: سجَّادة رُسم عليها نسر فوق مدينة، توضع تحت أقدام الأسقف حيثما وَقَف، وترمز إلى مركز الكنيسة، وإلى أنَّه حيث يكون الأسقف تكون الكنيسة، والنَّسر يمثِّل الأسقف الَّذي يحلِّق في أصول المعرفة اللاهوتيَّة
ألوان الحُلل الكهنوتيَّة ومعانيها
تختلف ألوان الحُلل الكهنوتيَّة بحسب الزَّمن اللِّيتورجي، ولكلِّ لون رمز؛ فعندما تتَّشِح الطَّبيعة بالألوان المختلفة والجميلة لدى تعاقب فصول السَّنة، هكذا تريد الكنيسة لدى تعاقب الأزمنة الكنسيَّة، أن يتَّشح الكاهن بألوان مختلفة مميَّزة مع المذبح ومنبر القراءات، والهدف من تنوّع الألوان هو التَّعبير بطريقة أكثر فعاليَّة، عمَّا لأسرار الإيمان التي نقيمها من ميِّزات، وعمَّا للحياة المسيحيَّة المتنامية من خلال السَّنة اللِّيتورجيَّة من مفهوم ولتحقِّق هذا الهدف اختارت الألوان التَّالية
أ) اللَّون الأبيض: إشارة إلى العيد والفرح والطَّهارة، يُستعمل في الزَّمن الفصحيّ والزَّمن الميلادِيّ وفي أعياد الرَّب خارج تذكارات الآلام؛ وفي أعياد وتذكارات: مريَم العَذراء، والمَلائِكة، والقدِّيسين ممَّن ليسوا بشهَداء، وفي عيد جميع القديسين، عيد القديس يوحنا المعمدان، عيد القديس يوحنا الإنجيلي
ب) اللَّون الأحمَر أو اللون البنفسجي: لون الحبّ والدَّمّ، يُستعمل في آلام الرَّبّ وفترة الصوم الكبير، وأعياد مولد الرسل والإنجيليِّين، والشهداء، وعيد رفع الصَّليب المحيي.كما يمكن استخدامها في الجنَّازات والدّفن
ج) اللَّون الأخضر: لون الأمَل والطبيعة، يستعمل في أحد الشَّعانين، وعيد العنصرة، ويدعونا إلى التشبُّه بالنَّباتات الخضراء، كي نأتي دومًا بالثِّمار الكثيرة اليافعة
د) اللَّون الذَّهبيّ: وهو الأكثر شيوعًا في الطَّقس البيزنطيّ الملكيّ، وهو رمز الملوكيَّة، والنُّور، والمجد
بعض الرُّموز الموجودة على الحلَّة الكهنوتيَّة ومعانيها
السَّمكة: (IXQUS) ترمز في أحرفها اليونانية " IhsouV, CristoV, Qeou, UioV, Swthr " يسوع المسيح ابن الله المخلص
السَّنابل: ترمز إلى القمح وإلى خبز الإفخارستيّا المقدّسة، وإلى وفرة الثِّمار، وإلى وحدة المسيحيِّين، وتُذَكِّرنا بالخبز غذاء الجسد، وقد حوَّله يسوع إلى جسده الخاصّ
المرساة: رمزٌ الى الأمل والرَّجاء وثبات الإيمان في الكنيسة على المسيح
الصَّليب: أداة الخلاص، فهو حارس المسكونة، وسند المؤمنين، وبهاء الكنيسة، ونكبة الأبالسة
عناقيد العنب: تُذَكِّرُنا بالكرمة، إذ المسيح هو الكرمة ونحن الأغصان، والعنب يقطر الخمر الَّذي يتحوَّل إلى دمّ المسيح، وهو يجلب الفرح والسَّعادة
الأحرف اليونانيَّة (A W): وتعني الألف والياء، إذ الرَّب يسوع[24] هو البداية والنِّهاية
خلاصة
يفرح الكاهن عندما يقترب من الأسرار الإلهيَّة الرَّهيبة، ويفرح لأنَّ الرَّب يُلبسه ثوب الخلاص وحلَّة السُّرور، ويَشكُر الرَّب يسوع الَّذي يُوشِّحه بِلِبَاسِ العَروس، فالإنسان يلبس المسيح كرداءٍ في سرّ المعموديَّة، فهو الحلَّة الَّتي تليق بجميع القِدِّيسين على نحوٍ فائق؛ بهذا البهاء يلبس الكاهن حلَّته؛ وكذلك كلّ الرُّموز إنَّما هي رمز لما للكهنوت من سموّ ورِفعة، إذ هو إيقونة رئيس الكهنة. وما يختصّ بالألوان؛ فكما أنَّ الأرض تدور حول الشَّمس، كذلك الكنيسة تدور حول المسيح، بذلك تتآلف الكنيسة بِفُصُولِهَا وأَلوَانِها حَولَ المسيح، فيعيش المؤمن هذه الفصول على نحو فائق
المراجع
1) حَّدَّاد بطرس (الأب)، 1987. أسرار الكنيسة السَّبعة في حياة الإنسان، جونية: المطبعة البولسيَّة
2) لحَّام غريغوريوس (البطريرك)، 2005. الصَّلاة في الكنيسة مع الجماعة، دمشق: باب توما
3) لحَّام لطفي (المطران)، 1988. مدخل إلى اللّيترجيَّا ورموزها في الكنيسة الشَّرقيَّة، جونية: المطبعة البولسيَّة
4) غريغوريوس (الأب)، موسى سلوان (تعريب)، 1999. تفسير القدَّاس الإلهيّ، طرابلس: لبنان
5) الصَّايغ فؤاد (الأرشمندريت)، 1998. صلاتنا حياتنا (مدخل إلى اللِّيترجيَّا)، جونية: المطبعة البولسيَّة
[1] ( أش 6: 10)
[2] (رؤ 1: 3)
[3] (لو 24: 4)
[4] (مز 132: 2)
[5] (سمعان أسقف تسالونيكي (P.G.155, 7137
[6] (الذَّهبيّ الفم في شرحه (خر 30: 30) EPE 21, 308-310)
[7] (BEP 32, 286)
[8] (سمعان أسقف تسالونيكي P.G. 155,713)
[9] (رؤ 1: 13)
[10] ذهبيّ الفم في شرحه (خر 21: 11) (EPE 21, 308-310)
[11] (لو 12: 35-37)
[12] (مز 118: 73)
[13] (القديس إيريناوس في شرحه (تك 1: 26) SC 153,73)
[14] (غريغوريوس النِّيصصي P.G. 45 697B)
[15] (EPE 58)
[16] (مز 44: 5)
[17] (مز 131: 9)
[18] (في تفسيره (1كو 1: 30) EPE 3,228
[19] (أش 6: 3)
[20] (خر 39: 25)
[21] (يو 10)
[22] (لو 15)
[23] (أع 2: 3)
[24] (رؤ 1: 8)، (رؤ 21: 6)، (رؤ 22: 13)