البطريرك غريغوريوس الثالث يفتتح سينودس كنيسة الرُّوم الملَكيِّين الكاثوليك
باسم المخلِّص نفتتح مجمعنا المقدَّس. ومع الكنيسة ننشد: "إنَّ نعمة الرُّوح القدس جمعتنا" (أحد الشعانين). أجل الرُّوح يجمعنا، نحن خلفاءَ الرُّسل القدِّيسين، حول مريم أمِّ يسوع وأمِّنا، سيِّدة البشارة شفيعة مقرِّنا البطريركيّ في عين تراز، الذي نحتفل هذا العام باليوبيل المئوي الثاني على تشييده 1811-2011
ومع أناشيد عيد حلول الرُّوح القدس يوم العنصرة المجيدة، نضرعُ إلى السَّيِّد المسيح أن يُبارك أعمالنا ويجعلنا نعيش عنصرةً في سينودسنا وفي كنيستنا وفي رعايانا المباركة، ونُصلِّي:
"أيُّها المسيح المخلِّص، من بعد نهوضك من القبر وصعودك الإلهي إلى علوِّ السَّماء. أرسلتَ مجدكَ يا رؤوف إلى تلاميذك، معايني اللاهوت، وجدَّدتَ لهم روحًا مستقيمًا. فأذاعوا أوامركَ وتدبيركَ للجميع. مثل قيثارةٍ موسيقيَّة (مؤتلفة الأنغام) تُحرِّكها ريشةٌ إلهيَّة سرِّيَّة" (سحر أحد العنصرة _ نشيد جلسة مزامير المراحم
وبروحانيَّة آبائنا القدِّيسين نتأمَّل معًا في دعوتنا المسيحيَّة والكهنوتيَّة والرَّعويَّة الأسقفيَّة قائلين: "نحن الذين هبَّتْ عليهم النِّعمة الجارية من الله. قد صرنا مضيئين ولامعين. ومتغيِّرين تغيُّرًا فائق البهاء" قانون أحد العنصرة _ التسبحة التاسعة
نجد في هذه النفحات الرُّوحيَّة برنامج عملنا الرُّوحي والكنسي والرَّعوي في هذا السِّينودس، الذي يضعنا سنويًّا أمام مسؤوليَّتنا تجاه رعايانا والنُّفوس الكريمة الثَّمينة الموكولة إلينا من الرُّوح القدس، كما يقول لنا بولس الرَّسول في صلاته إلى أساقفة وكهنة كنيسة أفسس: "احترزوا إذًا لأنفسكم ولجميع الرَّعيَّة التي أقامكم الرُّوح القدس فيها اساقفةً لترعَوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه" (أعمال الرُّسل 20: 28
في مطلع هذا السِّينودس نريد أن نترحَّم على نفس أخينا المثلَّث الرَّحمة المطران سليم غزال الذي انتقل إلى الأخدار السَّماويَّة صباح الجمعة 29/نيسان/2011. وقد حضر الجنازة عددٌ كبيرٌ من أعضاء سينودسنا المقدَّس. ونؤهل بإخوتنا الأساقفة والرُّعاة الجدد المطران كيرلّس بسترس الذي انتقل من أبرشية نيوتن في الولايات المتحدة الأميركية إلى أبرشية بيروت وجبيل والمطران عصام يوحنا درويش الذي انتقل من أبرشية أوستراليا ونيوزلندا إلى أبرشية الفرزل وزحلة وسائر البقاع والمطران نيقولا سمرا الذي استلم رعاية أبرشية نيوتن والمطران المنتخب لأبرشية أوستراليا ونيوزلندا الأرشمندريت روبير ربّاط. كما نشكر صاحبي السيادة المطران يوسف كلاس والمطران أندريه حدّاد على تفانيهما في الخدمة الأسقفية ونتمنّى لهما التوفيق
ولا يفوتنا ان نرفع الشكر في مطلع هذا السِّينودس لأجل إعلان الأب بشارة أبو مراد الرَّاهب المخلِّصي مكرَّمًا. وليكنْ شفيعًا للرَّهبانيَّة المخلِّصيَّة وللرُّهبان والكهنة والرُّعاة الصَّالحين
ويسرُّنا أن نعطي من خلال وسائل الإعلام، لأبنائنا ولسواهم، لمحة حول التوجُّهات الأساسيَّة لهذا السِّينودس المقدَّس
:أوَّلاً
في مطلع سينودسنا المقدَّس تمثل أمام ناظرنا مشاهد الأوضاع الصَّعبة المأساويَّة الدَّمويَّة التي تعيشها بلادنا العربيَّة، وبالتالي كنائسنا وأبرشيَّاتنا ورعايانا وأبناؤنا وبناتنا وجميع مواطنينا. ولسان حالنا ما قاله المجمع الفاتيكاني الثاني في رسالته الفرح والرَّجاء: "إنَّ آلام وآمال أبناء البشر، هي آلام وآمال أبناء الكنيسة" وثيقة الكنيسة في عالم اليوم
وفي الواقع عشنا مأسي بلادنا، بخاصَّةٍ في مرحلة الصَّوم الكبير، وفي أسبوع الآلام وفي عيد الفصح المجيد. حيث رُفِعَتْ الصَّلوات في كنائسنا وأديارنا لأجل الضحايا والمتألِّمين والجرحى والمرضى. وامتنعنا خاصَّةً في سورية عن مظاهر العيد الخارجيَّة. كما صدرت وثائق وتصريحات منَّا شخصيًّا ومن عددٍ كبيرٍ من أساقفة كنيستنا وكهنتنا. وفيها دَعينا الجميعَ حكَّامًا ومواطنين إلى ضبط النَّفس والحكمة والتروِّي والفطنة والحوار والثقة والوحدة الوطنيَّة، وتجنُّبِ العنف وعدم الانجرار نحو الفتنة المدنيَّة أو الفئويَّة أو الحزبيَّة أو الدِّينيَّة
وسنرفع الصَّلوات أثناء السِّينودس يوميًّا لأجل شعوبنا وأوطاننا وجميع مواطنينا. وسيُتاح لنا أن نطَّلع منكم أيُّها الإخوة الأجلَّاء على التفاصيل المتعلِّقة بهذه الأوضاع، لنبقى نقوم بواجبنا الكنسي والوطني والإنساني والاجتماعي، المحلِّي والعالمي، تجاه قضايا أوطاننا، وبخاصَّة فيما يتعلَّق بالعمل الجادّ إلى إنهاء الصِّراع الفلسطيني الإسرائيلي وإحلال السَّلام العادل والدَّائم والشامل في الأرض المقدَّسة، إذ هو المفتاح لحلِّ العقد وتجاوز الأزمات والويلات والتيارات الهدَّامة التي تعصف بمنطقتنا، وتتسبَّب في شللٍ في حياتنا الكنسيَّة، وتؤثِّر سلبًا على مسيرة رعايانا الرُّوحيَّة، لا بل تحمل المزيد من أولادنا على الهجرة عن أوطانهم وأرزاقهم وتراثهم
هذا وقد عالجتُ أوضاع عالمنا العربيّ في رسالة الفصح لهذا العام وهي بعنوان: "درب صليب العالم العربيّ إلى القيامة". وفيها أُخاطب هذا العالم بأملٍ مسيحيّ قائلاً: "يا عالمنا العربيّ لكَ قيامة"
ثانيًا: الخطَّة الخمسيَّة
سينودسنا لهذا العام هو الأوَّل بعد سينودس الأساقفة، الجمعيَّة الخاصَّة بالكنيسة في الشرق الأوسط، بعنوان: "شركة وشهادة". وقد كان لكنيستنا دورٌ مميَّز وفعَّال في جلسات السِّينودس (10-24 تشرين الأوَّل 2010). وقد أصدرنا عددًا خاصًّا من مجلَّتنا عن السِّينودس Le Lien N: 3-4.75 5ème
وفيه نشرنا مداخلاتنا ومداخلات السَّادة الأساقفة وسواهم، ويوميَّات السِّينودس للصَّحافة... وأنا في صدد إعداد كتاب عن كنيسة الرُّوم الملَكيِّين الكاثوليك في سينودس الشرق الأوسط، على غرار الكتاب الذي صدر بمناسبة المجمع الفاتيكاني الثاني
وقد قمتُ شخصيًّا بنشاطاتٍ كثيرة لأجل متابعة السِّينودس على مستوى العالم العربي، ومستوى الكنائس الغربيَّة اللاتينيَّة وسواها التي شاركت في السِّينودس
ومن المبادرات الكثيرة، المؤتمرُ العالمي الذي عُقِدَ في دمشق يوم 15 كانون الأوَّل 2010، بالتعاون بين البطريركيَّة (وكنائس سورية) ووزارة الأوقاف. وقد شارك فيه 13 كنيسة، من بطاركة وممثِّليهم من الشرق والغرب، و 35 دولة عربيَّة وغربيَّة، وحوالي 3500مشترك
وحرصتُ بنوعٍ خاصّ على العمل لأجل متابعة السِّينودس من خلال فكرة "الخطَّة الخمسيَّة". وقد أرسلتُ رسائل بشأنها إلى السَّادة الأساقفة والرُّؤساء العامِّين والرَّئيسات العامَّات وعموم أبناء وبنات كنيستنا
وثيقة الخطَّة الخمسيَّة هي بين أيديكم في ملفّ السِّينودس. وسنستعرضها في جلسات السِّينودس. ولكم أن تُقرِّروا ما ترونه مناسبًا بالنَّظر إلى مواضيعها، وصياغتها، وطريقة تطبيقها على مستوى الكنيسة البطريركيَّة، أو الأبرشيَّة أو الجمعيَّة أو الرَّهبانيَّة
ثالثًا: الرَّاعي الصَّالح
من الأعمال الأكثر أهمِّيَّة في سينودساتنا هي اختيار رعاة صالحين لأبرشيَّاتنا لدى شغورها. وقد شرَّعَ القانون الكنسي الطَّريقة لأجل تهيئة وترشيح وانتخاب الأساقفة (القانون: 182). إنَّ عمل الترشيح حسب هذا القانون هو عمل دائم. بحيث يهتمُّ الأساقفة كلٌّ في محيطه بالتعرُّف على كهنة كنيستنا، وهم عددٌ قليل. ويجمعون معلوماتٍ عامَّة وخاصَّةً عنهم، بغية التعرُّف عليهم. ومع الوقت يتكوَّن ملفٌّ متكاملٌ عن بعض الكهنة الأكثر أهليَّة وكفاءَة ونضوجًا وعلمًا وفضيلة. وتُجمَع المعلومات في الملفَّات الخاصَّة بالبطريرك. وإذ ذاك تَسهُل عمليَّة الاختيار والانتخاب للأبرشيَّات الشاغرة أثناء السِّينودس
سنُكِبُّ في هذا السِّينودس على هذا العمل الهامّ، لأجل اختيار الرُّعاة الصَّالحين لكنيستنا، في المدى المنظور وعلى المدى البعيد
ولا بدَّ من الإشارة إلى أهمِّيَّة حفظ السِّرّ في مجمل هذه العمليَّة الدَّقيقة. وعلينا جميعًا رعاةً وكهنةً ورهبانًا وراهبات وعلمانيين وعلمانيَّات، أن نساعد بعضنا بعضًا على احترام سرِّيَّة هذا العمل الكنسي الهامّ. ونتجنَّبَ تسريب المعلومات، والإشاعات ، والتركيبات، والتخمينات في السِّينودس وقبله وبعده
وقد اعتاد كثيرون أن يتودَّدوا إلى المطارنة وبطرقٍ مختلفة ويستدرجونهم إلى أخذ معلوماتٍ حول مسيرة الترشيح ونتائج الانتخابات
ندعو الجميع إلى الإقلاع عن هذه العادة لا بل الآفة. ولنعملْ معًا رعاةً وكهنةً ورهبانًا وراهبات وعلمانيين على التَّقيُّد بواجب السِّرِّيَّة الكاملة التي يفرضها الشرع الكنسي
رابعًا: مواضيع أخرى
تتضمَّن أعمال السِّينودس لهذا العام، موادًا إداريَّة وراعويَّة وليترجيَّة. منها إعادة طباعة الإفخولوجيون (أو كتاب خدمة الأسرار والتبريكات)، وكتابَي الرَّسائل والإنجيل المقدَّس. وكرَّاس الصَّلاة للشباب والعائلات الذي وُضِعَ مؤخَّرًا، وهو يساعد العلمانيين على الصَّلاة
وسنعرض أوراقًا حول تحديث المعلومات، وتبادلها بين أبرشيَّاتنا، وورقةً حول مشروع "الأكاديميَّة البطريركيَّة"، وإكليريكيَّة القدِّيسة حنَّة في الرَّبوة لتنشئة طلاب الكهنوت لأبرشيَّاتنا. كما سنتدارس أوضاع أبرشيَّاتنا وأخبارها
واليوم في هذا السِّينودس نفرحُ معًا بخبرٍ سارّ مميَّز: ألا وهو تدشين مركز "لقاء" للحوار العالمي للحضارات يوم العاشر من أيَّار 2011. بحضور ورعاية رئيس الجمهوريَّة اللُّبنانيَّة. مع العلم أنَّ هذا البناء الحواري الفريد من نوعه هو مكرمة من جلالة السُّلطان قابوس بن سعيد حفظه الله. وستبقى هذه المكرمة في ذاكرة كنيستنا لهذا الرَّجل العظيم ولسلطنة عمان التي نتمنَّى لها الأمن والأمان والازدهار
هذا المركز هو لكم يا إخوتي وأخواتي، ولجميع أبناء وبنات كنيستنا في البلاد العربيَّة والمهاجر وفي كلِّ مكان. (مرفقًا خطاب البطريرك ونشرة عن مركز "لقاء")
خامسًا: السِّينودس حول "الأنجلة الجديدة"
كما أنَّنا سنتوقَّف عند الوثيقة الأولى "خطوط" للسِّينودس الذي سيُعقَد في روما (7-28 تشرين الأوَّل 2012). وموضوعه "الأنجلة الجديدة" (La Nouvelle Evangélisation )
وهو موضوع مهمّ يساعدنا في متابعة السِّينودس لأجل الشرق الأوسط، بخاصَّةٍ في تجديد العمل الرَّعوي لأجل تثبيت الإيمان المقدَّس في كنيستنا. وبخاصَّةٍ لدى الأجيال الشابَّة التي تجتاحها تيَّارات هدَّامة للقيَم الإنجيليَّة وللأخلاق السَّليمة. منها: المفهوم العلماني للحياة (Compréhension sécularisée de la vie ) . والموقف التلذُّذي (Hédonisme )، والاستهلاكيَّة (Consumérisme )، والسَّطحيَّة (Superficialité )، والتَّفاهة. وعبادة الشخص (Culte stérile de la personne ) والضُّمور الرُّوحي (Atrophie spirituelle )، وفراغ القلب (Vide du coeur )، وضياع العناصر الأساسيَّة لقاموس الإيمان (Perte des éléments fondamenteaux de la grammaire de la foi ) . (راجع البند 6 _ المقطع الثالث، ص. 14 في النصّ الفرنسي)
ويُطلَب منَّا (كسينودس) أن نقدِّم الأجوبة على الأسئلة المطروحة في الوثيقة قبل أوَّل تشرين الثاني 2011. وقد وزَّعتُ هذه الوثيقة على السَّادة الأساقفة والرُّؤساء العامِّين والرَّئيسات العامَّات. ولا بدَّ من دراستها في أبرشيَّاتنا ومؤسَّساتنا ورعايانا
أيُّها الإخوة والأخوات
من استعراض المواضيع التي سنتدارسها في سينودسنا (بالإضافة إلى مقترحات الآباء لاحقًا)، يتبيَّن لنا واضحًا أهمِّيَّة سينودسنا، واتِّساع آفاقه، وعظيم مسؤوليَّتنا تجاه رعايانا، وبخاصَّةٍ في الظُّروف الحاليَّة التي تمرُّ بها بلادنا العربيَّة (عشر بلدان طالتها الثورات والهزَّات بدرجات متفاوتة). إنَّ هذه الأوضاع تؤثِّر على رعايانا، وعلى مسيرة إيمان أولادنا، وعلى مسيرة متابعة توصيات السِّينودس لأجل الشرق الأوسط، التي عقدنا ونعقد عليه الآمال الواسعة. أجل هذه التطوُّرات المصيريَّة لها انعكاساتٌ عميقة على رعايانا. وربَّما تسبَّبت في موجةٍ جديدةٍ من الهجرة الزَّاحفة
ولهذا يتوجَّب علينا مضاعفةُ سهرنا الرَّعوي لكي نكون أكثر قربًا إلى رعايانا، متواصلين معهم، متجاوبين مع حاجاتهم الأكثر إلحاحًا في هذه الظروف
لقد رفعنا صوتنا في جلسات السِّينودس لأجل الشرق الأوسط، وحذَّرنا من خطر توالي الحروب والأزمات والنَّكسات، التي أجمع آباء السِّينودس وقداسة البابا وجميع المشاركين من إخوتنا كرادلة ومطارنة، أنَّ سببها الأساسي البعيد والقريب هو الصِّراع الفلسطيني _ العربي _ الإسرائيلي، الذي مضى عليه ثلاثٌ وستُّون عامًا. وقد أرسلتُ الرَّسائل تلوَ الرَّسائل إلى رؤساء الدُّول في الاتحاد الأوروبي وأميركا لأجل عمل كلِّ ما يمكن عمله لأجل حلٍّ عادل وشامل لهذا الصِّراع، والاعتراف بحقوق إخوتنا الفلسطينيين بوطنهم وأرضهم ومائهم وحرِّيَّتهم وكرامتهم وعودتهم إلى أرض أجدادهم
والآن ومن منبر هذا السِّينودس، ونحن لنا رعايا في دولٍ عربيَّة وأجنبيَّة، نرفعُ صوتنا عاليًا مطالبين ببذل الجهود لإنهاء الصِّراع الذي يُهدِّد أمن مشرقنا العربي وأمانه واستقراره والحوار بين المواطنين فيه، والعيش المشترك بين جميع طوائفه وأطيافه. ما ينعكس على كلِّ قيَم الحوار والتعايش والتضامن والسَّلام في العالم بأسره، خصوصًا لدى الشباب والأجيال الطَّالعة
ما نخشاه لعالمنا العربي عمومًا وللبنان خصوصا وبخاصّة سورية أنّ ما يسمّى بالثورات ليست ثورات والمطالبة بإصلاحات، بل مقدِّمات للفتن الطائفيّة هنا وهناك. وليس لبنان بمنأى عن ذلك، ولا سوريا ولا سواها من الدول العربيّة فحذار من الفتنة
والفتنة هي الطريق لدقّ الإسفين في العالم العربي وتقسيمه وإضعافه. بل الفتنة هي الطريق لضرب العيش المشترك والسلم الاهلي والتعايش، وبخاصة التعايش والعيش المشترك المسيحي الإسلامي، الذي يبقى في العالم العربي، بالرغم من "ثغراته" النموذج للحوار المسيحي الإسلامي في أوروبا وفي العالم بأسره
وبالنسبة للبنان ندعو إلى توحيد الصف والكلمة، وإلى لغة تعكس حضارة لبنان ورسالته وتليق به، وإلى الابتعاد عن محاولات زرع الفتنة، وضرب الاستقرار. وهذا ما نراه بأسف يحدث هنا وهناك في مناطق شتّى في لبنان. ونستنكر ما حدث في طرابلس بشدّة. فجميع اللبنانيين مواطنون وكلّهم لبنانيّون. نظام لبنان طائفي، ولكن لا يجوز أن تكون عقليَّتنا طائفيّة فئويّة، ضيّقة، تنكر التنوّع الحزبي والديني والاجتماعي والسياسي، الذي يميّز لبنان
:ولهذا ندعو إلى أمرين محدّدين
أولا : إحياء طاولة الحوار الوطني لأجل وئد أيّة فتنة، وتحصين السِّلم الأهلي. بحيث تكون هذه الطاولة مكان الحوار الدائم، والتخاطب والتنسيق والعتاب والحلول التي تحفظ خط المحبّة مفتوحًا بين الجميع
ثانيا: عقدنا قمَّة روحيّّة في شهر أيار، وفرح المواطنون أن يروا قادتهم الروحيين صفا واحدا. والآن ندعو إلى عقد مؤتمر لبناني جامع يضمّ الرؤساء الروحيين والزعماء السياسيين والقادة والمسؤولين في الدولة، يعقد في القصر الجمهوري في بعبدا، برئاسة فخامة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال سليمان الأكرم. مؤتمرٌ مثل هذا سيكون له وقع كبير ويحصّن الكيان اللبناني بجميع أطيافه في الظروف الراهنة الدقيقة التي تمرُّ بها المنطقة
ومن سينودسنا، ومن كنيستنا وباسم رعاتنا المطارنة الذين يمثّلون هنا العالم العربي وعالم الانتشار، نرفع الصوت عاليا إلى قادة العالم العربي أن يحبّوا بعضهم بعضا، ويتداعوا بالحمّى والمحبّة والمودّة، الواحد نحو الآخر. فالعالم العربي أو يتّحد ويتضامن ويتعاون، ويتصارح، ويصمّم معا لمستقبل أفضل لشعوبه وبخاصّة للشباب والأجيال الطالعة، أو يصبح فريسةً ولقمةَ سائغة للمصالح والأطماع الإقليميّة والعالميّة. فأين جامعة الدول العربيّة؟ والمؤتمر الإسلامي؟ أين هذه المؤسّسات لتقف أمام الوضع الداخلي العربي المتفجّر الثائر؟ وأمام الاجتماعات المتواترة في أوروبا حول أوضاع بلادنا؟
من سينودسنا ندعو الجميع إلى التبصّر والتصميم والتضامن ووضع الخطط لدرء الأخطار المحيطة بنا جميعا، ويمكن أن تحرق نيران هشيمها كلّ مجتمعاتنا
وندعو دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتّحدة الأميريكيّة وروسيا، أن لا يضيعوا وقتهم بإصدار قرارات هنا وهناك، والكلام عن الثورات هنا وهناك! ما نريده منهم هو أن يكونوا قادرين على فرض سلام عادل وشامل ودائم ويعترفوا بجرأة وشجاعة بدولة فلسطينيّة، ويعدلوا في التعامل مع إسرائيل وفلسطين ومع الدول العربيّة عموما. وبهذا فقط يمكنهم أن يستعيدوا ثقة العالم العربي، ويعيش الإسرائيلي والفلسطيني، وكلّ إنسان في المنطقة بأمان. وإذ ذاك تنطلق عجلة الإصلاح والتطوّر والازدهار في المنطقة. ونأمل أن يستحقّوا طوبى السيّد المسيح: طوبى لصانعي السلام فإنّهم بني الله يدعون
ولهذا نرفعُ الصَّلاة، وسنبقى نرفعُ الابتهالات طيلة هذا السِّينودس، أوَّلاً لأجل بلدنا الحبيب لبنان المضيف الدَّائم لسينودساتنا، وسورية حيث كرسينا البطريركي الأنطاكي، ومصر والسُّودان وفلسطين والأردن والعراق ودول الخليج. حيث إنَّ كنيستنا حاضرة بأعدادٍ جيِّدة في العدد الأكبر من هذا المشرق العربي
وكما نقول في مطلع ليترجيا القدَّاس الإلهي، "نُصلِّي لأجل السَّلام العلوي وخلاص نفوسنا. ولأجل سلام العالم أجمع، وثبات كنائس الله المقدَّسة واتِّحاد الجميع". لكي نقضي في ظلِّ أمن بلادنا ورؤسائنا "حياةً مطمئنَّة وادعة بكلِّ تقوى ووقار"
أشكر وسائل الإعلام لتغطية بداية سينودسنا، وأشكر لكم أيُّها الإخوة الموقَّرون أعضاء سينودسنا المقدَّس والرُّؤساء العامُّون، حسن إصغائكم. ونشكر المشاهدين المتابعين سينودسنا بالصَّلاة والأماني. ونحيي من السينودس باسم جميع أعضائه كهنتنا ورهباننا وراهباتنا وأبنائنا من كل مكان. ونصلي لأجلهم ونطلب صلاتهم
ونضع هذا السِّينودس تحت شفاعة أمِّنا مريم العذراء سيِّدة البشارة شفيعة هذا الدَّير والمقرِّ البطريركي، ليكون ناجحًا ومباركًا باسم الآب والابن والرُّوح القدس، الإله الواحد. آمين
مع المحبَّة والدُّعاء والتَّقدير
غريغوريوس الثّالث
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والاسكندريّة
وأورشليم للرُّوم الملَكيِّين الكاثوليك
في 21 حزيران 2011
باسم المخلِّص نفتتح مجمعنا المقدَّس. ومع الكنيسة ننشد: "إنَّ نعمة الرُّوح القدس جمعتنا" (أحد الشعانين). أجل الرُّوح يجمعنا، نحن خلفاءَ الرُّسل القدِّيسين، حول مريم أمِّ يسوع وأمِّنا، سيِّدة البشارة شفيعة مقرِّنا البطريركيّ في عين تراز، الذي نحتفل هذا العام باليوبيل المئوي الثاني على تشييده 1811-2011
ومع أناشيد عيد حلول الرُّوح القدس يوم العنصرة المجيدة، نضرعُ إلى السَّيِّد المسيح أن يُبارك أعمالنا ويجعلنا نعيش عنصرةً في سينودسنا وفي كنيستنا وفي رعايانا المباركة، ونُصلِّي:
"أيُّها المسيح المخلِّص، من بعد نهوضك من القبر وصعودك الإلهي إلى علوِّ السَّماء. أرسلتَ مجدكَ يا رؤوف إلى تلاميذك، معايني اللاهوت، وجدَّدتَ لهم روحًا مستقيمًا. فأذاعوا أوامركَ وتدبيركَ للجميع. مثل قيثارةٍ موسيقيَّة (مؤتلفة الأنغام) تُحرِّكها ريشةٌ إلهيَّة سرِّيَّة" (سحر أحد العنصرة _ نشيد جلسة مزامير المراحم
وبروحانيَّة آبائنا القدِّيسين نتأمَّل معًا في دعوتنا المسيحيَّة والكهنوتيَّة والرَّعويَّة الأسقفيَّة قائلين: "نحن الذين هبَّتْ عليهم النِّعمة الجارية من الله. قد صرنا مضيئين ولامعين. ومتغيِّرين تغيُّرًا فائق البهاء" قانون أحد العنصرة _ التسبحة التاسعة
نجد في هذه النفحات الرُّوحيَّة برنامج عملنا الرُّوحي والكنسي والرَّعوي في هذا السِّينودس، الذي يضعنا سنويًّا أمام مسؤوليَّتنا تجاه رعايانا والنُّفوس الكريمة الثَّمينة الموكولة إلينا من الرُّوح القدس، كما يقول لنا بولس الرَّسول في صلاته إلى أساقفة وكهنة كنيسة أفسس: "احترزوا إذًا لأنفسكم ولجميع الرَّعيَّة التي أقامكم الرُّوح القدس فيها اساقفةً لترعَوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه" (أعمال الرُّسل 20: 28
في مطلع هذا السِّينودس نريد أن نترحَّم على نفس أخينا المثلَّث الرَّحمة المطران سليم غزال الذي انتقل إلى الأخدار السَّماويَّة صباح الجمعة 29/نيسان/2011. وقد حضر الجنازة عددٌ كبيرٌ من أعضاء سينودسنا المقدَّس. ونؤهل بإخوتنا الأساقفة والرُّعاة الجدد المطران كيرلّس بسترس الذي انتقل من أبرشية نيوتن في الولايات المتحدة الأميركية إلى أبرشية بيروت وجبيل والمطران عصام يوحنا درويش الذي انتقل من أبرشية أوستراليا ونيوزلندا إلى أبرشية الفرزل وزحلة وسائر البقاع والمطران نيقولا سمرا الذي استلم رعاية أبرشية نيوتن والمطران المنتخب لأبرشية أوستراليا ونيوزلندا الأرشمندريت روبير ربّاط. كما نشكر صاحبي السيادة المطران يوسف كلاس والمطران أندريه حدّاد على تفانيهما في الخدمة الأسقفية ونتمنّى لهما التوفيق
ولا يفوتنا ان نرفع الشكر في مطلع هذا السِّينودس لأجل إعلان الأب بشارة أبو مراد الرَّاهب المخلِّصي مكرَّمًا. وليكنْ شفيعًا للرَّهبانيَّة المخلِّصيَّة وللرُّهبان والكهنة والرُّعاة الصَّالحين
ويسرُّنا أن نعطي من خلال وسائل الإعلام، لأبنائنا ولسواهم، لمحة حول التوجُّهات الأساسيَّة لهذا السِّينودس المقدَّس
:أوَّلاً
في مطلع سينودسنا المقدَّس تمثل أمام ناظرنا مشاهد الأوضاع الصَّعبة المأساويَّة الدَّمويَّة التي تعيشها بلادنا العربيَّة، وبالتالي كنائسنا وأبرشيَّاتنا ورعايانا وأبناؤنا وبناتنا وجميع مواطنينا. ولسان حالنا ما قاله المجمع الفاتيكاني الثاني في رسالته الفرح والرَّجاء: "إنَّ آلام وآمال أبناء البشر، هي آلام وآمال أبناء الكنيسة" وثيقة الكنيسة في عالم اليوم
وفي الواقع عشنا مأسي بلادنا، بخاصَّةٍ في مرحلة الصَّوم الكبير، وفي أسبوع الآلام وفي عيد الفصح المجيد. حيث رُفِعَتْ الصَّلوات في كنائسنا وأديارنا لأجل الضحايا والمتألِّمين والجرحى والمرضى. وامتنعنا خاصَّةً في سورية عن مظاهر العيد الخارجيَّة. كما صدرت وثائق وتصريحات منَّا شخصيًّا ومن عددٍ كبيرٍ من أساقفة كنيستنا وكهنتنا. وفيها دَعينا الجميعَ حكَّامًا ومواطنين إلى ضبط النَّفس والحكمة والتروِّي والفطنة والحوار والثقة والوحدة الوطنيَّة، وتجنُّبِ العنف وعدم الانجرار نحو الفتنة المدنيَّة أو الفئويَّة أو الحزبيَّة أو الدِّينيَّة
وسنرفع الصَّلوات أثناء السِّينودس يوميًّا لأجل شعوبنا وأوطاننا وجميع مواطنينا. وسيُتاح لنا أن نطَّلع منكم أيُّها الإخوة الأجلَّاء على التفاصيل المتعلِّقة بهذه الأوضاع، لنبقى نقوم بواجبنا الكنسي والوطني والإنساني والاجتماعي، المحلِّي والعالمي، تجاه قضايا أوطاننا، وبخاصَّة فيما يتعلَّق بالعمل الجادّ إلى إنهاء الصِّراع الفلسطيني الإسرائيلي وإحلال السَّلام العادل والدَّائم والشامل في الأرض المقدَّسة، إذ هو المفتاح لحلِّ العقد وتجاوز الأزمات والويلات والتيارات الهدَّامة التي تعصف بمنطقتنا، وتتسبَّب في شللٍ في حياتنا الكنسيَّة، وتؤثِّر سلبًا على مسيرة رعايانا الرُّوحيَّة، لا بل تحمل المزيد من أولادنا على الهجرة عن أوطانهم وأرزاقهم وتراثهم
هذا وقد عالجتُ أوضاع عالمنا العربيّ في رسالة الفصح لهذا العام وهي بعنوان: "درب صليب العالم العربيّ إلى القيامة". وفيها أُخاطب هذا العالم بأملٍ مسيحيّ قائلاً: "يا عالمنا العربيّ لكَ قيامة"
ثانيًا: الخطَّة الخمسيَّة
سينودسنا لهذا العام هو الأوَّل بعد سينودس الأساقفة، الجمعيَّة الخاصَّة بالكنيسة في الشرق الأوسط، بعنوان: "شركة وشهادة". وقد كان لكنيستنا دورٌ مميَّز وفعَّال في جلسات السِّينودس (10-24 تشرين الأوَّل 2010). وقد أصدرنا عددًا خاصًّا من مجلَّتنا عن السِّينودس Le Lien N: 3-4.75 5ème
وفيه نشرنا مداخلاتنا ومداخلات السَّادة الأساقفة وسواهم، ويوميَّات السِّينودس للصَّحافة... وأنا في صدد إعداد كتاب عن كنيسة الرُّوم الملَكيِّين الكاثوليك في سينودس الشرق الأوسط، على غرار الكتاب الذي صدر بمناسبة المجمع الفاتيكاني الثاني
وقد قمتُ شخصيًّا بنشاطاتٍ كثيرة لأجل متابعة السِّينودس على مستوى العالم العربي، ومستوى الكنائس الغربيَّة اللاتينيَّة وسواها التي شاركت في السِّينودس
ومن المبادرات الكثيرة، المؤتمرُ العالمي الذي عُقِدَ في دمشق يوم 15 كانون الأوَّل 2010، بالتعاون بين البطريركيَّة (وكنائس سورية) ووزارة الأوقاف. وقد شارك فيه 13 كنيسة، من بطاركة وممثِّليهم من الشرق والغرب، و 35 دولة عربيَّة وغربيَّة، وحوالي 3500مشترك
وحرصتُ بنوعٍ خاصّ على العمل لأجل متابعة السِّينودس من خلال فكرة "الخطَّة الخمسيَّة". وقد أرسلتُ رسائل بشأنها إلى السَّادة الأساقفة والرُّؤساء العامِّين والرَّئيسات العامَّات وعموم أبناء وبنات كنيستنا
وثيقة الخطَّة الخمسيَّة هي بين أيديكم في ملفّ السِّينودس. وسنستعرضها في جلسات السِّينودس. ولكم أن تُقرِّروا ما ترونه مناسبًا بالنَّظر إلى مواضيعها، وصياغتها، وطريقة تطبيقها على مستوى الكنيسة البطريركيَّة، أو الأبرشيَّة أو الجمعيَّة أو الرَّهبانيَّة
ثالثًا: الرَّاعي الصَّالح
من الأعمال الأكثر أهمِّيَّة في سينودساتنا هي اختيار رعاة صالحين لأبرشيَّاتنا لدى شغورها. وقد شرَّعَ القانون الكنسي الطَّريقة لأجل تهيئة وترشيح وانتخاب الأساقفة (القانون: 182). إنَّ عمل الترشيح حسب هذا القانون هو عمل دائم. بحيث يهتمُّ الأساقفة كلٌّ في محيطه بالتعرُّف على كهنة كنيستنا، وهم عددٌ قليل. ويجمعون معلوماتٍ عامَّة وخاصَّةً عنهم، بغية التعرُّف عليهم. ومع الوقت يتكوَّن ملفٌّ متكاملٌ عن بعض الكهنة الأكثر أهليَّة وكفاءَة ونضوجًا وعلمًا وفضيلة. وتُجمَع المعلومات في الملفَّات الخاصَّة بالبطريرك. وإذ ذاك تَسهُل عمليَّة الاختيار والانتخاب للأبرشيَّات الشاغرة أثناء السِّينودس
سنُكِبُّ في هذا السِّينودس على هذا العمل الهامّ، لأجل اختيار الرُّعاة الصَّالحين لكنيستنا، في المدى المنظور وعلى المدى البعيد
ولا بدَّ من الإشارة إلى أهمِّيَّة حفظ السِّرّ في مجمل هذه العمليَّة الدَّقيقة. وعلينا جميعًا رعاةً وكهنةً ورهبانًا وراهبات وعلمانيين وعلمانيَّات، أن نساعد بعضنا بعضًا على احترام سرِّيَّة هذا العمل الكنسي الهامّ. ونتجنَّبَ تسريب المعلومات، والإشاعات ، والتركيبات، والتخمينات في السِّينودس وقبله وبعده
وقد اعتاد كثيرون أن يتودَّدوا إلى المطارنة وبطرقٍ مختلفة ويستدرجونهم إلى أخذ معلوماتٍ حول مسيرة الترشيح ونتائج الانتخابات
ندعو الجميع إلى الإقلاع عن هذه العادة لا بل الآفة. ولنعملْ معًا رعاةً وكهنةً ورهبانًا وراهبات وعلمانيين على التَّقيُّد بواجب السِّرِّيَّة الكاملة التي يفرضها الشرع الكنسي
رابعًا: مواضيع أخرى
تتضمَّن أعمال السِّينودس لهذا العام، موادًا إداريَّة وراعويَّة وليترجيَّة. منها إعادة طباعة الإفخولوجيون (أو كتاب خدمة الأسرار والتبريكات)، وكتابَي الرَّسائل والإنجيل المقدَّس. وكرَّاس الصَّلاة للشباب والعائلات الذي وُضِعَ مؤخَّرًا، وهو يساعد العلمانيين على الصَّلاة
وسنعرض أوراقًا حول تحديث المعلومات، وتبادلها بين أبرشيَّاتنا، وورقةً حول مشروع "الأكاديميَّة البطريركيَّة"، وإكليريكيَّة القدِّيسة حنَّة في الرَّبوة لتنشئة طلاب الكهنوت لأبرشيَّاتنا. كما سنتدارس أوضاع أبرشيَّاتنا وأخبارها
واليوم في هذا السِّينودس نفرحُ معًا بخبرٍ سارّ مميَّز: ألا وهو تدشين مركز "لقاء" للحوار العالمي للحضارات يوم العاشر من أيَّار 2011. بحضور ورعاية رئيس الجمهوريَّة اللُّبنانيَّة. مع العلم أنَّ هذا البناء الحواري الفريد من نوعه هو مكرمة من جلالة السُّلطان قابوس بن سعيد حفظه الله. وستبقى هذه المكرمة في ذاكرة كنيستنا لهذا الرَّجل العظيم ولسلطنة عمان التي نتمنَّى لها الأمن والأمان والازدهار
هذا المركز هو لكم يا إخوتي وأخواتي، ولجميع أبناء وبنات كنيستنا في البلاد العربيَّة والمهاجر وفي كلِّ مكان. (مرفقًا خطاب البطريرك ونشرة عن مركز "لقاء")
خامسًا: السِّينودس حول "الأنجلة الجديدة"
كما أنَّنا سنتوقَّف عند الوثيقة الأولى "خطوط" للسِّينودس الذي سيُعقَد في روما (7-28 تشرين الأوَّل 2012). وموضوعه "الأنجلة الجديدة" (La Nouvelle Evangélisation )
وهو موضوع مهمّ يساعدنا في متابعة السِّينودس لأجل الشرق الأوسط، بخاصَّةٍ في تجديد العمل الرَّعوي لأجل تثبيت الإيمان المقدَّس في كنيستنا. وبخاصَّةٍ لدى الأجيال الشابَّة التي تجتاحها تيَّارات هدَّامة للقيَم الإنجيليَّة وللأخلاق السَّليمة. منها: المفهوم العلماني للحياة (Compréhension sécularisée de la vie ) . والموقف التلذُّذي (Hédonisme )، والاستهلاكيَّة (Consumérisme )، والسَّطحيَّة (Superficialité )، والتَّفاهة. وعبادة الشخص (Culte stérile de la personne ) والضُّمور الرُّوحي (Atrophie spirituelle )، وفراغ القلب (Vide du coeur )، وضياع العناصر الأساسيَّة لقاموس الإيمان (Perte des éléments fondamenteaux de la grammaire de la foi ) . (راجع البند 6 _ المقطع الثالث، ص. 14 في النصّ الفرنسي)
ويُطلَب منَّا (كسينودس) أن نقدِّم الأجوبة على الأسئلة المطروحة في الوثيقة قبل أوَّل تشرين الثاني 2011. وقد وزَّعتُ هذه الوثيقة على السَّادة الأساقفة والرُّؤساء العامِّين والرَّئيسات العامَّات. ولا بدَّ من دراستها في أبرشيَّاتنا ومؤسَّساتنا ورعايانا
أيُّها الإخوة والأخوات
من استعراض المواضيع التي سنتدارسها في سينودسنا (بالإضافة إلى مقترحات الآباء لاحقًا)، يتبيَّن لنا واضحًا أهمِّيَّة سينودسنا، واتِّساع آفاقه، وعظيم مسؤوليَّتنا تجاه رعايانا، وبخاصَّةٍ في الظُّروف الحاليَّة التي تمرُّ بها بلادنا العربيَّة (عشر بلدان طالتها الثورات والهزَّات بدرجات متفاوتة). إنَّ هذه الأوضاع تؤثِّر على رعايانا، وعلى مسيرة إيمان أولادنا، وعلى مسيرة متابعة توصيات السِّينودس لأجل الشرق الأوسط، التي عقدنا ونعقد عليه الآمال الواسعة. أجل هذه التطوُّرات المصيريَّة لها انعكاساتٌ عميقة على رعايانا. وربَّما تسبَّبت في موجةٍ جديدةٍ من الهجرة الزَّاحفة
ولهذا يتوجَّب علينا مضاعفةُ سهرنا الرَّعوي لكي نكون أكثر قربًا إلى رعايانا، متواصلين معهم، متجاوبين مع حاجاتهم الأكثر إلحاحًا في هذه الظروف
لقد رفعنا صوتنا في جلسات السِّينودس لأجل الشرق الأوسط، وحذَّرنا من خطر توالي الحروب والأزمات والنَّكسات، التي أجمع آباء السِّينودس وقداسة البابا وجميع المشاركين من إخوتنا كرادلة ومطارنة، أنَّ سببها الأساسي البعيد والقريب هو الصِّراع الفلسطيني _ العربي _ الإسرائيلي، الذي مضى عليه ثلاثٌ وستُّون عامًا. وقد أرسلتُ الرَّسائل تلوَ الرَّسائل إلى رؤساء الدُّول في الاتحاد الأوروبي وأميركا لأجل عمل كلِّ ما يمكن عمله لأجل حلٍّ عادل وشامل لهذا الصِّراع، والاعتراف بحقوق إخوتنا الفلسطينيين بوطنهم وأرضهم ومائهم وحرِّيَّتهم وكرامتهم وعودتهم إلى أرض أجدادهم
والآن ومن منبر هذا السِّينودس، ونحن لنا رعايا في دولٍ عربيَّة وأجنبيَّة، نرفعُ صوتنا عاليًا مطالبين ببذل الجهود لإنهاء الصِّراع الذي يُهدِّد أمن مشرقنا العربي وأمانه واستقراره والحوار بين المواطنين فيه، والعيش المشترك بين جميع طوائفه وأطيافه. ما ينعكس على كلِّ قيَم الحوار والتعايش والتضامن والسَّلام في العالم بأسره، خصوصًا لدى الشباب والأجيال الطَّالعة
ما نخشاه لعالمنا العربي عمومًا وللبنان خصوصا وبخاصّة سورية أنّ ما يسمّى بالثورات ليست ثورات والمطالبة بإصلاحات، بل مقدِّمات للفتن الطائفيّة هنا وهناك. وليس لبنان بمنأى عن ذلك، ولا سوريا ولا سواها من الدول العربيّة فحذار من الفتنة
والفتنة هي الطريق لدقّ الإسفين في العالم العربي وتقسيمه وإضعافه. بل الفتنة هي الطريق لضرب العيش المشترك والسلم الاهلي والتعايش، وبخاصة التعايش والعيش المشترك المسيحي الإسلامي، الذي يبقى في العالم العربي، بالرغم من "ثغراته" النموذج للحوار المسيحي الإسلامي في أوروبا وفي العالم بأسره
وبالنسبة للبنان ندعو إلى توحيد الصف والكلمة، وإلى لغة تعكس حضارة لبنان ورسالته وتليق به، وإلى الابتعاد عن محاولات زرع الفتنة، وضرب الاستقرار. وهذا ما نراه بأسف يحدث هنا وهناك في مناطق شتّى في لبنان. ونستنكر ما حدث في طرابلس بشدّة. فجميع اللبنانيين مواطنون وكلّهم لبنانيّون. نظام لبنان طائفي، ولكن لا يجوز أن تكون عقليَّتنا طائفيّة فئويّة، ضيّقة، تنكر التنوّع الحزبي والديني والاجتماعي والسياسي، الذي يميّز لبنان
:ولهذا ندعو إلى أمرين محدّدين
أولا : إحياء طاولة الحوار الوطني لأجل وئد أيّة فتنة، وتحصين السِّلم الأهلي. بحيث تكون هذه الطاولة مكان الحوار الدائم، والتخاطب والتنسيق والعتاب والحلول التي تحفظ خط المحبّة مفتوحًا بين الجميع
ثانيا: عقدنا قمَّة روحيّّة في شهر أيار، وفرح المواطنون أن يروا قادتهم الروحيين صفا واحدا. والآن ندعو إلى عقد مؤتمر لبناني جامع يضمّ الرؤساء الروحيين والزعماء السياسيين والقادة والمسؤولين في الدولة، يعقد في القصر الجمهوري في بعبدا، برئاسة فخامة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال سليمان الأكرم. مؤتمرٌ مثل هذا سيكون له وقع كبير ويحصّن الكيان اللبناني بجميع أطيافه في الظروف الراهنة الدقيقة التي تمرُّ بها المنطقة
ومن سينودسنا، ومن كنيستنا وباسم رعاتنا المطارنة الذين يمثّلون هنا العالم العربي وعالم الانتشار، نرفع الصوت عاليا إلى قادة العالم العربي أن يحبّوا بعضهم بعضا، ويتداعوا بالحمّى والمحبّة والمودّة، الواحد نحو الآخر. فالعالم العربي أو يتّحد ويتضامن ويتعاون، ويتصارح، ويصمّم معا لمستقبل أفضل لشعوبه وبخاصّة للشباب والأجيال الطالعة، أو يصبح فريسةً ولقمةَ سائغة للمصالح والأطماع الإقليميّة والعالميّة. فأين جامعة الدول العربيّة؟ والمؤتمر الإسلامي؟ أين هذه المؤسّسات لتقف أمام الوضع الداخلي العربي المتفجّر الثائر؟ وأمام الاجتماعات المتواترة في أوروبا حول أوضاع بلادنا؟
من سينودسنا ندعو الجميع إلى التبصّر والتصميم والتضامن ووضع الخطط لدرء الأخطار المحيطة بنا جميعا، ويمكن أن تحرق نيران هشيمها كلّ مجتمعاتنا
وندعو دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتّحدة الأميريكيّة وروسيا، أن لا يضيعوا وقتهم بإصدار قرارات هنا وهناك، والكلام عن الثورات هنا وهناك! ما نريده منهم هو أن يكونوا قادرين على فرض سلام عادل وشامل ودائم ويعترفوا بجرأة وشجاعة بدولة فلسطينيّة، ويعدلوا في التعامل مع إسرائيل وفلسطين ومع الدول العربيّة عموما. وبهذا فقط يمكنهم أن يستعيدوا ثقة العالم العربي، ويعيش الإسرائيلي والفلسطيني، وكلّ إنسان في المنطقة بأمان. وإذ ذاك تنطلق عجلة الإصلاح والتطوّر والازدهار في المنطقة. ونأمل أن يستحقّوا طوبى السيّد المسيح: طوبى لصانعي السلام فإنّهم بني الله يدعون
ولهذا نرفعُ الصَّلاة، وسنبقى نرفعُ الابتهالات طيلة هذا السِّينودس، أوَّلاً لأجل بلدنا الحبيب لبنان المضيف الدَّائم لسينودساتنا، وسورية حيث كرسينا البطريركي الأنطاكي، ومصر والسُّودان وفلسطين والأردن والعراق ودول الخليج. حيث إنَّ كنيستنا حاضرة بأعدادٍ جيِّدة في العدد الأكبر من هذا المشرق العربي
وكما نقول في مطلع ليترجيا القدَّاس الإلهي، "نُصلِّي لأجل السَّلام العلوي وخلاص نفوسنا. ولأجل سلام العالم أجمع، وثبات كنائس الله المقدَّسة واتِّحاد الجميع". لكي نقضي في ظلِّ أمن بلادنا ورؤسائنا "حياةً مطمئنَّة وادعة بكلِّ تقوى ووقار"
أشكر وسائل الإعلام لتغطية بداية سينودسنا، وأشكر لكم أيُّها الإخوة الموقَّرون أعضاء سينودسنا المقدَّس والرُّؤساء العامُّون، حسن إصغائكم. ونشكر المشاهدين المتابعين سينودسنا بالصَّلاة والأماني. ونحيي من السينودس باسم جميع أعضائه كهنتنا ورهباننا وراهباتنا وأبنائنا من كل مكان. ونصلي لأجلهم ونطلب صلاتهم
ونضع هذا السِّينودس تحت شفاعة أمِّنا مريم العذراء سيِّدة البشارة شفيعة هذا الدَّير والمقرِّ البطريركي، ليكون ناجحًا ومباركًا باسم الآب والابن والرُّوح القدس، الإله الواحد. آمين
مع المحبَّة والدُّعاء والتَّقدير
غريغوريوس الثّالث
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والاسكندريّة
وأورشليم للرُّوم الملَكيِّين الكاثوليك
في 21 حزيران 2011