"إيمانك خلّصك، إذهبي بسلام"
(لو 8: 40)
أراد الربُّ يسوع أن يظهرَ للناس في العلن إيمان المرأة المنزوفة، ألتي شفيت مذ لمست طرف ثوبه في الخفية، فيما الجموع تزحمه، وأن يبيّن لهم قيمة الإيمان به وبقدرة هذا الإيمان على صنع المعجزات، وأن يُعيدَ للمرأة كرامتها. فألزم المنزوفة بأن تقول في العلن إيمانها، الذي عبّرت عنه بالخفية فنالت شفاءها. وهكذا امتدحها الرب بقوله المشجّع: "يا ابنتي، إيمانك خلّصك، إذهبي بسلام"(لو8: 40
يسعدنا أن نلتقي معكم اليوم حول مذبح الرب، للاحتفال بذبيحة فدائنا، ولتناول جسد الرب ودمه غذاءً لنفوسنا، وعربونًا للحياة الإلهيّة فينا. وإذ نرحّب بكم جميعًا، فإنّا نخصّ بالترحيب مرشد الكتيبة الفرنسية في القوات الدوليّة الأب Etienne d’Escrivan مع ثلاثة جنود موعوظين يتهيّأون لقبول سرّ المعودية في مزار سيدة لورد، أثناء الحج العسكري الدولي إلى هذا المزار المريمي في شهر أيار المقبل. ننتهز هذه المناسبة لنعرب لهم عن تهانينا في مسيرة الإيمان نحو الولادة الجديدة من الماء والروح التي ستمحو فيهم الخطيئة الأصليّة الموروثة من أبوَينا الأوّلَين، آدم وحوّاء وخطاياهم الشخصيّة، وتجعلهم أعضاء في جسد المسيح الذي هو الكنيسة، وهياكل للروح القدس، وجنودًا روحيين للمسيح. كما نشكر مرشدهم الأب Etienne على تحضيرهم وعلى كل نشاطاته الراعويّة لدى الكتيبة الفرنسيّة. ونودّ أيضًا الإعراب للدول المشاركة في القوات الدوليّة في لبنان عن شكرنا الكبير على التضحيات التي تتحمّلها، والتي يقدمها جنودها بسخاء من أجل حفظ السلام في بلادنا. فنذكر بالصلاة الضحايا التي وقعت ونذكر عائلاتهم، ونصلّي من اجل حماية جنود كل كتيبة مشاركة ومآزرة للجيش اللبناني في حماية السلام عندنا
ونرحّب أيضًا بالوفد الإداري والطبّي من المستشفى الجعيتاوي اللبناني الجامعي، ويضم إدارة المستشفى والأقسام، من راهبات وأطباء وممرضين ومرضات، وموظفين تقنيين وإداريين، في مناسبة إعلانه مستشفىً جامعيًّا، فلهم منّا التهاني والتمنّيات
ونُحيي عائلة المخطوف نزيه نصّار من البقاع، الذي خُطف في أول شباط الجاري، ومصيره إلى الآن غامض ومجهول. نطالب السلطات اللبنانية بالبحث والإفراج عنه وعودته سالمًا إلى بيته وأهله
إنجيل إيمان المرأة المنزوفة يكشف لنا أهمية سنة الإيمان التي افتتحها قداسة البابا بندكتوس السادس عشر في الحادي عشر من شهر تشرين الأول الماضي بمناسة مرور خمسين سنة على افتتاح المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني الذي سمّاه الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني "ربيع الكنيسة"، ومرور عشرين سنة على صدور "كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة" وقد سمّاه البابا يوحنا بولس الثاني نفسه "سيمفونية الإيمان". فإذا بالمرأة المنزوفة تُعَدُّ، عن حقٍّ، من شهود الإيمان، وما أكثرهم في تاريخ الكنيسة وفي المسيحيّة
أمّا شاهد الإيمان الكبير اليوم فهو قداسة البابا بندكتوس السادس عشر الذي يُتوّج "سنة الإيمان" والإيمان المسيحي بفعل إيمان كبير متواضع وحرّ، متجرّد وشجاع، بإعلان تنحّيه عن الخدمة البابوية الرسولية، كأسقف روما، خليفة القديس بطرس الرسول، "ليقينه بأنّ قواه، بسبب تقدّمه في السن، لا تؤهّله ليمارس خدمته البطرسية بالشكل الملائم، ولاعتباره أنّ هذه الخدمة، من حيث جوهرها الروحي، ينبغي أن تُمارس، ليس فقط بالأعمال وبالكلمة، بل أيضًا، ولا بأقل، بالألم والصلاة". ومن بعد أن طلب المغفرة عن كلّ نقائصه بفعل إيمانٍ رفيعٍ بتواضعه، أعلن أنّه ابتداءً من يوم الخميس المقبل 28 شباط الجاري عند الساعة الثامنة مساء، تنتهي خدمته الرسوليّة، "واعدًا بأن يخدم من كل قلبه، وفي المستقبل أيضًا، كنيسة الله المقدسة بحياة مُكرّسة للصلاة". ولتسقط كلّ الإدّعاءات والتفسيرات الأخرى التي تُشوّه قدسية الدافع إلى هذا التنحّي
نحن بدورنا نرافق قداسة البابا بنكتوس بصلاتنا لكي يحقّق الله امنياته المقدسة، ونعده بعيش سنة الإيمان"، حسب رغبات قلبه، بحيث تكون "إعادة اكتشافٍ لطريق الإيمان، واستعادة الفرح والحماس المتجددَين بلقاء المسيح، من خلال دخولنا "باب الإيمان" الذي هو يسوع المسيح، والولوج في شركة مع الله ومع الكنيسة"(باب الايمان 1 و 2). ونعرب له عن شكرنا الكبير للمبادرات الثلاث التي شرّف بها لبنان وكنيستنا، وهي: 1) زيارته التاريخية للبنان التي وقّع في خلالها الإرشاد الرسولي: "الكنيسة في الشرق الأوسط، شركة وشهادة"، ووزّعه رسميًّا على الكنائس، وأعلن من لبنان سلام المسيح لبلدان الشرق الأوسط الجريحة بالعنف والحرب؛ وكانت هذه آخر زياراته الرسولية إلى العالم؛ 2) منح البطريرك الماروني رتبة الكردينالية التي تؤهّله للمساعدة في خدمة الكنيسة الجامعة، واليوم للمشاركة، إن شاء الله، في انتخاب خلفٍ له يكون حسب قلب راعي الرعاة الأعظم يسوع المسيح؛ 3) الطلب بأن تُهيئ شبيبة لبنان تأملات مراحل درب الصليب التي يحتفل بها البابا في مساء الجمعة العظيمة في ساحة مسرح Colisée الروماني، حيث كان الأباطرة الرومان يطرحون المسيحيّين الأوّلين للوحوش بسبب إيمانهم. فلن يكون هو الذي يقود مسيرة درب الصليب، بل خليفته. فيا لها من عظمة في التجرّد وإخلاء الذات
للمناسبة، في الساعة التاسعة مساءً بتوقيت بيروت في 28 شباط، التي يُنهي فيها قداسة البابا خدمته الرسوليّة، ندعو جميع محبّي البابا بندكتوس، أينما وُجدوا، ليرفعوا صلاة شكر لله وعلى نيّته، وأن يُضيئوا شمعة رمزًا لاستمرار شعلة الإيمان في قلوبنا على مثاله، ملتمسين من الله رعاةً للكنيسة، وقادة لوطننا لبنان ولسائر البلدان، على مثاله، يمارسون مسؤولياتهم بضمير حيّ وتجرّد وتواضع
كم نتمنّى أن يقتديَ ضمير المسؤولين السياسيّين عندنا بضمير قداسة البابا بندكتوس المهني المسؤول، فنسألهم باسم ضميرهم: هل أنتم حقًّا قادرون على ممارسة مسؤولياتكم الجسيمة؟
هل ضميركم المهني مرتاح، حين تشلّ الأزمة السياسية البلاد وتهدّد كيان الوطن وتضع مصير شعب بكامله على المحك؟ وحين تعجزون عن وضع قانون للانتخابات، بعد سنوات من دروس لجان وطرح مشاريع، يكون على قياس مكوّنات الوطن، لا على قياس أشخاص نافذين؟ وحين تتعطّل الانتخابات في موعدها، لا سمح الله، وبذلك تنهون آخر مظاهر الديمقراطية في تداول السلطة؟
أين ضميركم حين يتآكل الفقرُ السوادَ الأعظم من شعبنا واقتصاد وطننا في انهيار مريع؟ وحين يستشري الفساد في الإدارات العامة ويُهدر المال العام بقوّةِ النفوذ وبالتراضي بين النافذين، على حساب الشعب وحاجات الوطن، والمتوجبات على الدولة للمستشفيات والمدارس المجانيّة والمياتم؟
هل ضميركم المهني المسؤول يرتاح لإضرابات المعلّمين ولإقفال المدارس وبالتالي معاقبة التلاميذ وأهلهم والبرامج التعليمية والعمل التربوي، بسبب الوعود الكلامية فقط والتباطؤ في إقرار سلسلة الرتب والرواتب بشكل عادل ومنصف للجميع، من دون إرهاق الأهالي والشعب بضرائب إضافية، والمدارس ببدعة "المفعول الرجعي" في الزيادات المعيشية، الذي هو ظلمٌ فادح، وكأنّ المقصود إقفال المدارس الخاصّة والكاثوليكيّة، وإشعال نار الفتنة بين إدارات هذه المدارس والأهل وبين المعلمين والمعلمات والموظفين؟ ألا تدركون وتقيّمون الخسارات الجسيمة التي تُلحق بأجيالنا الطالعة وبهذه المؤسسات التربوية التي تُشكّل ثروة وطنية لا تُقدّر، والتي تميّز لبنان بمستوى العلم المتفوّق فيه، عدا عن أنّها توفّر للمواطنين آلاف فرص العمل؟ أوليست الدولة مسؤولة عن دعمها المالي لها ودعم الأهالي وأمكانياتهم المادّية، لكي يختاروا بحريّة المدرسة التي تتناسب مع تربية أولادهم؟
أين ضميركم، أيها المسؤولون السياسيّون، حين السلاح غير الشرعي، المغطّى سياسيًا، يتفشّى ويتزايد على مساحة الوطن وسلطة الدولة في تقلّص مُخيف؟ وحين يُخطف الأبرياء الآمنون كبارًا وصغارًا، إبتزازًا للمال كفدية؟ ومَن يُجيب أهالي المخطوفين من أبنائهم وأزواجهم عن مصيرهم؟
أمام كل هذا، نسألكم، مَن يعيد الأمل والطموح لأجيالنا الطالعة، ويفتح أمامهم أبواب العمل والعيش بكرامة وطمأنينة في وطنهم، ويحدّ من هجرتهم، وهم ثروة لبنان الكبرى وضمانة مستقبله؟
هذا هو النزف المميت المرموز إليه بنزف تلك المرأة التي عانت "مدّة اثنتَي عشرة سنة، ولم يقدر أحدٌ أن يشفيها". وحده إيمانها بيسوع المسيح شفاها من نزفها. "سنة الإيمان" تدعونا إلى تثبيت إيماننا بالله، كلقاء شخصي مع المسيح، كله ثقة بأنّ نعمته قادرة على أن تفتح الضمائر لسماع صوت الله الداعي إلى التزام الخير وتجنّب الشر، وأن تفتح القلوب للمحبة والرحمة والشعور بوجع الآخرين. بهذا الإيمان مسّت المرأة طرف ثوب يسوع فشفيت. ونحن، ألا نمسّه بسماع كلامه الإلهي، وقبول نعمة سرّ ذبيحة الفداء، ووليمة جسده ودمه؟ إنّنا نصلّي صلاة الرسل: "يا رب زدنا إيمانًا"(لو17: 5
وما القول عن "النزف" المتمادي في سوريا، "نزف" الدماء والقتل والتدمير والتهجير؟ أين هي ضمائر المتقاتلين فلا يكفّوا عن هذه الجرائم ضدّ الإنسانيّة، ولا يجلسوا إلى طاولة المفاوضات رحمةً بشعبهم وبوطنهم ومصيرهم؟ أين هي ضمائر الدول المحرّضة على العنف والحرب والمشارِكة فيها؟ ألا يدركون أن هذه النار ستلتهمهم يومًا؟ وما القول عن "نزف" السوريين النازحين إلى لبنان، وقد بلغ اليوم بالذات عدد المسجّلين الذين يتلقَّون مساعدات، حسب التقرير الأسبوعي الصادر عن مفوضيّة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أكثر من 305,000 شخصًا، وهو مرشّح ليصبح في شهر حزيران 700,000 نازح، ما عدا غير المسجّلين، فضلاً عن 50,000 فلسطيني نزحوا من المخيمات في سوريا؟ هل يتساءل المسؤولون عندنا عن مصير لبنان الأمني والاجتماعي والديموغرافي والسياسي والثقافي من جراء هذا النزوح؟ وهل على لبنان أن يتحمّل كلَّ مصائب الحرب في سوريا؟ وكيف تتحصّن بلادُنا بوجه تداعيات هذه الحرب وهذا النزوح؟
كل واحد منّا يعاني من نزفٍ ما، مادّي أو روحي أو أخلاقي أو عائلي. زمن الصوم الكبير هو زمن البحث عن الله، الحاضر بيننا في سرّ المسيح، لنلتمس منه بإيمان، مثل المرأة، الشفاء من نزفنا
فيا رب، أعطنا نعمة التواضع لنقرّ بنزفنا الشخصيّ، ونعمة الشجاعة للإقرار بعدم قدرتنا على تحمّل مسؤوليتنا من دون مساعدتك ونور كلمتك، ولاتّخاذ القرار الذي يرضيك ويؤمّن الخير العام. زدنا إيمانًا يا رب، لكي نقبل هذه النعمة. لك المجد إلى الأبد، آمين
يسعدنا أن نلتقي معكم اليوم حول مذبح الرب، للاحتفال بذبيحة فدائنا، ولتناول جسد الرب ودمه غذاءً لنفوسنا، وعربونًا للحياة الإلهيّة فينا. وإذ نرحّب بكم جميعًا، فإنّا نخصّ بالترحيب مرشد الكتيبة الفرنسية في القوات الدوليّة الأب Etienne d’Escrivan مع ثلاثة جنود موعوظين يتهيّأون لقبول سرّ المعودية في مزار سيدة لورد، أثناء الحج العسكري الدولي إلى هذا المزار المريمي في شهر أيار المقبل. ننتهز هذه المناسبة لنعرب لهم عن تهانينا في مسيرة الإيمان نحو الولادة الجديدة من الماء والروح التي ستمحو فيهم الخطيئة الأصليّة الموروثة من أبوَينا الأوّلَين، آدم وحوّاء وخطاياهم الشخصيّة، وتجعلهم أعضاء في جسد المسيح الذي هو الكنيسة، وهياكل للروح القدس، وجنودًا روحيين للمسيح. كما نشكر مرشدهم الأب Etienne على تحضيرهم وعلى كل نشاطاته الراعويّة لدى الكتيبة الفرنسيّة. ونودّ أيضًا الإعراب للدول المشاركة في القوات الدوليّة في لبنان عن شكرنا الكبير على التضحيات التي تتحمّلها، والتي يقدمها جنودها بسخاء من أجل حفظ السلام في بلادنا. فنذكر بالصلاة الضحايا التي وقعت ونذكر عائلاتهم، ونصلّي من اجل حماية جنود كل كتيبة مشاركة ومآزرة للجيش اللبناني في حماية السلام عندنا
ونرحّب أيضًا بالوفد الإداري والطبّي من المستشفى الجعيتاوي اللبناني الجامعي، ويضم إدارة المستشفى والأقسام، من راهبات وأطباء وممرضين ومرضات، وموظفين تقنيين وإداريين، في مناسبة إعلانه مستشفىً جامعيًّا، فلهم منّا التهاني والتمنّيات
ونُحيي عائلة المخطوف نزيه نصّار من البقاع، الذي خُطف في أول شباط الجاري، ومصيره إلى الآن غامض ومجهول. نطالب السلطات اللبنانية بالبحث والإفراج عنه وعودته سالمًا إلى بيته وأهله
إنجيل إيمان المرأة المنزوفة يكشف لنا أهمية سنة الإيمان التي افتتحها قداسة البابا بندكتوس السادس عشر في الحادي عشر من شهر تشرين الأول الماضي بمناسة مرور خمسين سنة على افتتاح المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني الذي سمّاه الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني "ربيع الكنيسة"، ومرور عشرين سنة على صدور "كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة" وقد سمّاه البابا يوحنا بولس الثاني نفسه "سيمفونية الإيمان". فإذا بالمرأة المنزوفة تُعَدُّ، عن حقٍّ، من شهود الإيمان، وما أكثرهم في تاريخ الكنيسة وفي المسيحيّة
أمّا شاهد الإيمان الكبير اليوم فهو قداسة البابا بندكتوس السادس عشر الذي يُتوّج "سنة الإيمان" والإيمان المسيحي بفعل إيمان كبير متواضع وحرّ، متجرّد وشجاع، بإعلان تنحّيه عن الخدمة البابوية الرسولية، كأسقف روما، خليفة القديس بطرس الرسول، "ليقينه بأنّ قواه، بسبب تقدّمه في السن، لا تؤهّله ليمارس خدمته البطرسية بالشكل الملائم، ولاعتباره أنّ هذه الخدمة، من حيث جوهرها الروحي، ينبغي أن تُمارس، ليس فقط بالأعمال وبالكلمة، بل أيضًا، ولا بأقل، بالألم والصلاة". ومن بعد أن طلب المغفرة عن كلّ نقائصه بفعل إيمانٍ رفيعٍ بتواضعه، أعلن أنّه ابتداءً من يوم الخميس المقبل 28 شباط الجاري عند الساعة الثامنة مساء، تنتهي خدمته الرسوليّة، "واعدًا بأن يخدم من كل قلبه، وفي المستقبل أيضًا، كنيسة الله المقدسة بحياة مُكرّسة للصلاة". ولتسقط كلّ الإدّعاءات والتفسيرات الأخرى التي تُشوّه قدسية الدافع إلى هذا التنحّي
نحن بدورنا نرافق قداسة البابا بنكتوس بصلاتنا لكي يحقّق الله امنياته المقدسة، ونعده بعيش سنة الإيمان"، حسب رغبات قلبه، بحيث تكون "إعادة اكتشافٍ لطريق الإيمان، واستعادة الفرح والحماس المتجددَين بلقاء المسيح، من خلال دخولنا "باب الإيمان" الذي هو يسوع المسيح، والولوج في شركة مع الله ومع الكنيسة"(باب الايمان 1 و 2). ونعرب له عن شكرنا الكبير للمبادرات الثلاث التي شرّف بها لبنان وكنيستنا، وهي: 1) زيارته التاريخية للبنان التي وقّع في خلالها الإرشاد الرسولي: "الكنيسة في الشرق الأوسط، شركة وشهادة"، ووزّعه رسميًّا على الكنائس، وأعلن من لبنان سلام المسيح لبلدان الشرق الأوسط الجريحة بالعنف والحرب؛ وكانت هذه آخر زياراته الرسولية إلى العالم؛ 2) منح البطريرك الماروني رتبة الكردينالية التي تؤهّله للمساعدة في خدمة الكنيسة الجامعة، واليوم للمشاركة، إن شاء الله، في انتخاب خلفٍ له يكون حسب قلب راعي الرعاة الأعظم يسوع المسيح؛ 3) الطلب بأن تُهيئ شبيبة لبنان تأملات مراحل درب الصليب التي يحتفل بها البابا في مساء الجمعة العظيمة في ساحة مسرح Colisée الروماني، حيث كان الأباطرة الرومان يطرحون المسيحيّين الأوّلين للوحوش بسبب إيمانهم. فلن يكون هو الذي يقود مسيرة درب الصليب، بل خليفته. فيا لها من عظمة في التجرّد وإخلاء الذات
للمناسبة، في الساعة التاسعة مساءً بتوقيت بيروت في 28 شباط، التي يُنهي فيها قداسة البابا خدمته الرسوليّة، ندعو جميع محبّي البابا بندكتوس، أينما وُجدوا، ليرفعوا صلاة شكر لله وعلى نيّته، وأن يُضيئوا شمعة رمزًا لاستمرار شعلة الإيمان في قلوبنا على مثاله، ملتمسين من الله رعاةً للكنيسة، وقادة لوطننا لبنان ولسائر البلدان، على مثاله، يمارسون مسؤولياتهم بضمير حيّ وتجرّد وتواضع
كم نتمنّى أن يقتديَ ضمير المسؤولين السياسيّين عندنا بضمير قداسة البابا بندكتوس المهني المسؤول، فنسألهم باسم ضميرهم: هل أنتم حقًّا قادرون على ممارسة مسؤولياتكم الجسيمة؟
هل ضميركم المهني مرتاح، حين تشلّ الأزمة السياسية البلاد وتهدّد كيان الوطن وتضع مصير شعب بكامله على المحك؟ وحين تعجزون عن وضع قانون للانتخابات، بعد سنوات من دروس لجان وطرح مشاريع، يكون على قياس مكوّنات الوطن، لا على قياس أشخاص نافذين؟ وحين تتعطّل الانتخابات في موعدها، لا سمح الله، وبذلك تنهون آخر مظاهر الديمقراطية في تداول السلطة؟
أين ضميركم حين يتآكل الفقرُ السوادَ الأعظم من شعبنا واقتصاد وطننا في انهيار مريع؟ وحين يستشري الفساد في الإدارات العامة ويُهدر المال العام بقوّةِ النفوذ وبالتراضي بين النافذين، على حساب الشعب وحاجات الوطن، والمتوجبات على الدولة للمستشفيات والمدارس المجانيّة والمياتم؟
هل ضميركم المهني المسؤول يرتاح لإضرابات المعلّمين ولإقفال المدارس وبالتالي معاقبة التلاميذ وأهلهم والبرامج التعليمية والعمل التربوي، بسبب الوعود الكلامية فقط والتباطؤ في إقرار سلسلة الرتب والرواتب بشكل عادل ومنصف للجميع، من دون إرهاق الأهالي والشعب بضرائب إضافية، والمدارس ببدعة "المفعول الرجعي" في الزيادات المعيشية، الذي هو ظلمٌ فادح، وكأنّ المقصود إقفال المدارس الخاصّة والكاثوليكيّة، وإشعال نار الفتنة بين إدارات هذه المدارس والأهل وبين المعلمين والمعلمات والموظفين؟ ألا تدركون وتقيّمون الخسارات الجسيمة التي تُلحق بأجيالنا الطالعة وبهذه المؤسسات التربوية التي تُشكّل ثروة وطنية لا تُقدّر، والتي تميّز لبنان بمستوى العلم المتفوّق فيه، عدا عن أنّها توفّر للمواطنين آلاف فرص العمل؟ أوليست الدولة مسؤولة عن دعمها المالي لها ودعم الأهالي وأمكانياتهم المادّية، لكي يختاروا بحريّة المدرسة التي تتناسب مع تربية أولادهم؟
أين ضميركم، أيها المسؤولون السياسيّون، حين السلاح غير الشرعي، المغطّى سياسيًا، يتفشّى ويتزايد على مساحة الوطن وسلطة الدولة في تقلّص مُخيف؟ وحين يُخطف الأبرياء الآمنون كبارًا وصغارًا، إبتزازًا للمال كفدية؟ ومَن يُجيب أهالي المخطوفين من أبنائهم وأزواجهم عن مصيرهم؟
أمام كل هذا، نسألكم، مَن يعيد الأمل والطموح لأجيالنا الطالعة، ويفتح أمامهم أبواب العمل والعيش بكرامة وطمأنينة في وطنهم، ويحدّ من هجرتهم، وهم ثروة لبنان الكبرى وضمانة مستقبله؟
هذا هو النزف المميت المرموز إليه بنزف تلك المرأة التي عانت "مدّة اثنتَي عشرة سنة، ولم يقدر أحدٌ أن يشفيها". وحده إيمانها بيسوع المسيح شفاها من نزفها. "سنة الإيمان" تدعونا إلى تثبيت إيماننا بالله، كلقاء شخصي مع المسيح، كله ثقة بأنّ نعمته قادرة على أن تفتح الضمائر لسماع صوت الله الداعي إلى التزام الخير وتجنّب الشر، وأن تفتح القلوب للمحبة والرحمة والشعور بوجع الآخرين. بهذا الإيمان مسّت المرأة طرف ثوب يسوع فشفيت. ونحن، ألا نمسّه بسماع كلامه الإلهي، وقبول نعمة سرّ ذبيحة الفداء، ووليمة جسده ودمه؟ إنّنا نصلّي صلاة الرسل: "يا رب زدنا إيمانًا"(لو17: 5
وما القول عن "النزف" المتمادي في سوريا، "نزف" الدماء والقتل والتدمير والتهجير؟ أين هي ضمائر المتقاتلين فلا يكفّوا عن هذه الجرائم ضدّ الإنسانيّة، ولا يجلسوا إلى طاولة المفاوضات رحمةً بشعبهم وبوطنهم ومصيرهم؟ أين هي ضمائر الدول المحرّضة على العنف والحرب والمشارِكة فيها؟ ألا يدركون أن هذه النار ستلتهمهم يومًا؟ وما القول عن "نزف" السوريين النازحين إلى لبنان، وقد بلغ اليوم بالذات عدد المسجّلين الذين يتلقَّون مساعدات، حسب التقرير الأسبوعي الصادر عن مفوضيّة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أكثر من 305,000 شخصًا، وهو مرشّح ليصبح في شهر حزيران 700,000 نازح، ما عدا غير المسجّلين، فضلاً عن 50,000 فلسطيني نزحوا من المخيمات في سوريا؟ هل يتساءل المسؤولون عندنا عن مصير لبنان الأمني والاجتماعي والديموغرافي والسياسي والثقافي من جراء هذا النزوح؟ وهل على لبنان أن يتحمّل كلَّ مصائب الحرب في سوريا؟ وكيف تتحصّن بلادُنا بوجه تداعيات هذه الحرب وهذا النزوح؟
كل واحد منّا يعاني من نزفٍ ما، مادّي أو روحي أو أخلاقي أو عائلي. زمن الصوم الكبير هو زمن البحث عن الله، الحاضر بيننا في سرّ المسيح، لنلتمس منه بإيمان، مثل المرأة، الشفاء من نزفنا
فيا رب، أعطنا نعمة التواضع لنقرّ بنزفنا الشخصيّ، ونعمة الشجاعة للإقرار بعدم قدرتنا على تحمّل مسؤوليتنا من دون مساعدتك ونور كلمتك، ولاتّخاذ القرار الذي يرضيك ويؤمّن الخير العام. زدنا إيمانًا يا رب، لكي نقبل هذه النعمة. لك المجد إلى الأبد، آمين