رسالة البطريرك غريغوريوس الثالث بمناسبة عيد الفصح المجيد
رسالة صاحب الغبطة
البطريرك غريغوريوس الثَّالث
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والاسكندريَّة وأورشليم
للرُّوم المَلَكيِّين الكاثوليك
بمناسبة عيد الفصح المجيد
4 نيسان 2010
من غريغوريوسَ عبدِ يسوعَ المسيح
برحمةِ الله تعالى
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق
والإسكندريّة وأورشليم
إلى الإخوة السَّادة المطارنة، أعضاء المجمع المقدَّس الموقَّرين
وسائر أبنائنا وبناتنا بالمسيحِ يسوع، إكليروسًا وشعبًا
المدعوِّين قدِّيسين، مع جميع الذين يَدعُون باسم ربِّنا يسوع المسيح، ربِّهم وربِّنا
نعمةٌ لكم وسلامٌ من الله أبينا، والرَّبِّ يسوع المسيح (اكور: 1-3).
"التعيِّيدُ معًا"
المسيح قام! حقًّا قام!
التَّعييِّدُ معًا! يا للفرحةِ العارمة التي تغمرُ العالمَ المسيحيَّ شرقًا وغربًا! لأنَّنا نُعيِّدُ معًا عيدَ الفصحَ المجيد، عيد قيامة سيِّدنا وربِّنا وإلهنا ومخلِّصنا يسوع المسيح المقدَّسة: الشَّرقُ والغرب، كلُّنا معًا، السَّائرون على الحساب اليولي وعلى الحساب الغريغوري، والشَّرقي والغربي... لا بل سنُعيِّدُ أيضًا معًا العام القادم 2011. ونشكرُ اللهَ على هذه النِّعمة!
إنَّ هذا الحدث هو نتيجة الحسابات الفلكيَّة التي تُنظِّم تاريخ عيد الفصح سنويًّا. وقد وضعنا دراسة بسيطة مختصرة حول هذا الموضوع في المجلّد الثالث من مجموعة كتبنا الطَّقسيَّة التي كلّفنا سلفنا المثلَّث الرَّحمة البطريرك مكسيموس الخامس حكيم، والسِّينودس المقدَّس بالنَّظر فيها وإعادة طباعتها (بين الأعوام 1992 _ 2000). وقد ?نتخبنا السِّينودس المقدَّس عام 1986 رئيسًا للجنة اللِّيترجيَّة السِّينودسيَّة.
ننتهزُ هذه المناسبة لنعطي نبذةً بشأن الكتب الطَّقسيَّة
قُمنا بهذا العمل الجبَّار مع 15 شخصًا هم أعضاء اللَّجنة اللِّيترجيَّة، من الأبرشيَّات والرَّهبانيَّات الرِّجاليَّة والنِّسائيَّة. وقد صدرت هذه الكتب في 4 مجلَّدات. وقد لجأنا إلى طريقةٍ فريدةٍ في نشر هذه الكتب لم تسبقنا عليها أيَّـةُ كنيسةٍ أخرى من الكنائس التَّابعة للطَّقس اليونانيّ (أو البيزنطيّ). وذلك أنَّنا كنّا في السَّابق نحتاج، الرُّهبان بخاصّة في أديارهم، وفي الأبرشيَّات والرَّعايا، كنَّا نحتاج إلى هذه الكتب لإقامة الصَّلوات الطَّقسيَّة اليوميَّة على مدار السَّنة. وهي: السَّواعيَّة، كتاب المشاهرة (الميناون)، كتاب المعزِّي (باركليتيكي) والنُّبوءات، وكتاب التريوذيون لأيَّام الصَّوم، وكتاب البندكستاريون (للزَّمن الفصحي). ولم تكن هذه الكتب متوفِّرة (إلا السَّواعيَّة) إلا في الأديار والكنائس الكبرى، حيث كان يوجد نسخة أو نسختان في كلِّ كنيسة. لكنَّ اللَّجنة الطَّقسيَّة برئاستنا وبتوصيةٍ منَّا (وكنت آنذاك نائبًا بطريركيًّا في القدس) لجأت إلى طريقةٍ جديدة. فقسَّمنا الكتب على النَّحو التالي تحت هذا العنوان: "كتاب الصَّلوات الطَّقسيَّة على مدار السَّنة لكنيسة الرُّوم المَلَكيِّين الكاثوليك":
المجلَّد الأوَّل – الجزء الأوَّل: يحتوي على الكتب المذكورة آنفًا في كتاب واحد، بحيث يحتوي على كلِّ الصَّلوات للأشهر أيلول – تشرين الأوّل وتشرين الثاني.
المجلَّد الأوَّل – الجزء الثاني: يحتوي على كلِّ الصَّلوات للأشهر كانون الأوّل - كانون الثاني وشباط حتى بداية مرحلة الصَّوم.
المجلَّد الثاني – الجزء الأوَّل: يحتوي على كلِّ الكتب لإقامة الصَّلوات كاملة على مدى مرحلة الصَّوم الكبير المقدَّس، ويغطِّي الأشهر كانون الثاني – شباط – آذار – نيسان.
المجلَّد الثاني – الجزء الثاني: يحتوي على خدمة الأسبوع العظيم المقدَّس.
المجلَّد الثالث: ويحتوي على الصَّلوات على مدى مرحلة زمن الفصح المبارك، وعلى خدمة الأشهر أواخر آذار – نيسان – أيّار – حزيران.
المجلَّد الرَّابع: ويحتوي على الصَّلوات كلِّها للأشهر أيّار – حزيران – تمُّوز – آب.
وهكذا توفَّرت الكتب الطَّقسيَّة لدى جميع الأساقفة والكهنة والرُّهبان والرَّاهبات والمكرَّسين والمكرَّسات والأتقياء من جميع الرَّعايا. وقد ظهرت الكتب بحجمَين: كبير للصَّلاة في الكنائس، وصغير للاستعمال الفردي. وقد جاء في المرسوم البطريركي الذي صدَّر به هذه الكتب سلفنا المثلَّث الرَّحمة البطريرك مكسيموس الخامس حكيم هذه الأمنية: "لنا الأمل الوطيد أن تُسهِمَ هذه الكتب، بحلَّتها الجديدة، في إحياء تراثنا اللِّيترجيِّ العريق، وتفهّمٍ أعمق للرُّوحانيَّة الشَّرقيَّة".
إيضاح : في الحسابَين اليولي والغريغوري، أو الشَّرقي والغربي
ننشر لفائدة المؤمنين هذا الشرح حول تاريخ عيد الفصح المجيد.
السَّنة الشمسيَّة، أو السَّنة الفلكيَّة، هي المدَّة التي تقضيها الشمس في مسارها من نقطة الاعتدال الرَّبيعي حتى رجوعها إلى النُّقطة ذاتها. وتستغرق هذه الدَّورة بالضَّبط 365 يومًا و5ساعات و48 دقيقة ونحو 46 ثانية.
فالمصريُّون كانوا قديمًا يحسبون سنتهم 360 يومًا لا غير. فكان الاعتدال الرَّبيعي والحالة هذه يتأخَّر سنويًّا عن ميعاده الفلكي نحو خمسة أيّام وربع، بحيث كان الرَّبيع ينتقل تدريجيًّا إلى جميع فصول السَّنة على نحو ما يجري اليوم في الحساب الهجري. فأصلحوا هذا الخطأ بعض الإصلاح إذ جعلوا السَّنة 365 يومًا.
وفي عهد الامبراطور الرُّوماني يوليوس قيصر (الذي توفِّي سنة 44 قبل المسيح) وبطلب منه، أصلح هذا الحساب الفلكي الاسكندري سوسيجنيس. فزاد على كلِّ سنة ست ساعات. ومن هذه الزيادة يتألَّف كلّ أربع سنوات يومٌ كامل يُضاف إلى آخر شباط. فيكون لشباط إذ ذاك 29 يومًا وتسمَّى السَّنة"كبيسًا" (أي تُكبَس إذ يُضاف إليها يوم). وهذا الحساب الذي لا يزال قسمٌ من الكنيسة الشرقيَّة يسمِّيه الحساب اليولي نسبةً إلى يوليوس قيصر. يُعرَف أيضًا بالحساب الشرقي.
فالحساب اليولي يعتبر السَّنة مؤلَّفة من 365 يومًا و6 ساعات. فهو يزيد إذًا على السَّنة الحقيقيَّة الفلكيَّة 11 دقيقة و14 ثانية. ومن هذه الزيادة يتألَّف كلّ مئة سنة 18 ساعة و35 دقيقة. وفي كلّ ألف سنةٍ يصل الفرق إلى 7 أيّام و17 ساعة و50 دقيقة.
في سنة 1582 كان الفرق بين السَّنة الفلكيَّة الحقيقيَّة والحساب اليولي (الشَّرقي) عشرة أيَّام. فأصلح هذا الخطأ البابا غريغوريوس الثالث عشر، إذ أمر بأن يُنتقل من الرَّابع من تشرين الأوَّل إلى الخامس عشر منه. فاليوم الخامس من تشرين الأوَّل عُدَّ الخامس عشر منه. وأمر بإضافة يوم كامل كلّ أربع سنوات، (السَّنة الكبيس). وكلّ 400 سنة تُحسَب السِّنون القرنيَّة الثلاث الأولى غير كبيس والرَّابعة كبيسًا. وعليه، كانت سنة 1700 و1800 و1900 غير كبيس وسنة 2000 تكون كبيسًا.
ومع هذا الإصلاح يبقى فرقٌ من نحو 24 ثانية كلّ سنة بين السَّنة الفلكية والسَّنة الغريغورية، بحيث يتألَّف من مجموع تلك الثواني يوم كامل كلّ 3500 سنة.
أمَّا الحساب اليولي (الشَّرقي) فمن سنة 1582 إلى اليوم تقهقر ثلاثة أيّام أخرى. فزاد يومًا سنة 1700، ويومًا سنة 1800، ويومًا آخر سنة 1900. ولذا فالفرق بين الحسابَين حاليًّا (1997) هو 13 يومًا.
بدأت كنيستنا المَلَكيَّة الكاثوليكيَّة تسير على الحساب المصلَح، المعروف بالحساب الغريغوري (الغربي)، منذ سنة 1858، في عهد المثلَّث الرَّحمة البطريرك إكليمَنضوس بحّوث. وقد أخذ يتبع تدريجيًّا الحساب الغريغوري القسم الأكبر من ذوي الطَّقس اليوناني البيزنطي.
ما سبب الفرق في تاريخ عيد الفصح بين الحسابَين؟
يُجيب على هذا السُّؤال السَّيِّد بطرس سولوجوب، وهو مهندس أرثوذكسي مقيم في باريس وأحد المسؤولين عن الأخُوَّة الأرثوذكسيَّة في فرنسا وأمين صندوقها:
إلتأم المجمع المسكوني الأوّل في نيقية في عام 325 ليحدِّد خصوصًا موقف الإيمان القويم من الآريوسيَّة. لكنَّه بحث أيضًا قضيَّة تاريخ عيد الفصح المختلَف عليه. فقرّر أن يحتفل جميع المسيحيِّين في المشرق والمغرب بقيامة الرَّبِّ يسوع في يومٍ واحد، هو الأحد الأوَّل بعد البدر الذي يلي اعتدال الرَّبيع (21 آذار). ولهذا القرار مغزى عميق لعلاقته بتاريخ الفصح العبريّ، وبالتالي موت السَّيِّد المسيح وقيامته.
إعتمد آباء المجمع الجداول الفصحيَّة المبنيَّة على التَّقويم اليولي والمعلومات الفلكيَّة القديمة التي كانت معروفة آنذاك، لا سيَّما الدَّورة الفلكيَّة للفلكي الأثيني مِتون (القرن الخامس قبل الميلاد). وكان هذا الفلكي قد ?ستخلص أنّ في كلّ تسع عشرة سنة 135 دورة قمريَّة، وأنّ القمر، بعد ?نقضاء هذه الحقبة يعود إلى الظُّهور في التاريخ نفسه.
على هذه القاعدة، وبموجب قرار مجمع نيقية جَرَت الكنيسة الأرثوذكسيَّة حتى اليوم. ولكن في القاعدة سبَبَين للخطأ:
التقويم اليولي، أساس تحديد تاريخ الفصح، ينقص يومًا كاملاً كلّ قرن، فلا يطابق على مرِّ الأجيال، الحسابات الفلكيَّة. ومنذ ذلك الزَّمان (325) نقص الحساب ثلاثة عشر يومًا. فلم يعد ?عتدال الرَّبيع يقع في 21 آذار.
في دورة الفلكي مِتون خطأ، وبالتالي فإنَّ البدر المعيَّن في جداول الفصح التي تستند إلى هذه الدَّورة يتأخّر أربعة أو خمسة أيّام عن الحساب الحقيقي.
في عام 1582 صحَّح التقويم الغريغوري هذه الأخطاء لكي يبقى أمينًا لقرار مجمع نيقية. إذًا الحسابان اليولي والغريغوري حريصان على التقيُّّد بقرار مجمع نيقية. والخلاف بينهما يعود إلى طريقة حساب تاريخ بدر الرَّبيع.
فيما يلي مثال على الاختلاف في تاريخ عيد الفصح بين الشَّرق والغرب:
إذا وقع بدر الرَّبيع في 2 نيسان يتوحَّد تاريخ القيامة لدى جميع المسيحيِّين، إلاَّ إذا كان ثمَّة خطأ (وهذا يحدث أحيانًا) في تحديد بدر الرَّبيع بموجب مِتون، وبالتالي يتأخَّر عيد القيامة الأرثوذكسي أسبوعًا كاملاً (9 نيسان).
أمَّا إذا وقع قبل 2 نيسان فيجب على الكنيسة الأرثوذكسيَّة أن تنتظر بدر الرَّبيع اليولي اللاحق أي أربعة أسابيع، وربما زيد عليها أسبوع خامس حسب تقويم مِتون.
هذا ما جرى في العام 1983. حلَّ بدر الرَّبيع يوم الاثنين 28 آذار وكان الأحد الذي يليه يقع في 3 نيسان، فعيّد المسيحيُّون، غير الأرثوذكس، القيامة المقدَّسة. وبما أن 28 آذار ليس بدء الرَّبيع حسب التَّقويم اليولي، تأخَّر بدر الرَّبيع الأرثوذكسي شهرًا كاملاً، إلى 27 نيسان. فكان على الأرثوذكس أن يعيّدوا الفصح في 1 أيّار، وهو الأحد الأوّل بعد بدر الربيع. إلاّ أنّهم ?ضطُروا إلى التأجيل أسبوعًا آخر أي 8 أيّار، مراعاةً للجداول الفصحيَّة القائمة على دورة مِتون.
أُجريَت دراسات إضافيَّة في هذا الموضوع في المؤتمرَين التحضيريَّين الأرثوذكسيَين للمجمع الأرثوذكسي العام في شامبيزي (جنيف) في عامَي 1977 و1982. فجاءت نتيجة الأبحاث تؤكِّد خطأ التَّقويم الأرثوذكسي وضرورة تصحيحه ب?تباع التَّقويم الغريغوري أو سواه. لكن لم يُتَّخذ أي قرار حاسم لأسباب رعويَّة لا مجال لذكرها، أهمُّها أنّ المؤمنين الأرثوذكسيِّين غير مهيَّئين لذلك. وأنَّ أي تعديل لقرارات المجامع المسكونيَّة يجب أن يصدر من مجمع مسكوني.
هذا الوضع هو سبب إزعاج كبير في الحياة العمليَّة: برامج المدارس والتجارة والفرص الرَّسميَّة وسواها والسَّفر وبرامج الطيران ومواسم السِّياحة... كما أنَّه سبب ألم في قلوب المؤمنين الذين يرغبون أن يعبِّروا عن شوقهم الكبير إلى وحدة المسيحيِّين من خلال هذا الاحتفال السَّنوي المشترك بأكبر أعياد المسيحيَّة، بالعيد الكبير عيد الفصح والقيامة المجيدة.
توحيد العيد في الوثائق الكنسيَّة
عالج المجمع الفاتيكاني الثاني موضوع تاريخ الفصح في وثيقتَين:
في الوثيقة حول اللِّيترجيا المقدَّسة (1963) في الفصل الملحق لهذه الوثيقة، ويعالج قضيَّة تثبيت عيد الفصح. وهذا نصُّه:
"إنَّ المجمع المسكوني الفاتيكاني الثَّاني المقدَّس، إذ يُقدِّر الأهميَّة الكبرى التي تنطوي عليها رغبات الكثيرين في أن يُعيَّن عيد الفصح في أحدٍ محدَّد، ويُثبَّت التقويم، وبعد البحث الدقيق في ما يمكن أن يَنتج عن إدخال تقويم جديد، أقرّ ما يلي:
المجمع المقدَّس لا يُعارِض أن يُعيَّن عيد الفصح في أحدٍ محدَّد في التقويم الغريغوري، على أن يوافق على ذلك من يهمُّهم الأمر، ولا سيَّما الإخوة غير المتَّحدين في شركة الكرسي الرَّسولي.
وفضلاً عن ذلك فالمجمع المقدَّس يعلن أنَّه لا يتأبّى الخطط التي تهدف إلى إدخال تقويم دائم في المجتمع المدني.
"وفي الأساليب المختلفة التي تُخيِّلت لوضع تقويم دائم وإدخاله في المجتمع المدني لا تقف الكنيسة موقف رفض إذا كانت الأساليب تحافظ على الأسبوع المؤلَّف من سبعة أيَّام من ضمنها الأحد، ولا تُدخِلُ على الأسبوع أيَّ يومٍ آخر، بحيث يبقى التَّسلسل الأسبوعي سالماً، ما لم يطرأ أسباب خطيرة جدًّا يُترك الحُكم في شأنها للكرسي الرَّسولي".
والوثيقة الثانية هي في المرسوم في الكنائس الشَّرقيَّة (1964) . وفيه يوصي المجمع في الرَّقم 20 بالسَّعي للتعيِّيد معًا لأجل التَّعبير عن وحدة المسيحيِّين. "ويتمنَّى المجمع أن يتَّفق جميع المسيحيِّين على تاريخٍ مشتركٍ واحدٍ للاحتفال بعيد الفصح. وفي ?نتظار ذلك، ورغبةً في توثيقِ عُرى الوحدة بين المسيحيِّين المقيمين في المنطقة الواحدة أو البلد الواحد، يُطلَب إلى البطاركة أو السُّلطات الكنسيَّة العليا المحلِّيَّة أن يتوافقوا، بإجماع الرِّضى وبعد التفاوض مع من يهمُّهم الأمر، على الاحتفال بعيد الفصح في يومٍ واحد، على أن يكون يومَ أحد".
والوثيقة الثَّالثة نجدها في "التَّوجيه الصَّادر عام 1996 من قبل المجمع للكنائس الشَّرقيَّة لأجل تطبيق المبادىء اللِّيترجيَّة الواردة في مجموعة قوانين الكنائس الشَّرقيَّة"، وقد جاء فيها:
"وطالما لم يتوصَّل جميع المسيحيِّين بعدُ إلى الاتفاق المرتجى لتحديد يومٍ واحدٍ للاحتفال المشترك بعيد الفصح، يجب تشجيع الممارسة المألوفة عند بعض الجماعات الكاثوليكيَّة العائشة في بلدانٍ ذات أكثرية أرثوذكسيَّة، بأن يحتفلوا بالفصح في اليوم نفسه مع الأرثوذكس، وفقًا للملحق الوارد في الدُّستور المجمعي (اللِّيترجيا المقدَّسة) وفي الرَّقم 20 من القرار المجمعي (الكنائس الشَّرقيَّة الكاثوليكيَّة). وهذا يسمح للمؤمنين الكاثوليك، ليس فقط بأن يُدلوا بعلامةِ أخوَّة مسكونيّة، بل أيضًا بأن ينخرطوا بتناسقٍ في الحياة المدنيَّة بِتفادي فارقٍ في الوقت خالٍ من أيِّ معنى.
هذا النَّصّ دعوة موجَّهة من قِبَل السُّلطة الكنسيَّة العليا إلى الجميع: بطاركة ومطارنة وكهنة ورعاة ورعيَّة، وإلى جميع المؤمنين لكي يكثِّفوا الجهود في سبيل تحقيق هذه الرَّغبة الشعبيَّة بالاحتفال المشترك بالعيد الكبير. ويدعو الكاثوليك لكي يعيِّدوا على الحساب اليولي في المناطق التي فيها الأكثريَّة هم أرثوذكس. وهذا واقع سوريا وواقع المسيحيِّين في العالم العربي، حيث المسيحيون العرب هم حوالي 15 مليون أكثرهم أقباط أرثوذكس، ويأتي الرُّوم الأرثوذكس، ثمَّ الموارنة ثمَّ الرُّوم الكاثوليك وباقي الطَّوائف (الأرمن، السُّريان، الكاثوليك...)
هذا النَّصّ يتعدَّى منطق المفاضلة "الدِّينيَّة" أو "العقائديَّة" أو " الحسابيَّة" أو "العلميَّة" بين الحسابَين الغريغوري واليولي. في الواقع ليس لهما مؤدَّى لاهوتي: إنَّهما حسابان فلكيَّان أحدهما من أصلٍ رومانيّ وثني وضعه الإمبراطور يوليوس قيصر الذي عاش عام 101- 44 قبل المسيح، وعلى أساسه حدّد المجمع النيقاوي تاريخ عيد الفصح. والثاني هو الحساب اليولي المصحَّح على عهد البابا غريغوريوس الثالث عشر وبأمره (1572-1585).
جهودٌ في سبيل التَّعيِّيدِ معًا
إنَّ تعيِّيدَ الفصحِ معًا كان عبر التاريخ أحد عناصر الوحدة المسيحيَّة. ولكن الوحدة المسيحيَّة قيمة أكثر أهميَّة من ?ختلاف الحسابات الفلكيَّة.
يقول البابا يوحنَّا الثالث والعشرون: "إن ما يجمعنا نحن المسيحيِّين أكثر بكثير ممَّا يُفرِّقنا". وبخاصَّة ما يجمعنا هو قانون الإيمان الواحد الذي يتلوه يوميًّا كلُّ المسيحيِّين شرقًا وغربًا على ?ختلاف وتنوُّع طوائفهم. ولذا فإنَّنا نفرح بكلِّ ما يجمعنا في هذا الإيمان الواحد ونسعى للمزيد من الوحدة. وقد نما الحوار المسكوني بين الكنائس بخاصَّةٍ منذ المجمع الفاتيكاني الثاني لأجل تذليل العقبات التي تحول دون وحدة المسيحيِّين شبه الكاملة. وكلُّنا نعرف أنَّ العقبة الأساسيَّة الكبرى هو مفهوم الوحدة فيما يتعلق بممارسة السُّلطة الكنسيَّة وبنوعٍ خاصّ سلطة بابا روما في التاريخ والحاضر، في الرُّؤيا والعقيدة والممارسة. ولا مجال للتوسُّع في هذا الموضوع.
أمَّا الاحتفال بعيد القيامة المقدَّسة والفصح المجيد فهو شأن حسابي محض، وقد أوضحنا الأمر في الدِّراسة التاريخيَّة أعلاه. ولكنَّه موضوع رغبة شعبيَّة عامَّة.
إنَّ كنيستنا الرُّوميَّة المَلَكيَّة الكاثوليكيَّة كانت مرنة جدًّا في هذا الموضوع. وهذا ما عبّر عنه المثلَّث الرَّحمة البطريرك مكسيموس الرَّابع الصَّائغ في منشوره حول ?تباع الحساب اليولي في مصر عام 1967. وقد جاء فيه: "رأت الكنيسة الكاثوليكيَّة في القطر المصري (?ستنادًا إلى توجُّهات المجمع الفاتيكاني الثاني) أنَّه تقضي المصلحة المسيحيَّة العموميَّة والرَّغبة في ?تحاد الكنائس بأن يتخلّى المسيحيُّون الكاثوليك والإنجيليُّون عن إقامة العيد الكبير بحسب تقويمهم المصحَّح وأن يسيروا مؤقَّتًا في التَّعيِّيد بحسب التقويم القديم الذي تجري عليه الأكثريَّة المسيحيَّة في البلاد (أعني القبطيَّة الأرثوذكسيَّة). فبعد ?ستشارة من رأينا ?ستشارتهم قد أمرنا أن تحتفل طائفتنا في القطر المصري التَّابعة لبطريركيَّتنا الاسكندريَّة بعيد الفصح المجيد وفقًا للتقويم اليولي غير المصحَّح. وذلك ?بتداءً من هذا العام المبارك 1967 إلى أن يتم ?تفاق عام بين كلِّ الكنائس المسيحيَّة". وهكذا وبنفس العقليَّة المنفتحة وافقنا عام 1995 أثناء خدمتنا في القدس كنائب بطريركي على أن يُعيِّد قسمٌ من رعايانا على الحساب اليولي (رام الله ونابلس وسواهما في شمال الضِّفة). بينما رعايانا في بيت لحم وبيت ساحور والقدس بقيت تُعيِّد على الحساب الغريغوري. ولم يُحدِث هذا التدبير أيَّة ?نقسامات في الطَّائفة. والأمر نفسه وافق عليه بطريرك اللاتين ميشال صبّاح والإنجيليُّون والأنكليكان. ولم يُحدِث القرار أي شِقاق بين أبناء الطَّوائف!
أردنا أن نقوم بخطوة مماثلة بعد ?نتخابنا بطريركًا وبمناسبة زيارة المثلَّث الرَّحمة خادم الله البابا يوحنَّا بولس الثاني في سوريا في أيَّار 2001. ذلك أنَّنا وجدنا في أرشيف البطريركيَّة وثائق كثيرة تطالب بالوحدة منذ حوالي 20 سنة قبلنا. لكنَّنا لم نوفَّق في إقناع إخوتنا الأساقفة الأحبَّاء من باقي الطوائف الكاثوليكيَّة بضرورة الموافقة وأخذ قرار مشترك، لكي نفرِّح قلوب أبنائنا وبناتنا التَّائقين بشوقٍ كبير إلى توحيد العيد.
وهذا سبَّب خيبة أملٍ كبرى عند معظم رعايانا في كلِّ سوريا ومن جميع الطَّوائف الكاثوليكيَّة.
وقد قام المؤمنون جماعاتٍ وأفرادًا بخطوات كثيرة لدى رؤساء الكنائس. وعبَّر الشباب بخاصَّة عن رغبتهم القويَّة بتوحيد العيد. وتُقام ندوات وصلوات كثيرة لأجل تحقيق هذه الرَّغبة الشَّعبيَّة. ولكنَّنا لا نفقد الأمل!
نداءٌ للتَّعيِّيد معًا
وقد كتبنا رسالة إلى أصحاب الغبطة والمطارنة في كانون الثاني (يناير) عام 2005 بمناسبة أسبوع الصَّلاة لأجل وحدة المسيحيِّين، نقتطف منها هذه المقاطع: "في كلِّ محاولات توحيد العيد في مصر والأردن وفلسطين، كانت المرونة القاعدة الذَّهبيَّة. والهدف هو أن نُعيِّد معًا ولو على مراحل. ?نطلاقًا من هذه المعطيات أُطلق ندائي مجدَّدًا إلى إخوتي أصحاب الغبطة البطاركة، وأصحاب السِّيادة المطارنة في لبنان وسوريا، مُناشدًا إيَّاهم أن يستجيبوا لنداء المؤمنين الملحّ والمتكرِّر. إنَّهم في أكثريَّتهم السَّاحقة يُطالبوننا بأن نُعيِّد معًا. لأنَّ العيد المشترك هو بالنِّسبة إليهم رمزٌ وتعبيرٌ لوحدتهم المسيحيَّة ولحضورهم المسيحي ولشهادتهم المسيحيَّة في مجتمعهم. وكلُّنا سمعنا هذه النداءات، وكلُّنا نعرف شغف مؤمنينا أن يرَوا تحقيق أمنيتهم الغالية أن يُعيِّدوا معًا عيدهم الكبير الواحد أمام مواطنيهم الآخرين".
"هل يجوز أن نُصِمَّ آذاننا عن سماع أصوات أبنائنا وبناتنا؟ وهلاّ سمعنا نداء المجمع الفاتيكاني الثاني ونداء المجمع للكنائس الشَّرقيَّة الواضح في الوثائق المذكورة؟ وبهذا المعنى تكلَّم مرارًا نيافة الكاردينال كاسبر رئيس المجلس الحبري لوحدة المسيحيِّين. وهل ننسى صوت قداسة البابا يوحنَّا بولس الثاني يتكلَّم مرارًا عن أهميَّة التَّعيِّيد معًا خاصَّة في منطقتنا؟".
"وإنَّني أعتقد أنَّ قرارًا بالتَّعيِّيد معًا في سوريا ولبنان يخدم قضيَّة حضورنا وشهادتنا المسيحيَّة، خاصَّة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، وعلى أثر ما يراد من صراع بين المسيحيَّة والإسلام. اليوم أكثر من أيِّ يومٍ مضى نحتاج إلى علامات الأزمنة، إلى مبادرات صارخة يشتاق إليها شعبنا المتعطِّش إلى الوحدة المسيحيَّة، وإلى التَّقدُّم في سبيلها مهما كانت الخطوات صغيرة أو كبيرة".
"لا بل إنَّني أُناشد إخوتي ب?سم المسيح، أن نحترم حرِّيَّة بعضنا البعض. وإذا أرادت كنيسة أن تقوم بهذه الخطوة وحدها، فلا يجب أن يعتبر ذلك شرخًا في الصَّفِّ الكاثوليكي أو على المستوى العالمي".
هذا مع العلم أنَّ منطق المؤمنين هو: "من الأفضل أن أُعيِّد مع جاري القريب ولو ?ختلفت مع أبناء طائفتي نفسها في مناطق أخرى". جارك القريب ولا أخوك البعيد! هذا هو منطق الشَّعب! وصوت الشَّعب هو صوت الله.
هذا هو واقع كنيستنا الرُّوميَّة المَلَكيَّة الكاثوليكيَّة المنفتحة! فالعيد في كنيستنا هو على الحساب اليولي في مصر والأردن وجزء من فلسطين، وعلى الحساب الغريغوري في لبنان وسوريا! ولا أحد يشعر بالحرَج!
سعيٌ كنسيٌّ مشترك لأجل عيدِ فصحٍ واحدٍ ثابتٍ ومشترك
أُلخِّص موضوع التَّعيِّيد معًا بهذه النُّقاط حول تاريخ عيد الفصح الذي شغل ولا يزال يشغل حيِّزًا كبيرًا في تاريخ الكنيسة شرقًا وغربًا.
حُدِّد تاريخ عيد الفصح في المجمع المسكوني في نيقية على أساس الحساب الفلكي اليولي، ودُعيَ الحساب اليولي. يسمّى اليوم في الشَّرق "الحساب الشَّرقي" وفي أوروبا "الحساب القديم".
صحّح التاريخ اليولي البابا غريغوريوس الثالث عشر، فدُعيَ الحساب الغريغوري ويسمّى عندنا الغربي.
سار على الحساب الغريغوري الغرب عمومًا وبالتحديد الكنيسة الكاثوليكيَّة والإنكليزيَّة والبروتستانت. ولاحقًا أيضًا عموم الكنائس الكاثوليكيَّة الشَّرقيَّة.
سار على الحساب الغريغوري أيضًا مجموعة كبيرة من الكنائس الأرثوذكسيَّة.
الكنائس الأرثوذكسيَّة في الشَّرق الأوسط تسير على الحساب الغريغوري (ما عدا بطريركيَّة القدس في فلسطين والأردن) إلاّ في ما يتعلّق بتاريخ الفصح، فهي تسير على الحساب اليولي.
المجمع الفاتيكاني الثاني عرض اقتراحَين بشأن تاريخ الفصح.
الأوَّل: العمل معًا شرقًا وغربًا على المستوى المدني العالمي لأجل تثبيت تاريخ عيد الفصح بحيث يقع يوم الأحد بين 9 و15 نيسان. واضعًا جانبًا النِّقاش حول الحسابَين اليولي والغريغوري.
الثاني: دعا المجمع ومجمع الكنائس الشَّرقيَّة الكاثوليكيَّة إلى العمل على ?عتماد الحساب اليولي حيث أكثريَّة المسيحيِّين أرثوذكس. وهذا يُعتبر حلاًّ جميلاً مؤقَّتًا سَعيًا وراء مزيد من الوحدة بين المسيحيِّين. وقد تحقق هذا المطلب في مصر (1971) والأردن (1972) وبعض مناطق فلسطين وفي بعض رعايا وقرى في لبنان وسوريا.
الحلّ الأمثل والأكمل هو أن يعمل الشَّرق والغرب معًا، وبخاصّة الكنيسة الكاثوليكيَّة الرُّومانيَّة والكنائس الأرثوذكسيَّة اليونانيَّة البيزنطيَّة. فتسعى معًا ل?عتماد تاريخ واحد ثابت للعيد يقع يوم الأحد بين 9 و15 نيسان. بالأسف توقَّفت الجهود في سبيل تحقيق هذا الحل الأمثل الذي يرضي الجميع.
من جهتي سأكون رسولاً لوحدة العيد، وسأقدِّم هذه الرِّسالة والدِّراسة إلى السِّينودس الخاصّ بالشَّرق الأوسط، داعيًا قداسة البابا وآباء السِّينودس الشَّرقيِّين والغربيِّين لكي يتبنَّوا توصية بإعادة طرح التاريخ الواحد والثابت والمشترك لعيد الفصح.
كما أنَّني سأقترح أن يتبنَّى السِّينودس المذكور توصية بِحثِّ المسيحيِّين رعاة ومؤمنين خاصَّةً في لبنان وسوريا على ?عتماد الحساب اليولي لعيد الفصح ب?عتبار ذلك حلاًّ راعويًّا مؤقَّتًا ب?نتظار الحلّ النِّهائي. وذلك لأجل تحقيق غاية السِّينودس وشعاره: شركة وشهادة!
كما أنَّني سأتَّصل بكنائس كثيرة أرثوذكسيَّة وكاثوليكيَّة وغيرها في كلِّ العالم، طالبًا بإلحاحٍ وتواضعٍ وثقة أن يعملوا لأجل تحقيق هذه الغاية المقدَّسة.
أدعو المؤمنين جميعًا وإلى محبِّي الوحدة المسيحيَّة أن يساندوا هذه الجهود بالصَّلاة والمساعي الحثيثة. ومريم أمَّنا جميعًا، سيِّدة الوحدة، ستبارك جهود جميع أبنائها من كلِّ الطَّوائف والكنائس حتى تتحقَّق صلاة يسوع "أن يكونوا واحدًا".
دعوةٌ إلى الوحدة
مهما كان من شأن العيد المشترك والتَّعيِّيد معًا على حساب واحد، فالأهمّ هو الوحدة المسيحيَّة. ولهذا أدعو جميع المؤمنين من أبناء وبنات أبرشيَّاتنا وبخاصَّة الشباب مستقبل الأوطان والكنيسة، وجميع المؤمنين المسيحيِّين الذين يُعيِّدون هذا العام معًا عيد الفصح المجيد، وقيامة ربِّنا وإلهنا ومخلِّصنا يسوع المسيح، أدعوهم إلى الوحدة والتَّلاحم والمحبَّة والأُلفة بين العائلات، وأبناء الحي الواحد، والبلدة الواحدة والرَّعيَّة الواحدة. أدعوهم جميعًا الكبار والصِّغار والرِّجال والنِّساء والفقراء والأغنياء وبخاصَّة الشباب، إلى الثَّبات في إيمانهم المقدَّس، وإلى المحافظة على هويتهم الرُّوحيَّة الإيمانيَّة، وإلى الانتماء الكنسي، وإلى مزيد من الشركة والشراكة والتضامن والتعاون، والاعتزاز بإيمانهم، والجهار به بتواضعٍ وإباء. ولكي يسيروا معًا (وليس فقط أن يُعيِّدوا معًا) مسيرة الإيمان المقدَّس بالرَّغم من التحدِّيات والصُّعوبات والآلام والمضايقات والعقبات. ولكي يشهدوا معًا لإيمانهم الجميل وقيَم الإنجيل المقدَّس، ولمحبَّتهم للسَّيِّد المسيح الحي في قلوبهم وضمائرهم وحياتهم، في سِرِّهم وجَهْرِهم. وهكذا يكونون في مجتمعاتهم وأوطانهم العربيَّة وفي كلِّ مكان، وفي كلِّ ميادين الحياة الاجتماعيَّة والإيمانيَّة والثقافيَّة والصِّحيَّة والسِّياسيَّة، يكونون كما علَّمهم السَّيِّد المسيح وأمرهم وأوصاهم، ملحًا ونورًا وخميرةً جيِّدةً تُخمِّر الخمير كلَّه، والمجتمع كلَّه.
إلى هذا يدعونا السِّينودس أو المجمع الخاصّ بكنائسنا خاصَّةً الكاثوليكيَّة في الشَّرق الأوسط الذي سينعقد في تشرين الأوَّل 2010. وأظنّ إذا خرج هذا المجمع بقرار التَّعيِّيد معًا، فسيكون هذا القرار من أهمِّ ما ينتظره المؤمنون!
بولس يدعونا إلى الوحدة
إلى هذه الوحدة الحقيقيَّة التي تتجلَّى في العيد المشترك، وفي قيَم إيماننا المقدَّس، يدعونا بولس الرَّسول العظيم، ويشرح لنا أسمى معاني الوحدة مع الله، ومع البشر، وأبلغ تجليَّات الوحدة بين البشر. إنَّها وحدة الله ووحدة البشر فيما بينهم ومع الله. إنَّها الوحدة البشريَّة والإلهيَّة والكونيَّة والإنسانيَّة. وهي الكفيلة بأن تقود البشريَّة كلَّها، والدُّول والشُّعوب والأمم إلى مسيرة روحيَّة إيمانيَّة مشتركة، تضمُّ جميع المؤمنين المسيحيِّين فيما بينهم، والمسيحيِّين والمسلمين في هذه الأوطان العربيَّة، لكي يحقِّقوا معًا متضامنين متحابِّين مقاصد الله عليهم، والمزيد من الرُّقيّ والازدهار والرَّفاه والأمن والأمان. ومعًا يبنون في أرض البشر، في أوطانهم حضارة الله، حضارة المحبَّة والسَّلام.
ولنستمع إلى أقوال بولس يدعونا إلى الوحدة التي هي أسمى معاني القيامة والحياة.
" أُحرِّضكم أنا الأسير بالرَّبّ، أن تسلكوا مسلكًا يليق بالدَّعوة التي دُعيتُم إليها. بكلِّ تواضعٍ ووداعةٍ وصبر. إحتملوا بعضكم بعضًا بمحبَّة. إجتهدوا في حفظ وحدة الرُّوح برباط السَّلام. فإنَّ الجسد واحد، والرُّوح واحد، كما أنَّكم بدعوتكم قد دُعيتُم إلى الرَّجاء الواحد. إنَّ الرَّبَّ واحد. والإيمان واحد. والمعموديَّة واحدة. والإله واحد. والآب واحد للجميع وفوق الجميع. وخلال الجميع وفي الجميع" (أفسس 4: 1-6)، "وهكذا نصل وننتهي جميعًا إلى الوحدة في الإيمان. وإلى معرفة ?بن الله. إلى حالة الإنسان البالغ. إلى مِلْءِ ?كتمال المسيح" (أفسس 13:4)، "و?سلكوا في المحبَّة على مثال السَّيِّد المسيح الذي أحبَّكم" (أفسس 2:5) وهذه العبارة الأخيرة هي شعارنا الكهنوتي والأسقفي والبطريركي. (للمزيد يمكن قراءة الفصلَين 12 و13 من رسالة القدِّيس بولس إلى الكورنثيِّين حول وحدة المواهب الرُّوحيَّة، ووحدة الجسد والكنيسة، وصِفات المحبَّة قمَّة معاني الوحدة).
معايدة
بهذه التأمُّلات الرُّوحيَّة، وبآمال القيامة وبأشواق الوحدة وحرارة المحبَّة وفرح القيامة المجيدة والعيد الكبير المشترك، نتوجَّه إلى إخوتنا الأساقفة وإلى أحبائنا الكهنة وهم المؤتمنون على وديعة "الوحدة في الإيمان" في رعاياهم وبخاصَّة في عام الكاهن. كما نتوجَّه إلى جميع أبناء وبنات أبرشيَّاتنا ورعايانا في البلاد العربيَّة المحبوبة وفي العالم أجمع، وبخاصَّة في أبرشيَّاتنا في البرازيل وفنزويلا والأرجنتين الذين سنزورهم في آب المقبل.
كما نتوجَّه إلى العائلات وإلى الشباب موضوع محبَّتنا المميَّزة. ونتوجَّه إلى جميع المسيحيِّين المعيِّدين هذا العيد معًا، وإلى جميع المواطنين، وإلى المسلمين الذين يشهدون على وحدة عيدنا، نتوجَّه إليهم وإليكم جميعًا أيُّها الأحبَّاء، أنتم قُرَّاء وقارئات هذه الرِّسالة، بأسمى عواطف ومشاعر المحبَّة والمودَّة وأماني العيد.
ولتَسِرْ شعوبُنا في مشرقنا العربيّ معًا، مسيحيِّين من كلِّ الطوائف ومسلمين، مسيرة الإيمان والرَّجاء والمحبَّة والتَّضامن والتَّراحم والوحدة، مسيرة الازدهار ومسيرة السَّلام، وهو الخير الأكبر لشعوبنا وبخاصّة لأجيالنا الشَّابَّة. ومعًا نُنشدْ بقلبٍ واحد، ونغمٍ جميلٍ حماسيٍّ واحد، وإيمانٍ جبَّارٍ واحد، و?نتماءٍ كنسيٍّ ثابت، وفرحةِ قلوبنا ونفوسنا وبكلِّ مشاعرنا:
المسيح قام! حقًّا قام!
وكلَّ عامٍ وأنتم بخير!
+غريغوريوس الثَّالث
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والاسكندريَّة وأورشليم
للرُّوم المَلَكيِّين الكاثوليك
في 30 آذار 2010