"مبارك الآتي باسم الربّ ملكنا"
(يو12: 13)
نحتفل اليوم بعيد الشعانين، وهو عيد ملوكيّة الربّ يسوع، وعيد مشاركتِنا في ملوكيّته التي نلناها بالمعموديةِ والميرون. وهو أيضاً عيدُ الأطفال والشباب الذين ما زالوا يعلنون ملوكيةَ المسيح، كما فعل شبابُ أورشليم وأطفالُها يوم دخولِ يسوع إليها. فصاحوا بهتافٍ عفويٍّ نبويّ: "هوشعنا! مبارك الآتي باسم الربّ، ملكنُا"(يو12: 13
حمل الصغارُ والكبارُ أغصانَ النخل والزيتون التي ترمز إلى الملوكيّة والسّلام، وفرشوا أرديتَهم على الأرض كإقرارٍ بملوكيّة يسوع. وها نحن اليوم في هذا الاحتفال الذي نُنهيه بتطواف، مع الأطفال والشبيبة والكبار، ويذكّرنا بشعانين أورشليم، نعلنُ إيمانَنا بملوكية يسوع القائمة على التواضع والسلام وانتزاع الخوف من القلوب، والانتصارِ على الخطيئةِ والشرّ، والتحرير من الظّلمِ والاستبداد
يسعدنا أن يشارك معنا في هذا الاحتفال نيافة الكردينال Peter Turkson، رئيس أساقفة المجلس الحبري "عدالة وسلام" الذي يشارك في "مؤتمر بيروت: إقتصاد لخدمة الإنسان". ينظّم هذا المؤتمر ويدعو إليه كلٌّ من الاتّحاد العالمي لأرباب العمل المسيحيين والملتقى الإسلامي المسيحي لرجال الأعمال في لبنان. ندعو لنيافة الكردينال Turkson طيب الإقامة والمشاركة، وللمؤتمر النجاح وبلوغ أهدافه القيّمة على المستوى الاقتصادي. كما نرحّب بسيادة السفير البابوي المطران Gabriele Caccia الذي يشاركنا في الاحتفال بالعيد
في مستهلّ هذا الاحتفال، نرفع صلاة الشكر لله على استجابته لصلاتنا ولصلاة الكنيسة، وعلى إرساله راعياً جديداً للكنيسة الجامعة، هو قداسة البابا فرنسيس، فإنّنا نعرب معكم عن تهانينا لقداسته، ونصلّي من أجله لكي يعضده الله بنعمه وبأنوار روحه القدوس في قيادة الكنيسة، عبر الظروف العالمية الصعبة. إنّ أجلّ تهنئةٍ نقدّمها له هي التزامنا بما دعانا إليه في كلماته الأولى: السير معاً، والالتزام ببناء الكنيسة، وإعلان سرّ المسيح المصلوب والقائم من الموت، وجعله محورَ حياتنا وأعمالنا. وباتّخاذه اسم فرنسيس، أراد أن يكون سعيه وسعي كلّ مسيحي ومسيحية العمل من أجل السلام، والأخوّة الشاملة والاعتناء بالفقراء، والاتصاف بالتواضع وروح التجرّد وبساطة العيش
كما وإنّنا نرفع صلاة الشكر لله لمرور سنتَين على خدمتي البطريركيّة بمؤازرة إخواني السادة المطارنة وكلِّ أبناء كنيستنا المارونية، إكليروسًا وعلمانيين. وفيما نبدأ غدًا، بنعمة الله، السنة الثالثة، يسعدني أن أقدّم للكنيسة رسالتي الراعوية الثانية بعنوان: إيمان وشهادة
إنّنا نُهنّئ أطفالَنا وشبابَنا بعيدهم. ونقول لكم أيّها الأحبّاء: إن المسيح أظهر دائماً حبَّه لكم، لنقاوة قلوبكم وأفكارِكم، ولأنّ عمرَكم هو العمرُ الذي تنمون فيه مثله، بالقامة والنعمة والحكمة. ونعربُ عن تقديرِنا لكلّ الذين يعتنون بتربيتكم وتثقيفِكم إنسانيّاً وعلميّاً واجتماعيّاً وروحيّاً، في العائلة والمدرسة والجامعة والرعيّة. سبِّحوا الربَّ يسوع من كلّ قلوبكم، واسألوه أن يوجِّهَ خطاكم على دروب الحياة. إحفظوا وصاياه وتعليمَه، فإنّها ترسم طريقَكم إلى الحياة، وتوفّرُ لكم السعادةَ وتحقيقَ ذواتكم ومشاريعَ حياتكم
ونصلِّي من أجل عائلاتنا المسيحية لتكون حقّاً المكانَ الطبيعيَّ لنقلِ الإيمان ونموِّه في الأطفال والشباب، ولتكون المدرسةَ الأولى لتعليم القِيَم الروحية والأخلاقية. أيّها الوالدون الاحباء لقد أسند اللهُ إليكم مَهمّةَ تربية أولادكم على الإيمان والقيم، من بعد أن أشرككم بأبوّته وأمومته وأعطاكم سلطانَ نقلِ الحياة، كبركةٍ للحبّ الذي يجمعكم وتوطيداً له وإسعاداً لحياتكم. فالأولادُ بهجةُ العائلة والمجتمع. إنّنا ندرك معكم أنّ التربية في العائلة صعبةٌ اليومَ بسبب الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية عندنا وفي المنطقة، وبسبب البرامج الهدّامة التي تبثّها بعض التِّقنيّات الإعلاميّة، والانحرافات الأخلاقيّة التي تجتاح مجتمعنا. لكنْ ثقوا أنّ الكنيسة معكم وإننا نساندكم في مَهمّتكم التربوية الخطيرة مع أساقفتنا وكهنتنا ورهباننا وراهباتنا ومؤسّساتنا التربوية
لقد أشركنا المسيح الربّ بملوكيّته، بالمعمودية والميرون. فاصبحت رسالتُنا كمسيحيّين إلتزاماً بالتّحرير من كلِّ ظلم واستبداد واستضعاف، وعملاً على خلاص الانسان من كلِّ ما يُعيق نموَّه وتحقيق ذاته: الخلاص الرّوحي من الخطيئة والشرّ؛ والخلاص الاقتصادي والاجتماعي من الفقر والحرمان والتهميش والإهمال؛ والخلاص التربوي من الجهل والأميّة، ومن الفلتان والانحطاط الاخلاقي؛ والخلاص السياسي من الظلم والقهر والاحتلال والحرمان من الحقوق الاساسية، وفي طليعتها الحريات العامة والكرامة الشخصية؛ والخلاص الأمني من العنف والحرب والارهاب
مشاركتنا في ملوكيّة المسيح تقتضي منّا التحلّي بالتواضع والوداعة والبساطة في المسلك ونمط العيش. ما يجعلنا نحترم الآخر ايّاً كان، ونقدّر حياته وأعماله، ونبادره بالخير، في كلّ ظروف الحياة. كما تقتضي الالتزام باحلال السلام، وبنائه كلَّ يوم على أسسه الأربعة: الحقيقة والمحبة والحرية والعدالة
لم يأتِ المسيح ليبني مملكة سياسيّة زمنيّة، خلافاً لانتظارات الشعب، بل جاء ليبني ملكوت الله، المعروف أيضاً بملكوت المسيح،المتمثِّل بالكنيسة، وهو سرّ الشَّركة ببعدَيها: الاتحاد بالله ووحدة الجنس البشري. لا تختلط الكنيسة بالدولة أو بالسلطة السياسية، بل تتمايزان وتنعمان بالاستقلالية الواحدة عن الأخرى. غير أنّهما مدعوّتان للتعاون من أجل الخير العام، وللتفاهم على المبادئ التي تلهم العمل لخير المواطن وكرامته وحقوقه ومصيره، ولتعزيز العدالة الاجتماعية والمساواة في المجتمع، ولحماية الوطن في وحدته وشرفه وسيادة أرضه وقراره
وفيما الكنيسة تحترم الدولة وأنظمتها وبرامجها السياسية، فانها لا تتدخّل في شؤونها. غير انها تنظر الى نتائج هذه الانظمة والبرامجمن الناحية الدينية والخلقية. فتعرب عن استيائها عندما تُنتهك حرمة الانسان والقواعد الدينية والخلقية، وتتّخذ موقف الاعتراض والدفاع. فمن واجب الدولة، ايًا كان لونها ونظامها، أن تستلهم القيم الروحيّة والاخلاقيّة في اداء واجبها وممارسة سلطتها. ولذلك يبقى من حقِّ الكنيسة أن تحكم في صلاح الافعال البشرية وشرّها من حيث تقييم هذه الافعال في ضوء الشريعة الإلهية والأخلاقية. إنّها تعطي "حكمها الادبي" في جميع الشؤون، بما فيها الشأن الزمني، عندما تقتضي ذلك حقوق الشخص البشري الأساسية وخلاص النفوس. فلا يحقّ لها أن تصمت عن المظالم، بل عليها أن تتسلّح بالجرأة، وتعطي صوتًا لمن لا صوت له. ولا يستطيع أحد أن يوقفها عن ذلك
وعلى الكنيسة أن توجّه الضمائر وتنيرها بالمبادئ الروحية والاخلاقية والانسانية، من دون أن تحكم في فائدة هذه السياسة أو غيرها، بحيث يتصرّف العلمانيّون في الشؤون الزمنيّة على ضوء ضميرهم المستنير. إنها ترضى بكلِّ اداء ونظام يضمن للإنسان حقوقه وخيره واستقراره وكرامته، من دون أن تعتنق أيّ نظام سياسي خاصّ، أو تتلوّن بهذا أو ذاك من الألوان السياسيّة (شرعة العمل السياسي، ص 12-17
أمّا الآن، في الظرف الحرج الذي يعيشه لبنان، وبخاصّة بعد تقديم رئيس مجلس الوزراء السيد نجيب ميقاتي إستقالته، والأوضاعُ الداخليّة والإقليميّة متوتّرة، فإنّا نناشد، مع الشعب اللبناني وجميعِ المخلصين للبنان، المسؤولين السياسيين تقديرَ خطورة الوضع، والجلوسَ إلى طاولة الحوار بروح المسؤوليّة والضمير الوطني، من أجل تشكيلِ حكومةٍ قادرة يرتاح إليها المواطنون، تعمل بجدّيّة على إقرار قانونٍ جديدٍ للإنتخاب، وإجراءِ الانتخابات النيابيّة في موعدها الدستوري، حمايةً للديموقراطيّة وتداولِ السلطة اللّذَين يميّزان لبنان؛ حكومةٍ تضبط الأمن في الداخل وعلى الحدود، وبالأخصّ مع سوريا، وتدفع بالاقتصاد الوطني إلى الأمام؛ حكومةٍ تعزّز الميثاق الوطني ولا سيّما لجهة حماية لبنان من أن يكون مقرًّا أو ممرًّا للسّلاح إلى أي بلد، ولجهة حفظ حياده الإيجابي، بحيث لا ينخرط في تحالفات عسكرية إقليميّة أو دوليّة، بل يلتزم قضايا السّلام والعدالة وحقوق الشعوب، ونبذَ العنف والإرهاب والحرب. وفي المناسبة ندعو إخوانَنا في طرابلس لإيقاف الإقتتال وللتفاهم والاحترام المتبادل، بعيدًا عن تداعيات الأحداث الجارية في سوريا، التي نرجو لها مخرجًا آمنًا بالحوار والتفاوض، رحمةً بالمواطنين الأبرياء وحماية للعيش معًا بانسجام وتكامل
إنّنا نكلُ هذه التطلّعات المصيريّة إلى شفاعة أمّنا مريم العذراء، سيدة لبنان وسلطانة السلام. معلنين ايماننا بملوكية المسيح هاتفين " مبارك اللآتي باسم الرب ملكنا". له المجد الى الابد آمين
حمل الصغارُ والكبارُ أغصانَ النخل والزيتون التي ترمز إلى الملوكيّة والسّلام، وفرشوا أرديتَهم على الأرض كإقرارٍ بملوكيّة يسوع. وها نحن اليوم في هذا الاحتفال الذي نُنهيه بتطواف، مع الأطفال والشبيبة والكبار، ويذكّرنا بشعانين أورشليم، نعلنُ إيمانَنا بملوكية يسوع القائمة على التواضع والسلام وانتزاع الخوف من القلوب، والانتصارِ على الخطيئةِ والشرّ، والتحرير من الظّلمِ والاستبداد
يسعدنا أن يشارك معنا في هذا الاحتفال نيافة الكردينال Peter Turkson، رئيس أساقفة المجلس الحبري "عدالة وسلام" الذي يشارك في "مؤتمر بيروت: إقتصاد لخدمة الإنسان". ينظّم هذا المؤتمر ويدعو إليه كلٌّ من الاتّحاد العالمي لأرباب العمل المسيحيين والملتقى الإسلامي المسيحي لرجال الأعمال في لبنان. ندعو لنيافة الكردينال Turkson طيب الإقامة والمشاركة، وللمؤتمر النجاح وبلوغ أهدافه القيّمة على المستوى الاقتصادي. كما نرحّب بسيادة السفير البابوي المطران Gabriele Caccia الذي يشاركنا في الاحتفال بالعيد
في مستهلّ هذا الاحتفال، نرفع صلاة الشكر لله على استجابته لصلاتنا ولصلاة الكنيسة، وعلى إرساله راعياً جديداً للكنيسة الجامعة، هو قداسة البابا فرنسيس، فإنّنا نعرب معكم عن تهانينا لقداسته، ونصلّي من أجله لكي يعضده الله بنعمه وبأنوار روحه القدوس في قيادة الكنيسة، عبر الظروف العالمية الصعبة. إنّ أجلّ تهنئةٍ نقدّمها له هي التزامنا بما دعانا إليه في كلماته الأولى: السير معاً، والالتزام ببناء الكنيسة، وإعلان سرّ المسيح المصلوب والقائم من الموت، وجعله محورَ حياتنا وأعمالنا. وباتّخاذه اسم فرنسيس، أراد أن يكون سعيه وسعي كلّ مسيحي ومسيحية العمل من أجل السلام، والأخوّة الشاملة والاعتناء بالفقراء، والاتصاف بالتواضع وروح التجرّد وبساطة العيش
كما وإنّنا نرفع صلاة الشكر لله لمرور سنتَين على خدمتي البطريركيّة بمؤازرة إخواني السادة المطارنة وكلِّ أبناء كنيستنا المارونية، إكليروسًا وعلمانيين. وفيما نبدأ غدًا، بنعمة الله، السنة الثالثة، يسعدني أن أقدّم للكنيسة رسالتي الراعوية الثانية بعنوان: إيمان وشهادة
إنّنا نُهنّئ أطفالَنا وشبابَنا بعيدهم. ونقول لكم أيّها الأحبّاء: إن المسيح أظهر دائماً حبَّه لكم، لنقاوة قلوبكم وأفكارِكم، ولأنّ عمرَكم هو العمرُ الذي تنمون فيه مثله، بالقامة والنعمة والحكمة. ونعربُ عن تقديرِنا لكلّ الذين يعتنون بتربيتكم وتثقيفِكم إنسانيّاً وعلميّاً واجتماعيّاً وروحيّاً، في العائلة والمدرسة والجامعة والرعيّة. سبِّحوا الربَّ يسوع من كلّ قلوبكم، واسألوه أن يوجِّهَ خطاكم على دروب الحياة. إحفظوا وصاياه وتعليمَه، فإنّها ترسم طريقَكم إلى الحياة، وتوفّرُ لكم السعادةَ وتحقيقَ ذواتكم ومشاريعَ حياتكم
ونصلِّي من أجل عائلاتنا المسيحية لتكون حقّاً المكانَ الطبيعيَّ لنقلِ الإيمان ونموِّه في الأطفال والشباب، ولتكون المدرسةَ الأولى لتعليم القِيَم الروحية والأخلاقية. أيّها الوالدون الاحباء لقد أسند اللهُ إليكم مَهمّةَ تربية أولادكم على الإيمان والقيم، من بعد أن أشرككم بأبوّته وأمومته وأعطاكم سلطانَ نقلِ الحياة، كبركةٍ للحبّ الذي يجمعكم وتوطيداً له وإسعاداً لحياتكم. فالأولادُ بهجةُ العائلة والمجتمع. إنّنا ندرك معكم أنّ التربية في العائلة صعبةٌ اليومَ بسبب الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية عندنا وفي المنطقة، وبسبب البرامج الهدّامة التي تبثّها بعض التِّقنيّات الإعلاميّة، والانحرافات الأخلاقيّة التي تجتاح مجتمعنا. لكنْ ثقوا أنّ الكنيسة معكم وإننا نساندكم في مَهمّتكم التربوية الخطيرة مع أساقفتنا وكهنتنا ورهباننا وراهباتنا ومؤسّساتنا التربوية
لقد أشركنا المسيح الربّ بملوكيّته، بالمعمودية والميرون. فاصبحت رسالتُنا كمسيحيّين إلتزاماً بالتّحرير من كلِّ ظلم واستبداد واستضعاف، وعملاً على خلاص الانسان من كلِّ ما يُعيق نموَّه وتحقيق ذاته: الخلاص الرّوحي من الخطيئة والشرّ؛ والخلاص الاقتصادي والاجتماعي من الفقر والحرمان والتهميش والإهمال؛ والخلاص التربوي من الجهل والأميّة، ومن الفلتان والانحطاط الاخلاقي؛ والخلاص السياسي من الظلم والقهر والاحتلال والحرمان من الحقوق الاساسية، وفي طليعتها الحريات العامة والكرامة الشخصية؛ والخلاص الأمني من العنف والحرب والارهاب
مشاركتنا في ملوكيّة المسيح تقتضي منّا التحلّي بالتواضع والوداعة والبساطة في المسلك ونمط العيش. ما يجعلنا نحترم الآخر ايّاً كان، ونقدّر حياته وأعماله، ونبادره بالخير، في كلّ ظروف الحياة. كما تقتضي الالتزام باحلال السلام، وبنائه كلَّ يوم على أسسه الأربعة: الحقيقة والمحبة والحرية والعدالة
لم يأتِ المسيح ليبني مملكة سياسيّة زمنيّة، خلافاً لانتظارات الشعب، بل جاء ليبني ملكوت الله، المعروف أيضاً بملكوت المسيح،المتمثِّل بالكنيسة، وهو سرّ الشَّركة ببعدَيها: الاتحاد بالله ووحدة الجنس البشري. لا تختلط الكنيسة بالدولة أو بالسلطة السياسية، بل تتمايزان وتنعمان بالاستقلالية الواحدة عن الأخرى. غير أنّهما مدعوّتان للتعاون من أجل الخير العام، وللتفاهم على المبادئ التي تلهم العمل لخير المواطن وكرامته وحقوقه ومصيره، ولتعزيز العدالة الاجتماعية والمساواة في المجتمع، ولحماية الوطن في وحدته وشرفه وسيادة أرضه وقراره
وفيما الكنيسة تحترم الدولة وأنظمتها وبرامجها السياسية، فانها لا تتدخّل في شؤونها. غير انها تنظر الى نتائج هذه الانظمة والبرامجمن الناحية الدينية والخلقية. فتعرب عن استيائها عندما تُنتهك حرمة الانسان والقواعد الدينية والخلقية، وتتّخذ موقف الاعتراض والدفاع. فمن واجب الدولة، ايًا كان لونها ونظامها، أن تستلهم القيم الروحيّة والاخلاقيّة في اداء واجبها وممارسة سلطتها. ولذلك يبقى من حقِّ الكنيسة أن تحكم في صلاح الافعال البشرية وشرّها من حيث تقييم هذه الافعال في ضوء الشريعة الإلهية والأخلاقية. إنّها تعطي "حكمها الادبي" في جميع الشؤون، بما فيها الشأن الزمني، عندما تقتضي ذلك حقوق الشخص البشري الأساسية وخلاص النفوس. فلا يحقّ لها أن تصمت عن المظالم، بل عليها أن تتسلّح بالجرأة، وتعطي صوتًا لمن لا صوت له. ولا يستطيع أحد أن يوقفها عن ذلك
وعلى الكنيسة أن توجّه الضمائر وتنيرها بالمبادئ الروحية والاخلاقية والانسانية، من دون أن تحكم في فائدة هذه السياسة أو غيرها، بحيث يتصرّف العلمانيّون في الشؤون الزمنيّة على ضوء ضميرهم المستنير. إنها ترضى بكلِّ اداء ونظام يضمن للإنسان حقوقه وخيره واستقراره وكرامته، من دون أن تعتنق أيّ نظام سياسي خاصّ، أو تتلوّن بهذا أو ذاك من الألوان السياسيّة (شرعة العمل السياسي، ص 12-17
أمّا الآن، في الظرف الحرج الذي يعيشه لبنان، وبخاصّة بعد تقديم رئيس مجلس الوزراء السيد نجيب ميقاتي إستقالته، والأوضاعُ الداخليّة والإقليميّة متوتّرة، فإنّا نناشد، مع الشعب اللبناني وجميعِ المخلصين للبنان، المسؤولين السياسيين تقديرَ خطورة الوضع، والجلوسَ إلى طاولة الحوار بروح المسؤوليّة والضمير الوطني، من أجل تشكيلِ حكومةٍ قادرة يرتاح إليها المواطنون، تعمل بجدّيّة على إقرار قانونٍ جديدٍ للإنتخاب، وإجراءِ الانتخابات النيابيّة في موعدها الدستوري، حمايةً للديموقراطيّة وتداولِ السلطة اللّذَين يميّزان لبنان؛ حكومةٍ تضبط الأمن في الداخل وعلى الحدود، وبالأخصّ مع سوريا، وتدفع بالاقتصاد الوطني إلى الأمام؛ حكومةٍ تعزّز الميثاق الوطني ولا سيّما لجهة حماية لبنان من أن يكون مقرًّا أو ممرًّا للسّلاح إلى أي بلد، ولجهة حفظ حياده الإيجابي، بحيث لا ينخرط في تحالفات عسكرية إقليميّة أو دوليّة، بل يلتزم قضايا السّلام والعدالة وحقوق الشعوب، ونبذَ العنف والإرهاب والحرب. وفي المناسبة ندعو إخوانَنا في طرابلس لإيقاف الإقتتال وللتفاهم والاحترام المتبادل، بعيدًا عن تداعيات الأحداث الجارية في سوريا، التي نرجو لها مخرجًا آمنًا بالحوار والتفاوض، رحمةً بالمواطنين الأبرياء وحماية للعيش معًا بانسجام وتكامل
إنّنا نكلُ هذه التطلّعات المصيريّة إلى شفاعة أمّنا مريم العذراء، سيدة لبنان وسلطانة السلام. معلنين ايماننا بملوكية المسيح هاتفين " مبارك اللآتي باسم الرب ملكنا". له المجد الى الابد آمين