سمع التلميذان كلامه، فتبعا يسوع
لما سمع تلميذا يوحنا المعمدان قوله عن يسوع: "ها هو حمل الله"، وقعت الكلمة في قلبيهما، وقوع الماء في الأرض العطشى. اجتذبتهما إليه، "فتبعا يسوع، وأقاما عنده ذلك اليوم". وعند العودة التقى اندراوس، وهو أحد الإثنين، بأخيه سمعان، وشهد لما رأى وقال: "لقد وجدنا المسيح". وسمعان بدوره انجذب الى يسوع وجاء إليه، فبادره الربّ بما لم يكن ليتوقّع: ناداه باسمه، وأعطاه إسماً جديداً من أجل رسالة سيوضحها له فيما بعد: "أنت سمعان بن يونا! ستُدعى الصخرة أي بطرس"
يسوع المسيح، كلمة الله المتجسّد، هو الخبر الجديد والمتجدّد دائماً. فلا ينتهي في ماضٍ، ولا يكتمل في حاضر، بل هو اكتشاف متواصل، لأنّه "النور الحقيقي الذي ينير كلّ إنسان آتٍ الى العالم" (يو1: 9). وهو "الكلمة" التي تخاطب كلّ إنسان، ذلك أنّ بها قال الله كلّ شيء (عب1: 2). ولهذا السبب، المسيحية هي ديانة كلمة الله، لا كلمة خرساء بل كلمة متجسّدة وحيّة، هي يسوع المسيح (كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 108
في إنجيل اليوم بدأ إعلان خبر يسوع، كلمة الله، بلسان يوحنا المعمدان وقد رأى فيه "حمل الله" الذي سيفتدي البشر أجمعين ويرفع خطاياهم. ثم تواصل مع اندراوس الذي اكتشف أنّه "المسيح" المنتظر، هذا المرسَل من عند الله وبامتياز: نبياً هو ذاته الكلمة الإلهية، وكاهناً هو نفسه ذبيحة الفداء وقربان العبادة، وملكاً هو إيّاه الملكوت أي سرّ الشركة بين الله والبشر، لأنّه إله كامل وإنسان كامل. إنَّ إعلان خبر يسوع يقتضي اتّباعه، للاستنارة بحقيقة الانجيل، وتقديس الذات بنعمة الاسرار، والامتلاء من محبته
إذا أكملنا قراءة نصّ الإنجيل، نجد أنّ فيليبس الذي التقى يسوع قد أعلنه بدوره لنتنائيل أنّه "هو الذي كتب عنه موسى والأنبياء أي يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة" (يو1: 45). هذا الإكتشاف يعني أنّ المسيح هو الكلمة الإلهية الوحيدة، التي تنبسط على كلّ الكتب المقدسة، وتُعلَن بفم جميع الذين كتبوها بإلهام إلهي؛ هذه هي الكلمة التي قالها يوحنا في إنجيله إنّها "كانت في البدء عند الله، وهي الله" (يو1: 1؛ راجع كتاب التعليم المسيحي، 102). ثمّ انتقل الإعلان الى شاهد آخر هو نتنائيل فاكتشف أنّ المسيح هو "ابن الله" وملك شعبه (يو1: 49). كلّ هؤلاء الذين التقوا يسوع لقاءً شخصياً في العمق، أصبحوا شهوداً له
المسيحية هي ديانة الشهادة ليسوع، على هدي الروح القدس. هذا ما قاله الربّ لرسله يوم صعوده الى السماء: "حين يأتيكم الروح القدس، تنالون القوّة، وتكونون لي شهوداً في أورشليم، وفي جميع اليهودية والسامرة، الى أقاصي الأرض" (أعمال1: 8). إنّ جمعية سينودس الأساقفة من أجل الشرق الأوسط، التي دعا إليها قداسة البابا بندكتوس السادس عشر، وانعقدت في روما في تشرين الاوّل 2010، حدّدت غايتها بالمحافظة على الهوية المسيحية، وتوطيد الشركة مع الجميع بروح المحبة والوحدة، واداء الشهادة للمسيح في بلدان الشرق الأوسط التي يتواجد فيها المسيحيون. ومن ضمن مساحات الشهادة للمسيح، الحوار مع الأديان، ولاسيّما مع المسلمين، وبناء مدينة الشركة، وخدمة المحبة الإجتماعية
المسيحيون في لبنان وبلدان الشرق الأوسط مؤتمنون على اداء هذه الشهادة بالتعاون مع مواطنيهم ولاسيّما المسلمين. فالحوار معهم هو حوار الحياة والثقافة والمواطنة، على أساس من المساواة في الحقوق والواجبات، والمشاركة المتوازنة في الحكم والإدارة. ومدينة الشركة التي يبنونها معاً هي الدولة - الوطن التي تلتزم السلام القائم على أسسه الأربعة: الحقيقة والحرية والعدالة والمحبة، بعيداً عن العنف والأصوليات والإرهاب. أمّا خدمة المحبة فهي من جوهر رسالة الكنيسة تجاه المحتاج، على كلّ مستويات الحاجة وأنواعها. إنّ الكنيسة ملتزمة هذه الخدمة في مؤسساتها التربوية والإجتماعية والإستشفائية والإنمائية، المنزّهة من كلّ فئوية أو تسييس أو تمييز أو ايديولوجية
لبنان هو بلد الإمتياز على هذا المستوى. فيجب على الجميع أن يحافظوا على كيانه وميثاقه ورسالته
فكيان لبنان دولة مؤلّفة من التنوّع الديني والطائفي والعرقي الذي يشكّل وطن العيش معاً في توازن يؤمّن استقراره. إنّه وطن يتكوّن ويُعاد تكوينه باستمرار. وكأنّه "مشروع هو دائماً قيد التنفيذ" (راجع روجيه ديب، لبنان المستقرّ ص21). ولأنّ موقعه الجغرافي السياسي جعله مشرَّعاً على التوترات الإقليمية والدولية، وأظهره في الوقت عينه حاملاً في طبيعته اسقاطات هذه التوترات بالقدرة على التفاهم، فلا بدّ من أن يتكاتف اللبنانيون ويعملوا جاهدين على إرساء لبنان دولة مستقرّة، وقابلة الإستمرار. وعلى السلطة السياسية أن تجعله دولة قوية متماسكة في مؤسساتها وهيكليتها، توجب الولاء الأوّل والأخير لها والتضحيات في سبيلها، دولة قادرة على أن تحفظ للبنان دوره ورسالته
ميثاقه الوطني، غير المكتوب أصلاً، النابع من الثقة في القلوب سنة 1943، جعله دولة مستقلة ذات سيادة، قائمة في الأساس أولاً على تناغم حضاري بين المسيحية والإسلام، وثانياً على التوافق السياسي والمساواة في الحكم والإدارة. فكان التأكيد المتكرّر: لبنان واحد، لا لبنانان. ولكن في الواقع، لبنان كدولة ليس واحداً موحَّداً، بل دويلات يتقاسم مؤسساته وماله العام أفراد نافذون وفئات، على حساب الشعب وحياته المعيشية الكريمة، وعلى حساب اقتصاده الذي ينذر بأن يكون مدمّراً، واهل الحكم والنافذون غير مبالين إلّا بمصالحهم ومكاسبهم. غير أنّ هذا الميثاق يبقى حجرَ الزاوية في الكيان اللبناني، ومصدرَ التطور عن طريق التفاعل الحرّ والسليم بين مختلف عناصر الأُمّة اللبنانية ومكوّناتها (قواعد الإعراب في السياسة اللبنانية ص121-122). وقد جعله الدستور المعدَّل سنة 1990 شرطاً لشرعية السلطة السياسية فيه، وقد نصّ في مقدمته: لا شرعية لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك
رسالته رسالة إنسانية تحمل أبهى ما في الشرق من قيَم روحية، وخيرَ ما في الغرب من تقدُّم وحضارة وحداثة. هذه الرسالة يستمدّها من موقعه الجغرافي ومن تكوينه المنظّم دستورياً، فيعمل على التآلف بين المسيحية والإسلام، وهما أكبر ديانتين، بما لديهما من ثرواتٍ روحية وفكرية تكوِّن شخصية الإنسان. وهو بذلك يشكّل عنصرَ سلامٍ وتعاون مسيحي- إسلامي في بلدان الشرق الأوسط، ويقدّم للغرب نموذجاً يُحتذى به من أجل تجنيب صراع الحضارات والديانات، وتفعيل الحوار بينها. إنّ تحديات زمن العولمة هو هذا الحوار الخلّاق الكفيل بإحلال السلام والعدالة بين الشعوب. إنّ لبنان الملتقى الفريد بين المسيحية والإسلام هو صاحب هذه الرسالة وهذا الحوار اللذَين منهما يستمدُّ كلّ قيمته
عندما يقول القادة العرب وسواهم: "لبنان حاجة"، او "لو لم يوجد لبنان، لكان من الواجب إيجاده"، أو "لبنان رئة الحرية والحداثة"، أو "سلام المنطقة يأتي من سلام لبنان"، ينبغي على اللبنانيين والأسرة الدولية، أن يعملوا على إعلانه بلداً حيادياً، حياداً إيجابياً، لكي يستمر في رسالته هذه، ويكون عنصر سلام لمنطقة الشرق الأوسط، لا ممرّاً ولا مقرّاً لعناصر عدم الإستقرار في المنطقة، ولا تكون أرضه مسرحاً لحروب الآخرين. فلبنان الحيادي ضمانة لحماية العيش الواحد بين المسيحيين والمسلمين، الذي هو تراث عالمي. وبحياده الإيجابي يلتزم لبنان القضايا العربية المشتركة بحكم عضويته في جامعة الدول العربية؛ وقضية السلام والعدالة والحقوق وترقي الشعوب على المستوى العالمي، التزاماً بعضويته في منظمة الامم المتحدة والشرعية الدولية، هذا يقتضي تعزيز قدرة لبنان الدفاعية وحصر السلاح في مؤسساته الشرعية وإخضاع استعماله للسلطة السياسية، وخروجه من سياسة المحاور الاقليمية، وابتعاده عن التمحور في أحلاف خارجية لها مصالحها ونفوذها، لكي يظلَّ وسيط سلام وتفاهم ومصالحة. إن المنطقة العربية تحتاج إلى مثل هذا الوسيط
وإنّا بالمناسبة ندين كلَّ خطابٍ عدائيٍ متشنِّج يصدر عن هذا أو ذاك من الأفرقاء اللبنانيين. كما نُعرب عن أسفنا الشديد والإدانة الكبيرة للهجوم الانتحاري أمس في البصرة جنوبي العراق، الذي أوقع 53 قتيلاً و 137 جريحاً. كما ندين كل عنف وكل اعتداء على الحياة البشرية في أي مكان ومن أية جهة أتى. فوصية الله الصريحة "لا تقتل" تنزع من بني البشر كلَّ ادّعاء وتبرير للقتل او الاعتداء او التعذيب. ولهذا نقول لكل مَن تتلطّخ يداه المجرمة بالدم: باسم الله كُفَّ عن الاعتداء على هذا الانسان الذي هو على صورة الله. ولتحلَّ في القلوب وصية الله المكمِّلة للأولى: "أحبَّ الله من كل قلبك وفكرك وإرادتك، وأحبَّ الانسان، وهو قريبك، حبك لنفسك" مر 12: 30-31؛ لاوي 19: 18
هذه هي أبعاد إنجيل اليوم، إنجيل الشهادة ليسوع المسيح الذي حمل الى العالم سلام الله، وكرامة الإنسان، ومعنى الوجود. ليس الإنجيل كتاباً خاصّاً بالمسيحيين، لكن هؤلاء مؤتمنون على نشره وتجسيده في ثقافتهم وحضارة الشعوب. فالإنجيل يعني الخبر المفرح لجميع الناس. فيا ربّ اجتذبنا إليك لنتبعك، واجعلنا شهوداً لإنجيلك لكي تسود الحقيقة والحرية والمحبة والعدالة على أرضنا، فتنعم بالطمأنينة والسلام. لك المجد الى الأبد، آمين
يسوع المسيح، كلمة الله المتجسّد، هو الخبر الجديد والمتجدّد دائماً. فلا ينتهي في ماضٍ، ولا يكتمل في حاضر، بل هو اكتشاف متواصل، لأنّه "النور الحقيقي الذي ينير كلّ إنسان آتٍ الى العالم" (يو1: 9). وهو "الكلمة" التي تخاطب كلّ إنسان، ذلك أنّ بها قال الله كلّ شيء (عب1: 2). ولهذا السبب، المسيحية هي ديانة كلمة الله، لا كلمة خرساء بل كلمة متجسّدة وحيّة، هي يسوع المسيح (كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 108
في إنجيل اليوم بدأ إعلان خبر يسوع، كلمة الله، بلسان يوحنا المعمدان وقد رأى فيه "حمل الله" الذي سيفتدي البشر أجمعين ويرفع خطاياهم. ثم تواصل مع اندراوس الذي اكتشف أنّه "المسيح" المنتظر، هذا المرسَل من عند الله وبامتياز: نبياً هو ذاته الكلمة الإلهية، وكاهناً هو نفسه ذبيحة الفداء وقربان العبادة، وملكاً هو إيّاه الملكوت أي سرّ الشركة بين الله والبشر، لأنّه إله كامل وإنسان كامل. إنَّ إعلان خبر يسوع يقتضي اتّباعه، للاستنارة بحقيقة الانجيل، وتقديس الذات بنعمة الاسرار، والامتلاء من محبته
إذا أكملنا قراءة نصّ الإنجيل، نجد أنّ فيليبس الذي التقى يسوع قد أعلنه بدوره لنتنائيل أنّه "هو الذي كتب عنه موسى والأنبياء أي يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة" (يو1: 45). هذا الإكتشاف يعني أنّ المسيح هو الكلمة الإلهية الوحيدة، التي تنبسط على كلّ الكتب المقدسة، وتُعلَن بفم جميع الذين كتبوها بإلهام إلهي؛ هذه هي الكلمة التي قالها يوحنا في إنجيله إنّها "كانت في البدء عند الله، وهي الله" (يو1: 1؛ راجع كتاب التعليم المسيحي، 102). ثمّ انتقل الإعلان الى شاهد آخر هو نتنائيل فاكتشف أنّ المسيح هو "ابن الله" وملك شعبه (يو1: 49). كلّ هؤلاء الذين التقوا يسوع لقاءً شخصياً في العمق، أصبحوا شهوداً له
المسيحية هي ديانة الشهادة ليسوع، على هدي الروح القدس. هذا ما قاله الربّ لرسله يوم صعوده الى السماء: "حين يأتيكم الروح القدس، تنالون القوّة، وتكونون لي شهوداً في أورشليم، وفي جميع اليهودية والسامرة، الى أقاصي الأرض" (أعمال1: 8). إنّ جمعية سينودس الأساقفة من أجل الشرق الأوسط، التي دعا إليها قداسة البابا بندكتوس السادس عشر، وانعقدت في روما في تشرين الاوّل 2010، حدّدت غايتها بالمحافظة على الهوية المسيحية، وتوطيد الشركة مع الجميع بروح المحبة والوحدة، واداء الشهادة للمسيح في بلدان الشرق الأوسط التي يتواجد فيها المسيحيون. ومن ضمن مساحات الشهادة للمسيح، الحوار مع الأديان، ولاسيّما مع المسلمين، وبناء مدينة الشركة، وخدمة المحبة الإجتماعية
المسيحيون في لبنان وبلدان الشرق الأوسط مؤتمنون على اداء هذه الشهادة بالتعاون مع مواطنيهم ولاسيّما المسلمين. فالحوار معهم هو حوار الحياة والثقافة والمواطنة، على أساس من المساواة في الحقوق والواجبات، والمشاركة المتوازنة في الحكم والإدارة. ومدينة الشركة التي يبنونها معاً هي الدولة - الوطن التي تلتزم السلام القائم على أسسه الأربعة: الحقيقة والحرية والعدالة والمحبة، بعيداً عن العنف والأصوليات والإرهاب. أمّا خدمة المحبة فهي من جوهر رسالة الكنيسة تجاه المحتاج، على كلّ مستويات الحاجة وأنواعها. إنّ الكنيسة ملتزمة هذه الخدمة في مؤسساتها التربوية والإجتماعية والإستشفائية والإنمائية، المنزّهة من كلّ فئوية أو تسييس أو تمييز أو ايديولوجية
لبنان هو بلد الإمتياز على هذا المستوى. فيجب على الجميع أن يحافظوا على كيانه وميثاقه ورسالته
فكيان لبنان دولة مؤلّفة من التنوّع الديني والطائفي والعرقي الذي يشكّل وطن العيش معاً في توازن يؤمّن استقراره. إنّه وطن يتكوّن ويُعاد تكوينه باستمرار. وكأنّه "مشروع هو دائماً قيد التنفيذ" (راجع روجيه ديب، لبنان المستقرّ ص21). ولأنّ موقعه الجغرافي السياسي جعله مشرَّعاً على التوترات الإقليمية والدولية، وأظهره في الوقت عينه حاملاً في طبيعته اسقاطات هذه التوترات بالقدرة على التفاهم، فلا بدّ من أن يتكاتف اللبنانيون ويعملوا جاهدين على إرساء لبنان دولة مستقرّة، وقابلة الإستمرار. وعلى السلطة السياسية أن تجعله دولة قوية متماسكة في مؤسساتها وهيكليتها، توجب الولاء الأوّل والأخير لها والتضحيات في سبيلها، دولة قادرة على أن تحفظ للبنان دوره ورسالته
ميثاقه الوطني، غير المكتوب أصلاً، النابع من الثقة في القلوب سنة 1943، جعله دولة مستقلة ذات سيادة، قائمة في الأساس أولاً على تناغم حضاري بين المسيحية والإسلام، وثانياً على التوافق السياسي والمساواة في الحكم والإدارة. فكان التأكيد المتكرّر: لبنان واحد، لا لبنانان. ولكن في الواقع، لبنان كدولة ليس واحداً موحَّداً، بل دويلات يتقاسم مؤسساته وماله العام أفراد نافذون وفئات، على حساب الشعب وحياته المعيشية الكريمة، وعلى حساب اقتصاده الذي ينذر بأن يكون مدمّراً، واهل الحكم والنافذون غير مبالين إلّا بمصالحهم ومكاسبهم. غير أنّ هذا الميثاق يبقى حجرَ الزاوية في الكيان اللبناني، ومصدرَ التطور عن طريق التفاعل الحرّ والسليم بين مختلف عناصر الأُمّة اللبنانية ومكوّناتها (قواعد الإعراب في السياسة اللبنانية ص121-122). وقد جعله الدستور المعدَّل سنة 1990 شرطاً لشرعية السلطة السياسية فيه، وقد نصّ في مقدمته: لا شرعية لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك
رسالته رسالة إنسانية تحمل أبهى ما في الشرق من قيَم روحية، وخيرَ ما في الغرب من تقدُّم وحضارة وحداثة. هذه الرسالة يستمدّها من موقعه الجغرافي ومن تكوينه المنظّم دستورياً، فيعمل على التآلف بين المسيحية والإسلام، وهما أكبر ديانتين، بما لديهما من ثرواتٍ روحية وفكرية تكوِّن شخصية الإنسان. وهو بذلك يشكّل عنصرَ سلامٍ وتعاون مسيحي- إسلامي في بلدان الشرق الأوسط، ويقدّم للغرب نموذجاً يُحتذى به من أجل تجنيب صراع الحضارات والديانات، وتفعيل الحوار بينها. إنّ تحديات زمن العولمة هو هذا الحوار الخلّاق الكفيل بإحلال السلام والعدالة بين الشعوب. إنّ لبنان الملتقى الفريد بين المسيحية والإسلام هو صاحب هذه الرسالة وهذا الحوار اللذَين منهما يستمدُّ كلّ قيمته
عندما يقول القادة العرب وسواهم: "لبنان حاجة"، او "لو لم يوجد لبنان، لكان من الواجب إيجاده"، أو "لبنان رئة الحرية والحداثة"، أو "سلام المنطقة يأتي من سلام لبنان"، ينبغي على اللبنانيين والأسرة الدولية، أن يعملوا على إعلانه بلداً حيادياً، حياداً إيجابياً، لكي يستمر في رسالته هذه، ويكون عنصر سلام لمنطقة الشرق الأوسط، لا ممرّاً ولا مقرّاً لعناصر عدم الإستقرار في المنطقة، ولا تكون أرضه مسرحاً لحروب الآخرين. فلبنان الحيادي ضمانة لحماية العيش الواحد بين المسيحيين والمسلمين، الذي هو تراث عالمي. وبحياده الإيجابي يلتزم لبنان القضايا العربية المشتركة بحكم عضويته في جامعة الدول العربية؛ وقضية السلام والعدالة والحقوق وترقي الشعوب على المستوى العالمي، التزاماً بعضويته في منظمة الامم المتحدة والشرعية الدولية، هذا يقتضي تعزيز قدرة لبنان الدفاعية وحصر السلاح في مؤسساته الشرعية وإخضاع استعماله للسلطة السياسية، وخروجه من سياسة المحاور الاقليمية، وابتعاده عن التمحور في أحلاف خارجية لها مصالحها ونفوذها، لكي يظلَّ وسيط سلام وتفاهم ومصالحة. إن المنطقة العربية تحتاج إلى مثل هذا الوسيط
وإنّا بالمناسبة ندين كلَّ خطابٍ عدائيٍ متشنِّج يصدر عن هذا أو ذاك من الأفرقاء اللبنانيين. كما نُعرب عن أسفنا الشديد والإدانة الكبيرة للهجوم الانتحاري أمس في البصرة جنوبي العراق، الذي أوقع 53 قتيلاً و 137 جريحاً. كما ندين كل عنف وكل اعتداء على الحياة البشرية في أي مكان ومن أية جهة أتى. فوصية الله الصريحة "لا تقتل" تنزع من بني البشر كلَّ ادّعاء وتبرير للقتل او الاعتداء او التعذيب. ولهذا نقول لكل مَن تتلطّخ يداه المجرمة بالدم: باسم الله كُفَّ عن الاعتداء على هذا الانسان الذي هو على صورة الله. ولتحلَّ في القلوب وصية الله المكمِّلة للأولى: "أحبَّ الله من كل قلبك وفكرك وإرادتك، وأحبَّ الانسان، وهو قريبك، حبك لنفسك" مر 12: 30-31؛ لاوي 19: 18
هذه هي أبعاد إنجيل اليوم، إنجيل الشهادة ليسوع المسيح الذي حمل الى العالم سلام الله، وكرامة الإنسان، ومعنى الوجود. ليس الإنجيل كتاباً خاصّاً بالمسيحيين، لكن هؤلاء مؤتمنون على نشره وتجسيده في ثقافتهم وحضارة الشعوب. فالإنجيل يعني الخبر المفرح لجميع الناس. فيا ربّ اجتذبنا إليك لنتبعك، واجعلنا شهوداً لإنجيلك لكي تسود الحقيقة والحرية والمحبة والعدالة على أرضنا، فتنعم بالطمأنينة والسلام. لك المجد الى الأبد، آمين