عليكم أن تولدوا من جديد
الولادة الجديدة بمعمودية الماء والروح ضروريّة، لأنّها تجعل المعمَّد "خلقاً جديداً" (غل6: 15)، وتُدخله في ملكوت الله، ملكوت الشركة والمحبة، الذي يعني الاتحاد بالله عموديّاً والوحدة مع جميع الناس أفقياً، وذلك بدافع من المحبة وبرباط المحبة. ولهذا جزم يسوع بقوله لنيقوديمس، رئيسِ اليهود: "لا يستطيع أحد أن يدخل ملكوت الله ما لم يولد من الماء والروح. فالمولود من الجسد هو جسد، والمولود من الروح هو روح، فلا تعجب إن قلتُ لك: عليكم أن تولدوا من جديد" يو3: 5-7
ولادة الانسان الجديدة، تنبثق من موت المسيح وقيامته مثلما تولد السنبلة من حبة القمح التي تموت في الأرض، حسب التشبيه الذي أعطاه الربّ يسوع: "حبة الحنطة إذا وقعت في الأرض وماتت، أتَتْ بثمر كثير"(يو12: 24). وكما ولادة الإنسان الأولى هي ثمرة حبّ أبيه وأمّه، كذلك الولادة الثانية هي ثمرة حبّ الله المتجلّي في موت يسوع على الصليب: "هكذا أحبّ الله العالم، حتى جاد بابنه الوحيد، لكي لا يهلك أيّ مؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية"(يو3: 16). بالولادة الأولى، الإنسان جسدي، وبالثانية روحاني. لكن الإرشاد الرسولي "رجاء جديد للبنان"، ينبّه "أنّ المسيحيين لا يمتلكون في ذلك حياتَين متوازيتَين: حياة مسمّاة روحية لها قيَمها ومقتضياتها، وحياة يقال لها علمانيّة أو جسديّة لها قيَم مختلفة عن الأولى أو مضادّة لها"(الفقرة 112). وكأنّ بإمكانهم الإختيار بينهما أو الإلتزام بواحدة دون الأخرى. بل ينبغي أن تسمو الحياة الجسدية الى قيَم الروح. القديس بولس الرسول يتكلّم عن "الإنسان العتيق"(افسس4: 22) الذي يحيا حياة الجسد، وثمارها: العداوة والخصومة والإنقسام والغضب والحسد والدعارة والسكر؛ وعن "الإنسان الجديد"(افسس4: 22) الذي يحيا حياة الروح وثمارها: المحبة والفرح والسلام والصبر واللطف والأمانة والتواضع غلا5: 19-23
من ثمار الولادة الجديدة أن يبلغ المؤمن الى كمال الإنسانية لكي يبثَّ الروح المسيحية في الشؤون الزمنية، في الحياة العائلية والحياة الإجتماعية والنشاطات العامة: الإقتصاد والتجارة والسياسة والتشريع والإدارة والقضاء وسواها. فالبشرى الإنجيلية تنير جميع شؤون العالم، من أجل بناء أسرة بشرية سعيدة، وتوفير الحياة لها بوفرة(رجاء جديد للبنان، فقرة 112
ولأنّ الولادة الجديدة تغيّر الإنسان بقوّة نعمة المسيح وفعل الروح القدس، فإنّه يصبح فاعل التغيير، وقادراً على أن يغلب كلّ انحراف وانقسام وشرّ فيه وفي خارجه. ولذلك يجب على كل واحد منا أن يلتمس الإيمان بيسوع المسيح وبقدرة نعمته على تغييرنا. ونلتمسه بلسان الأبرص: "يا ربّ إن شئتَ، أنت قادر أن تطهّرني"(مر1: 40)، وبتوسّل أعمى أريحا: "يا معلّم، اجعلني ابصر"(مر11: 51)، وبتشفّع قائد المئة: "قلْ كلمة واحدة فيبرأ خادمي"لو7: 8
إننا نواصل صلاتنا مع الكنيسة جمعاء من أجل وحدة الكنائس ووحدة المسيحيين، ونحن في أسبوع الصلاة المحدّد ما بين 18 و 25 كانون الثاني الجاري. موضوع هذا الأسبوع كلمة بولس الرسول: "كلّنا سنتغيّر بغلبة ربنا يسوع المسيح"(1كور15: 51 و57). هذا يعني أنّ البلوغ إلى الوحدة المسيحية يقتضي التغيير، بقوّة نعمة المسيح، في النظرة والرأي والمسلك وأشكال الحياة التي تعوّدنا عليها. ومن المعلوم أنّ التغيير الأساسي بدأ فينا بالمعمودية والميرون، ويتواصل بتناول جسد الربّ ودمه. يذكّرنا بولس الرسول أننا خلعنا الإنسان العتيق، ولبسنا الإنسان الجديد(افسس4: 22-24). ويقول لنا في موضع آخر: "أنتم الذين اعتمدتم بالمسيح، قد لبستم المسيح"غل3: 27
إنّ الغَلَبة بالمسيح لا تتمّ بقوّة السلاح والمال والسلطة، بل بقوّة المحبة المتفانية، والخدمة المجرّدة، والصفح الغافر، ومقاومة الشرّ بالخير. المسيحيون مدعوون لإحراز الغلبة الحقيقية بالإنتصار على الأنانية والمصالح الرخيصة، وعلى الغرائز والإنحرافات الأخلاقية؛ وبانتصار الوحدة على الإنقسام، والحلول الحبّية والشريفة على الخلافات، سواء في العائلة أم في المجتمع، في الكنيسة أم في الدولة. إنّه انتصار الشركة والمحبة
في ضوء كلّ ذلك تتوضّح رسالة الكنيسة والمسيحيين في لبنان والعالم العربي، وقد توسّع فيها الإرشاد الرسولي: "رجاء جديد للبنان". وأكّد البابا الطوباوي يوحنا بولس الثاني "أنّ الرجاء بمستقبل أفضل للبنان مرتبط مباشرة بوحدة المسيحيين فيما بينهم، وبإعادة بناء لبنان مادّياً وروحيا،ً بمشاركة الجميع، مسيحيين ومسلمين وموحّدين دروز"(الفقرة 2). واعتبر باقتناع كبير أنّ للبنان رسالة نموذجية يهديها للشرق كما للغرب، لأنّه صاحب حضارة ثمينة، وهو أرض مقدسة، ومجتمع تعددي
إنّه إحدى منائر حوض البحر المتوسط، ومنه انطلقت بدايات الكتابة، وهو بحكم موقعه الجغرافي منفتح على أفكار الحداثة، وجسر ثقافي وإنساني بين الشرق والغرب، وحضارته مزيج من الثقافتَين المسيحية والإسلامية. بانتماء لبنان إلى الاتحاد المتوسطي وانفتاحه على الشراكة الاوروبية يؤهّلانه للدخول في سياسية التعاون الاقتصادي والثقافي والبحري والاخلاقي، وللعب دورٍ في نشر ثقافة الاعتدال والتسامح والحوار ورفض كل اشكال الإرهاب والعنف والتطرّف، وفي جعل أوروبا أكثر ارتباطاً بالعالم العربي روجيه ديب، لبنان المستقر، ص 110
أرض لبنان مقدسة وقد وطئتها أقدام المسيح والعذراء مريم والرسل القديسون، وأغنتها تقاليد دينية متعددة، وأنجبت قديسين أمثال شربل ورفقا ونعمة الله ويعقوب واسطفان(الفقرتان 1و122). وهو مجتمعٌ تعدّدي. على هذا الأساس، ينبغي على الطوائف المكوِّنة للنسيج اللبناني أن تُشكِّلَ قوةَ المُعزِّزة والمدافِعة عن القيَم الروحية والأخلاقية والإنسانية، وأن تكون كل طائفة ذات قيمة مُضافة مُتخصِّصة لبناء المجتمع اللبناني، وبهذا تجعل لبنان ذا قيمة مُضافة في محيطه العربي. هذا يقتضي من الطوائف اللبنانية مساعدة المواطن المُنتمي إليها أن يكون مواطناً في لبنان لا مواطناً في طائفته، وأن يكون لبنانياً أولاً وآخِراً بفضل قيمة طائفته المتخصِّصة والمُضافة. إن البطريركية المارونية مُلتزمة بهذا الخط الرامي دائماً إلى جعل لبنان تعددياً منفتحاً ، وحيادياً، غير منخرط في محاور أو أحلاف أقليمية ودولية، ومُلتزماً قضايا السلام والعدالة والعيش المشترك، وبلداً ديموقراطياً منفتحاً على الشرق والغرب في حوارٍ مع الثقافات والديانات، ورافضاً أن يكون أرض الحديد والنار(المرجع نفسه، ص 54-59؛ رجاء جديد للبنان، فقرة 98 و 119
إنّ الكنيسة ملتزمة برسالة لبنان التي يدعو إليها الإرشاد الرسولي، وهي تعزيز الحوار المسيحي - الإسلامي، وتوطيد العيش الواحد، وبناء المجتمع على أساس السلام والمصالحة، والعمل على تغيير الذهنيات من أجل إنماء الأخوّة والتضامن وتحقيق مجتمع أكثر قابلية للعيش معاً(الفقرة 89). هذه الرسالة تدعو إلى التضامن مع العالم العربي، كأمر حتمي مكمِّل للحوار والتعاون بين المسيحيين والمسلمين في لبنان
فلبنان جزء لا يتجزّأ من العالم العربي، وثمة مصير واحد يجمع المسيحيين والمسلمين في لبنان وبلدان المنطقة، وثقافة عربية واحدة أسهم في وضعها إسهاماً كبيراً مسيحيو لبنان والبلدان العربية. ويخلص الإرشاد الرسولي إلى القول: "ولعلّ الحوار والتعاون في لبنان يؤدّي إلى ما يماثله في البلدان الأخرى، ويبلغ إلى تطوير شعوبها إنسانياً وأخلاقياً وتعايشاً"الفقرة 93
ولكن ينبغي على السلطة السياسية في لبنان أن تحافظ على العمود الفقري الذي يؤمّن الكيان اللبناني وحضوره الفاعل في مجتمعه وموقعه المتوسطي، أعني نموَّه الاقتصادي. فيجب الخروج من التجاذبات السياسية وجعل العمل السياسي في خدمة الملفات الاقتصادية والاجتماعية، واستكمال خطوة تصحيح الأجور بخطة الإنماء الاقتصادي الذي يزيد من مناعة الاقتصاد الوطني. فمن الضرورة الأخذ بتوصيات الهيئات الاقتصادية والنقابية، نذكر من بينها: المجلس الاقتصادي الاجتماعي، وتطبيق مشروع الشراكة بين القطاعَين العام والخاص، وإصلاح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتحفيز القطاعات الانتاجية مع الحماية الجمركية ودعم الفيول والمازوت، وتنظيم النقل العام، ورسم خطّة لتحفيز الاستثمارات واستقطاب رؤوس الاموال. فالموضوع الاقتصادي – الاجتماعي هو الذي يجعل لبنان في كيانه وبما له من رسالة "أن يكون أو لا يكون"، في خضمّ الأزمة الاقتصادية العالمية والظروف الاقليمية الصعبة والارتفاع المستمر لأسعار النفط(راجع ورقة رئيس تجمّع الصناعيين، نعمت فرام
إنّ التضامن مع العالم العربي المحيط ليس دعوة جديدة، بل كان موجوداً، لكنّه تعثّر بشكل ملحوظ بسبب أحداث إقليمية وداخلية، شكّل عنصرها المشترك التدخّل الخارجي في الشؤون اللبنانية، الذي شطر اللبنانيين إلى فريقَين متنازعَين، وعطّل الحوار، وخلق دويلات ومربعات أمنية. نأمل أن يُدرِك اللبنانيون أهمية وحدتهم والقيمة المُضافة التي يُقدّمها لبنان في محيطه العربي وفي علاقته مع العالم الغربي
بالعودة إلى كلمة الربّ يسوع في إنجيل اليوم: "عليكم أن تولدوا من جديد"، فإنّها تدعو المسيحيين بحكم معموديتهم إلى الإلتزام "بالخلق الجديد" الذي تمّ فيهم، لكي يكونوا في لبنان والعالم العربي عامل سلام وتقارب وتفاهم. إنّ عمل الروح القدس الذي يحقّق الولادة الجديدة بالمعمودية، إنّما يرافق حياة كلّ مؤمن ومؤمنة، ويُنعش حياتهم، ويهبّ كالريح حيثما يشاء. فيا ربّ، أفض علينا روحك القدّوس، ليجدِّدنا من الداخل ويجعلنا صانعي تجديد. لك المجد والشكر، أيّها الآب والإبن والروح القدس الآن وإلى الأبد، آمين
ولادة الانسان الجديدة، تنبثق من موت المسيح وقيامته مثلما تولد السنبلة من حبة القمح التي تموت في الأرض، حسب التشبيه الذي أعطاه الربّ يسوع: "حبة الحنطة إذا وقعت في الأرض وماتت، أتَتْ بثمر كثير"(يو12: 24). وكما ولادة الإنسان الأولى هي ثمرة حبّ أبيه وأمّه، كذلك الولادة الثانية هي ثمرة حبّ الله المتجلّي في موت يسوع على الصليب: "هكذا أحبّ الله العالم، حتى جاد بابنه الوحيد، لكي لا يهلك أيّ مؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية"(يو3: 16). بالولادة الأولى، الإنسان جسدي، وبالثانية روحاني. لكن الإرشاد الرسولي "رجاء جديد للبنان"، ينبّه "أنّ المسيحيين لا يمتلكون في ذلك حياتَين متوازيتَين: حياة مسمّاة روحية لها قيَمها ومقتضياتها، وحياة يقال لها علمانيّة أو جسديّة لها قيَم مختلفة عن الأولى أو مضادّة لها"(الفقرة 112). وكأنّ بإمكانهم الإختيار بينهما أو الإلتزام بواحدة دون الأخرى. بل ينبغي أن تسمو الحياة الجسدية الى قيَم الروح. القديس بولس الرسول يتكلّم عن "الإنسان العتيق"(افسس4: 22) الذي يحيا حياة الجسد، وثمارها: العداوة والخصومة والإنقسام والغضب والحسد والدعارة والسكر؛ وعن "الإنسان الجديد"(افسس4: 22) الذي يحيا حياة الروح وثمارها: المحبة والفرح والسلام والصبر واللطف والأمانة والتواضع غلا5: 19-23
من ثمار الولادة الجديدة أن يبلغ المؤمن الى كمال الإنسانية لكي يبثَّ الروح المسيحية في الشؤون الزمنية، في الحياة العائلية والحياة الإجتماعية والنشاطات العامة: الإقتصاد والتجارة والسياسة والتشريع والإدارة والقضاء وسواها. فالبشرى الإنجيلية تنير جميع شؤون العالم، من أجل بناء أسرة بشرية سعيدة، وتوفير الحياة لها بوفرة(رجاء جديد للبنان، فقرة 112
ولأنّ الولادة الجديدة تغيّر الإنسان بقوّة نعمة المسيح وفعل الروح القدس، فإنّه يصبح فاعل التغيير، وقادراً على أن يغلب كلّ انحراف وانقسام وشرّ فيه وفي خارجه. ولذلك يجب على كل واحد منا أن يلتمس الإيمان بيسوع المسيح وبقدرة نعمته على تغييرنا. ونلتمسه بلسان الأبرص: "يا ربّ إن شئتَ، أنت قادر أن تطهّرني"(مر1: 40)، وبتوسّل أعمى أريحا: "يا معلّم، اجعلني ابصر"(مر11: 51)، وبتشفّع قائد المئة: "قلْ كلمة واحدة فيبرأ خادمي"لو7: 8
إننا نواصل صلاتنا مع الكنيسة جمعاء من أجل وحدة الكنائس ووحدة المسيحيين، ونحن في أسبوع الصلاة المحدّد ما بين 18 و 25 كانون الثاني الجاري. موضوع هذا الأسبوع كلمة بولس الرسول: "كلّنا سنتغيّر بغلبة ربنا يسوع المسيح"(1كور15: 51 و57). هذا يعني أنّ البلوغ إلى الوحدة المسيحية يقتضي التغيير، بقوّة نعمة المسيح، في النظرة والرأي والمسلك وأشكال الحياة التي تعوّدنا عليها. ومن المعلوم أنّ التغيير الأساسي بدأ فينا بالمعمودية والميرون، ويتواصل بتناول جسد الربّ ودمه. يذكّرنا بولس الرسول أننا خلعنا الإنسان العتيق، ولبسنا الإنسان الجديد(افسس4: 22-24). ويقول لنا في موضع آخر: "أنتم الذين اعتمدتم بالمسيح، قد لبستم المسيح"غل3: 27
إنّ الغَلَبة بالمسيح لا تتمّ بقوّة السلاح والمال والسلطة، بل بقوّة المحبة المتفانية، والخدمة المجرّدة، والصفح الغافر، ومقاومة الشرّ بالخير. المسيحيون مدعوون لإحراز الغلبة الحقيقية بالإنتصار على الأنانية والمصالح الرخيصة، وعلى الغرائز والإنحرافات الأخلاقية؛ وبانتصار الوحدة على الإنقسام، والحلول الحبّية والشريفة على الخلافات، سواء في العائلة أم في المجتمع، في الكنيسة أم في الدولة. إنّه انتصار الشركة والمحبة
في ضوء كلّ ذلك تتوضّح رسالة الكنيسة والمسيحيين في لبنان والعالم العربي، وقد توسّع فيها الإرشاد الرسولي: "رجاء جديد للبنان". وأكّد البابا الطوباوي يوحنا بولس الثاني "أنّ الرجاء بمستقبل أفضل للبنان مرتبط مباشرة بوحدة المسيحيين فيما بينهم، وبإعادة بناء لبنان مادّياً وروحيا،ً بمشاركة الجميع، مسيحيين ومسلمين وموحّدين دروز"(الفقرة 2). واعتبر باقتناع كبير أنّ للبنان رسالة نموذجية يهديها للشرق كما للغرب، لأنّه صاحب حضارة ثمينة، وهو أرض مقدسة، ومجتمع تعددي
إنّه إحدى منائر حوض البحر المتوسط، ومنه انطلقت بدايات الكتابة، وهو بحكم موقعه الجغرافي منفتح على أفكار الحداثة، وجسر ثقافي وإنساني بين الشرق والغرب، وحضارته مزيج من الثقافتَين المسيحية والإسلامية. بانتماء لبنان إلى الاتحاد المتوسطي وانفتاحه على الشراكة الاوروبية يؤهّلانه للدخول في سياسية التعاون الاقتصادي والثقافي والبحري والاخلاقي، وللعب دورٍ في نشر ثقافة الاعتدال والتسامح والحوار ورفض كل اشكال الإرهاب والعنف والتطرّف، وفي جعل أوروبا أكثر ارتباطاً بالعالم العربي روجيه ديب، لبنان المستقر، ص 110
أرض لبنان مقدسة وقد وطئتها أقدام المسيح والعذراء مريم والرسل القديسون، وأغنتها تقاليد دينية متعددة، وأنجبت قديسين أمثال شربل ورفقا ونعمة الله ويعقوب واسطفان(الفقرتان 1و122). وهو مجتمعٌ تعدّدي. على هذا الأساس، ينبغي على الطوائف المكوِّنة للنسيج اللبناني أن تُشكِّلَ قوةَ المُعزِّزة والمدافِعة عن القيَم الروحية والأخلاقية والإنسانية، وأن تكون كل طائفة ذات قيمة مُضافة مُتخصِّصة لبناء المجتمع اللبناني، وبهذا تجعل لبنان ذا قيمة مُضافة في محيطه العربي. هذا يقتضي من الطوائف اللبنانية مساعدة المواطن المُنتمي إليها أن يكون مواطناً في لبنان لا مواطناً في طائفته، وأن يكون لبنانياً أولاً وآخِراً بفضل قيمة طائفته المتخصِّصة والمُضافة. إن البطريركية المارونية مُلتزمة بهذا الخط الرامي دائماً إلى جعل لبنان تعددياً منفتحاً ، وحيادياً، غير منخرط في محاور أو أحلاف أقليمية ودولية، ومُلتزماً قضايا السلام والعدالة والعيش المشترك، وبلداً ديموقراطياً منفتحاً على الشرق والغرب في حوارٍ مع الثقافات والديانات، ورافضاً أن يكون أرض الحديد والنار(المرجع نفسه، ص 54-59؛ رجاء جديد للبنان، فقرة 98 و 119
إنّ الكنيسة ملتزمة برسالة لبنان التي يدعو إليها الإرشاد الرسولي، وهي تعزيز الحوار المسيحي - الإسلامي، وتوطيد العيش الواحد، وبناء المجتمع على أساس السلام والمصالحة، والعمل على تغيير الذهنيات من أجل إنماء الأخوّة والتضامن وتحقيق مجتمع أكثر قابلية للعيش معاً(الفقرة 89). هذه الرسالة تدعو إلى التضامن مع العالم العربي، كأمر حتمي مكمِّل للحوار والتعاون بين المسيحيين والمسلمين في لبنان
فلبنان جزء لا يتجزّأ من العالم العربي، وثمة مصير واحد يجمع المسيحيين والمسلمين في لبنان وبلدان المنطقة، وثقافة عربية واحدة أسهم في وضعها إسهاماً كبيراً مسيحيو لبنان والبلدان العربية. ويخلص الإرشاد الرسولي إلى القول: "ولعلّ الحوار والتعاون في لبنان يؤدّي إلى ما يماثله في البلدان الأخرى، ويبلغ إلى تطوير شعوبها إنسانياً وأخلاقياً وتعايشاً"الفقرة 93
ولكن ينبغي على السلطة السياسية في لبنان أن تحافظ على العمود الفقري الذي يؤمّن الكيان اللبناني وحضوره الفاعل في مجتمعه وموقعه المتوسطي، أعني نموَّه الاقتصادي. فيجب الخروج من التجاذبات السياسية وجعل العمل السياسي في خدمة الملفات الاقتصادية والاجتماعية، واستكمال خطوة تصحيح الأجور بخطة الإنماء الاقتصادي الذي يزيد من مناعة الاقتصاد الوطني. فمن الضرورة الأخذ بتوصيات الهيئات الاقتصادية والنقابية، نذكر من بينها: المجلس الاقتصادي الاجتماعي، وتطبيق مشروع الشراكة بين القطاعَين العام والخاص، وإصلاح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتحفيز القطاعات الانتاجية مع الحماية الجمركية ودعم الفيول والمازوت، وتنظيم النقل العام، ورسم خطّة لتحفيز الاستثمارات واستقطاب رؤوس الاموال. فالموضوع الاقتصادي – الاجتماعي هو الذي يجعل لبنان في كيانه وبما له من رسالة "أن يكون أو لا يكون"، في خضمّ الأزمة الاقتصادية العالمية والظروف الاقليمية الصعبة والارتفاع المستمر لأسعار النفط(راجع ورقة رئيس تجمّع الصناعيين، نعمت فرام
إنّ التضامن مع العالم العربي المحيط ليس دعوة جديدة، بل كان موجوداً، لكنّه تعثّر بشكل ملحوظ بسبب أحداث إقليمية وداخلية، شكّل عنصرها المشترك التدخّل الخارجي في الشؤون اللبنانية، الذي شطر اللبنانيين إلى فريقَين متنازعَين، وعطّل الحوار، وخلق دويلات ومربعات أمنية. نأمل أن يُدرِك اللبنانيون أهمية وحدتهم والقيمة المُضافة التي يُقدّمها لبنان في محيطه العربي وفي علاقته مع العالم الغربي
بالعودة إلى كلمة الربّ يسوع في إنجيل اليوم: "عليكم أن تولدوا من جديد"، فإنّها تدعو المسيحيين بحكم معموديتهم إلى الإلتزام "بالخلق الجديد" الذي تمّ فيهم، لكي يكونوا في لبنان والعالم العربي عامل سلام وتقارب وتفاهم. إنّ عمل الروح القدس الذي يحقّق الولادة الجديدة بالمعمودية، إنّما يرافق حياة كلّ مؤمن ومؤمنة، ويُنعش حياتهم، ويهبّ كالريح حيثما يشاء. فيا ربّ، أفض علينا روحك القدّوس، ليجدِّدنا من الداخل ويجعلنا صانعي تجديد. لك المجد والشكر، أيّها الآب والإبن والروح القدس الآن وإلى الأبد، آمين