أحد البيان ليوسف
عندما أدرك يوسف سرّ حبل مريم، وظنّ أن لا مكان له ولا دور في تصميم الله الجديد، قرّر فكّ رابطة الخطبة الزواجية بمريم. لكنّ الله، الذي يسهر على مسار تاريخ البشر الخلاصي، كشف له في الحلم بواسطة الملاك تدبير الله بشأن مريم والطفل وبشأنه هو. فقام، مثل مريم يوم البشاره، بأهمّ فعل طاعة إيمانية، إذ" لمّا قام من النوم، فعل كما أمره ملاك الرب، وأخذ امرأته ولم يعرفها، فولدت إبنها البكر، وسمّاه يسوع"متى 25:1
1. يوسف أمثولة لنا في قبول إرادة الله التي تغيّر مشاريع حياتنا، وفقاً لتصميمه الخلاصي، والتي تكمّل هذه المشاريع بإنفتاحها على أبعاد جديدة
كان يوسف قد عقد خطبة على مريم، وفقاً للتقليد القديم، وهو أنّ الخطبة عقد زواج، لكنّ العروس لا تنتقل إلى بيت عريسها للمساكنة إلّا بعد فترة تمتدّ وفقاً للظروف. كانت لمريم بين الخطبة والإنتقال بشارة الملاك بأنّها ستحبل بابن الله بقوة الروح القدس، فأجابت "نعم" معلنةً طاعة الإيمان، ومكرّسة ذاتها بكلّيتها للإبن الإلهي الذي سيولد منها. واضطرّت إلى الذهاب، حالاً بعد البشارة، إلى بلدة عين كارم، البعيدة عن الناصرة، لتخدم اليصابات نسيبتها المسنّة، التي أنعم عليها الله بثمرة البنين، وهي في شهرها السادس
لمّا عادت مريم إلى الناصرة بعد ثلاثة أشهر، وقد حان وقت انتقالها إلى بيت زوجها يوسف، وهي حامل، حار يوسف بالأمر. وراح يتساءل عن معنى زواجه، وعن دوره ومكانه في تصميم الله الجديد. واعتقد أنّه خارج هذا التصميم. ففكّر بفكّ الرابطة الزواجية من دون أن يسبّب لمريم أيّ انتهاك لكرامتها أو تعريضها لأيّ مأخذ أو إجراء قانوني، حسب الشريعة القديمة، فقرَّر فكّ هذا الرباط سرّاً، بعيداً عن القضاء
2. وقبل أن يعمد إلى تنفيذ قراره، تدخّل الله، فتراءى ليوسف ملاك الربّ في الحلم، وكشف له كلّ السرّ الذي يختصّ بمريم والطفل وبه. كشف له أنّ مريمحبلى، بقوّة الروح القدس، بابن اللهالذي سيخلّص شعبه من خطاياهم، وأنّه هو أبوهبالشريعة الزوجية، وعليه أن يعطيه اسم "يسوع"، وأن ينقل مريم امرأته ومولودها إلى بيته، للإعتناء بهما كزوج وأب. والتزم يوسف البار البتوليّة، مثل مريم، حتّى لقّبته الكنيسة بالبتول. وهذا ما كشفه متى الإنجيلي بقوله: "أخذ امرأته ولم يعرفها فولدت إبناً وسمّاه يسوع". وإذا بالبتولَين اللذين عاشا حبّهما الزوجي والوالدي بالطهارة الكاملة، قد أصبحا نموذجاً لكل المكرَّسين والمكرَّسات الذين يعيشون الحب الطاهر البتولي، ويتكرّسون، مثل يوسف ومريم، نفساً وجسداً، عقلاً وقلباً، لخدمة سرّ المسيح الخلاصي، وللشهادة لمحبّته في مساحات العائلة البشريّة الواسعة
3. ما أجملها أمثولة في كيف ننفتح في حياتنا العائليّة والإجتماعيّة، كما وفي حياتنا الكنسيّة والوطنيّة، لتصميم الله علينا، لكوننا معاونين له في بناء التاريخ. فالله هو سيّد التاريخ، وقد وضع له نظاماً يبقى خاضعاً له بكلّيته، وبتصرّفه، وهو يسوس القلوب والأحداث وفقاً لمشيئته (كتاب التعليم المسيحي، 269). فلا بدّ من تعزيز ثقتنا بالله وبعنايته، ورفع الصلاة بالمزمور 22: "أنت يا ربّ من البطن أخرجتني، وعلى ثديي أمّي طمأنتني. أنت من بطن أمّي إلهي، فلا تتباعد عني"(مزمور10:22-12). إنّ الله هو العلّة الأولى الفاعلة في التاريخ، والإنسان كلّ إنسان هو العلّة الثانية، بحيث إنّه يفعل بالإتكال على ما يوحيه الله في كتبه المقدسة وتعليم الكنيسة وصوت الضمير
4. وعلى مستوى الحياة العامّة في الأوطان، ينبغي على السلطة السياسيّة أن تحترم النظام الذي وضعه الله ليعيش الناس في سلام. وقد دعا الله المسؤولين السياسيين "للقضاء بالبرّ للشعب والإنصاف للضعفاء"(مزمور72: 2)، وأنذرهم بلسان الأنبياء على تقصيرهم وظلمهم للشعب: "ويل للذين يشترعون فرائض للإثم والظلم، ليسلبوا حقّ ضعفاء شعبي"(أشعيا1:10-2). وذكّرهم بولس الرسول أنّهم "خدّام الله للشعب وللخير"(روم13: 4). وتدعوهم الكنيسة إلى ممارسة سلطتهم ضمن حدود النظام الأخلاقي الذي رتّبه الله، بحيث يكون المقياسَ في عملهم وتدابيرهم وإجراءاتهم إحترامُ الشخص البشري، ونموُّه بكلّ أبعاده الروحيّة والإنسانيّة والثفافيّة والإقتصاديّة، وتوفيرُ السلام والعدالة والاستقرار الامني شرعة العمل السياسي، ص 6-7
هذا الامر لا يمكن أن يتحقّق اذا لم يتماسك أهل الحكم فيما بينهم بالثقة والتشاور المخلص والاعتبار المتبادل لكل واحد في موقعه ومسؤولياته. فمن واجبهم، وهم المؤتمنون على الخير العام في البلاد، الذي منه خير كل إنسان وكل الانسان، أن يشكّلوا قوة وِفاقية تنتهج خطاباً سياسياً يحترم الآخر، ويتقبّل اختلافه، ولا يصنّفه في خانة الأعداء؛ خطاباً يعتبر البحثَ عن المصلحة العامة قيمةً وطنية وفرديّة؛ خطاباً يقدّم مشروع حلٍّ للأزمات، لا تأجيجاً للخلافات؛ خطاباً يوحي بالغفران والمصالحة. ومعروف أن المصالحة بين المعنيين بالشأن العام هي نقطة الانطلاق نحو مستقبل جديد أفضل. فمع المصالحة تنتهي حرب المصالح الشخصيّة التي هي أخطر من الحرب المسلّحة. وبالمصالحة تخمد الخلافات، وتزول العداوات، وتتبدّل الذهنيّات شرعة العمل السياسي، ص 21
5. لقد نبّهنا مع إخواننا السادة المطارنة في بيان اجتماعنا الشهري منذ ثلاثة أيام، الى القلق الذي يساور اللبنانيين، من جراء "ما يحدث عندنا على الصعيد الامني، مثل التفجيرات والسرقات والاعتداءات على حياة المواطنين الأبرياء، وكأن لبنان لا حرمة له". وإذا بتفجيرٍ شرير يستهدف، أول من أمس، كتيبة فرنسية عاملة من ضمن القوات الدولية لحفظ السلام – اليونيفل- في الجنوب، يوقع جرحى، ولولا عناية الله، لكانت الكارثة أكبر وأشرّ. إننا نَدين أشدّ الإدانة هذا الإعتداء الذي هو أيضاً وبخاصّة اعتداء على السلام، وعلى التضحيات التي يبذلها جنود هذه القوات الدولية، وعلى كرامة فرنسا والبلدان المشاركة، لا بل إعتداءٌ على كرامة لبنان. ونعربُ عن شكرنا لحكوماتهم التي، بالرغم من كل شيء، تلتزم مجدّداً قضية حفظ السلام في الجنوب بالتعاون الكامل مع الجيش اللبناني
لقد آن الأوان لأن يحزم الحكم عندنا أمره، ويتحمّل مسؤولية أمن المواطنين عامة وقوات حفظ السلام الدولية بخاصة. ونجدّد في الوقت عينه نداءنا الى المسؤولين السياسيين في لبنان الى العمل الجدّي على جمع السلاح وحصره بالقوى الشرعيّة اللبنانيّة، وإخضاع كل المهام الدفاعيّة والامنيّة لقرار السلطة السياسية. لم يعد مقبولاً على الإطلاق أن يظلَّ أمن البلاد رهينةً في أيدي أحد، تحت أي شعار أو ادّعاء
6. في تذكار البيان ليوسف، وعبر مسيرتنا نحو ميلاد الكلمة الالهي، نصلّي لكي يفتح الروح القدس أذهاننا، وأذهان جميع الناس، وبخاصّة المسؤولين عن الشأن العام، فنصغي لكلام الله، ونستنير به في قراراتنا وأفعالنا، وندرك بذلك أننا نعاون الله في تحقيق تصميمه الخلاصي، الذي منه السلام لكل إنسان وشعب، لمجده تعالى وخير البشريّة جمعاء، له المجد الى الأبد، آمين
1. يوسف أمثولة لنا في قبول إرادة الله التي تغيّر مشاريع حياتنا، وفقاً لتصميمه الخلاصي، والتي تكمّل هذه المشاريع بإنفتاحها على أبعاد جديدة
كان يوسف قد عقد خطبة على مريم، وفقاً للتقليد القديم، وهو أنّ الخطبة عقد زواج، لكنّ العروس لا تنتقل إلى بيت عريسها للمساكنة إلّا بعد فترة تمتدّ وفقاً للظروف. كانت لمريم بين الخطبة والإنتقال بشارة الملاك بأنّها ستحبل بابن الله بقوة الروح القدس، فأجابت "نعم" معلنةً طاعة الإيمان، ومكرّسة ذاتها بكلّيتها للإبن الإلهي الذي سيولد منها. واضطرّت إلى الذهاب، حالاً بعد البشارة، إلى بلدة عين كارم، البعيدة عن الناصرة، لتخدم اليصابات نسيبتها المسنّة، التي أنعم عليها الله بثمرة البنين، وهي في شهرها السادس
لمّا عادت مريم إلى الناصرة بعد ثلاثة أشهر، وقد حان وقت انتقالها إلى بيت زوجها يوسف، وهي حامل، حار يوسف بالأمر. وراح يتساءل عن معنى زواجه، وعن دوره ومكانه في تصميم الله الجديد. واعتقد أنّه خارج هذا التصميم. ففكّر بفكّ الرابطة الزواجية من دون أن يسبّب لمريم أيّ انتهاك لكرامتها أو تعريضها لأيّ مأخذ أو إجراء قانوني، حسب الشريعة القديمة، فقرَّر فكّ هذا الرباط سرّاً، بعيداً عن القضاء
2. وقبل أن يعمد إلى تنفيذ قراره، تدخّل الله، فتراءى ليوسف ملاك الربّ في الحلم، وكشف له كلّ السرّ الذي يختصّ بمريم والطفل وبه. كشف له أنّ مريمحبلى، بقوّة الروح القدس، بابن اللهالذي سيخلّص شعبه من خطاياهم، وأنّه هو أبوهبالشريعة الزوجية، وعليه أن يعطيه اسم "يسوع"، وأن ينقل مريم امرأته ومولودها إلى بيته، للإعتناء بهما كزوج وأب. والتزم يوسف البار البتوليّة، مثل مريم، حتّى لقّبته الكنيسة بالبتول. وهذا ما كشفه متى الإنجيلي بقوله: "أخذ امرأته ولم يعرفها فولدت إبناً وسمّاه يسوع". وإذا بالبتولَين اللذين عاشا حبّهما الزوجي والوالدي بالطهارة الكاملة، قد أصبحا نموذجاً لكل المكرَّسين والمكرَّسات الذين يعيشون الحب الطاهر البتولي، ويتكرّسون، مثل يوسف ومريم، نفساً وجسداً، عقلاً وقلباً، لخدمة سرّ المسيح الخلاصي، وللشهادة لمحبّته في مساحات العائلة البشريّة الواسعة
3. ما أجملها أمثولة في كيف ننفتح في حياتنا العائليّة والإجتماعيّة، كما وفي حياتنا الكنسيّة والوطنيّة، لتصميم الله علينا، لكوننا معاونين له في بناء التاريخ. فالله هو سيّد التاريخ، وقد وضع له نظاماً يبقى خاضعاً له بكلّيته، وبتصرّفه، وهو يسوس القلوب والأحداث وفقاً لمشيئته (كتاب التعليم المسيحي، 269). فلا بدّ من تعزيز ثقتنا بالله وبعنايته، ورفع الصلاة بالمزمور 22: "أنت يا ربّ من البطن أخرجتني، وعلى ثديي أمّي طمأنتني. أنت من بطن أمّي إلهي، فلا تتباعد عني"(مزمور10:22-12). إنّ الله هو العلّة الأولى الفاعلة في التاريخ، والإنسان كلّ إنسان هو العلّة الثانية، بحيث إنّه يفعل بالإتكال على ما يوحيه الله في كتبه المقدسة وتعليم الكنيسة وصوت الضمير
4. وعلى مستوى الحياة العامّة في الأوطان، ينبغي على السلطة السياسيّة أن تحترم النظام الذي وضعه الله ليعيش الناس في سلام. وقد دعا الله المسؤولين السياسيين "للقضاء بالبرّ للشعب والإنصاف للضعفاء"(مزمور72: 2)، وأنذرهم بلسان الأنبياء على تقصيرهم وظلمهم للشعب: "ويل للذين يشترعون فرائض للإثم والظلم، ليسلبوا حقّ ضعفاء شعبي"(أشعيا1:10-2). وذكّرهم بولس الرسول أنّهم "خدّام الله للشعب وللخير"(روم13: 4). وتدعوهم الكنيسة إلى ممارسة سلطتهم ضمن حدود النظام الأخلاقي الذي رتّبه الله، بحيث يكون المقياسَ في عملهم وتدابيرهم وإجراءاتهم إحترامُ الشخص البشري، ونموُّه بكلّ أبعاده الروحيّة والإنسانيّة والثفافيّة والإقتصاديّة، وتوفيرُ السلام والعدالة والاستقرار الامني شرعة العمل السياسي، ص 6-7
هذا الامر لا يمكن أن يتحقّق اذا لم يتماسك أهل الحكم فيما بينهم بالثقة والتشاور المخلص والاعتبار المتبادل لكل واحد في موقعه ومسؤولياته. فمن واجبهم، وهم المؤتمنون على الخير العام في البلاد، الذي منه خير كل إنسان وكل الانسان، أن يشكّلوا قوة وِفاقية تنتهج خطاباً سياسياً يحترم الآخر، ويتقبّل اختلافه، ولا يصنّفه في خانة الأعداء؛ خطاباً يعتبر البحثَ عن المصلحة العامة قيمةً وطنية وفرديّة؛ خطاباً يقدّم مشروع حلٍّ للأزمات، لا تأجيجاً للخلافات؛ خطاباً يوحي بالغفران والمصالحة. ومعروف أن المصالحة بين المعنيين بالشأن العام هي نقطة الانطلاق نحو مستقبل جديد أفضل. فمع المصالحة تنتهي حرب المصالح الشخصيّة التي هي أخطر من الحرب المسلّحة. وبالمصالحة تخمد الخلافات، وتزول العداوات، وتتبدّل الذهنيّات شرعة العمل السياسي، ص 21
5. لقد نبّهنا مع إخواننا السادة المطارنة في بيان اجتماعنا الشهري منذ ثلاثة أيام، الى القلق الذي يساور اللبنانيين، من جراء "ما يحدث عندنا على الصعيد الامني، مثل التفجيرات والسرقات والاعتداءات على حياة المواطنين الأبرياء، وكأن لبنان لا حرمة له". وإذا بتفجيرٍ شرير يستهدف، أول من أمس، كتيبة فرنسية عاملة من ضمن القوات الدولية لحفظ السلام – اليونيفل- في الجنوب، يوقع جرحى، ولولا عناية الله، لكانت الكارثة أكبر وأشرّ. إننا نَدين أشدّ الإدانة هذا الإعتداء الذي هو أيضاً وبخاصّة اعتداء على السلام، وعلى التضحيات التي يبذلها جنود هذه القوات الدولية، وعلى كرامة فرنسا والبلدان المشاركة، لا بل إعتداءٌ على كرامة لبنان. ونعربُ عن شكرنا لحكوماتهم التي، بالرغم من كل شيء، تلتزم مجدّداً قضية حفظ السلام في الجنوب بالتعاون الكامل مع الجيش اللبناني
لقد آن الأوان لأن يحزم الحكم عندنا أمره، ويتحمّل مسؤولية أمن المواطنين عامة وقوات حفظ السلام الدولية بخاصة. ونجدّد في الوقت عينه نداءنا الى المسؤولين السياسيين في لبنان الى العمل الجدّي على جمع السلاح وحصره بالقوى الشرعيّة اللبنانيّة، وإخضاع كل المهام الدفاعيّة والامنيّة لقرار السلطة السياسية. لم يعد مقبولاً على الإطلاق أن يظلَّ أمن البلاد رهينةً في أيدي أحد، تحت أي شعار أو ادّعاء
6. في تذكار البيان ليوسف، وعبر مسيرتنا نحو ميلاد الكلمة الالهي، نصلّي لكي يفتح الروح القدس أذهاننا، وأذهان جميع الناس، وبخاصّة المسؤولين عن الشأن العام، فنصغي لكلام الله، ونستنير به في قراراتنا وأفعالنا، وندرك بذلك أننا نعاون الله في تحقيق تصميمه الخلاصي، الذي منه السلام لكل إنسان وشعب، لمجده تعالى وخير البشريّة جمعاء، له المجد الى الأبد، آمين