تابوت العهد | |
File Size: | 117 kb |
File Type: | rtf |
تابوت العهد في الكتاب المقدس
سأقوم ببحثي هذا بتسليط الضوء على "تابوت العهد" في الكتاب المقدس منطلقًا من مقدمة، ومن ثم أنَّه علامة حضور الله بعمله، وثانيًا علامة حضور الله بكلمته، وثالثًا تابوت العهد في رجاء اسرائيل وفي العهد الجديد
مقدمة
يتجلى حضور الله وسط إسرائيل بطرق مختلفة، وكان تابوت العهد إحدى العلامات الظاهرة لهذا الحضور على وجهين: في علبة من خشب أبعادها 125×75×75 سنتيمرًا، صنعها موسى بأمر من الله[1] فيها الكلمات العشر المكتوبة بأصبع الله على الحجر[2]، هذه العلبة مصنوعة من خشب السّنط ومغطَّاة بصفيحة ذهبيَّة من داخل ومن خارج، أي "الكفَّارة"، وفوقها الكاروبين، هي عرش الله أو موطئ قدميه[3]، وهكذا نرى أن يهوه الجالس فوق الكاروبين يحمي كلمته تحت قدميه
يوجد على كل من جانبي التابوت حلقتان من ذهب لعصوي التَّابوت المصفَّحتين بالذَّهب لحمل التَّابوت. وكان المنوط بحراسته وحمله بنو فهات من اللاويين[4]. يحتوي تابوت العهد على وعاء المنّ، وعصا هارون التي أفرخت، ولوحا العهد، ثم وضع بجانبه كتاب التوراة[5]. يسمى التابوت أحيانًا تابوت الشهادة[6
كان في أيام العبور إذا ما رحل العبرانيون في البريَّة أن التَّابوت يحمل أمام الشَّعب ويتقدّمه عمود السَّحاب نهارًا وعمود النَّار ليلاً. وكان إذا حمل التَّابوت يقول "قم يا رب فلتتبدد أعداؤك ويهرب مبغضوك من أمامك" وإذا حل التَّابوت يقول أيضًا "إرجع يا رب إلى ربوات ألوف إسرائيل"[7]. وعندما عبر العبرانيون الأردنّ حمل التَّابوت أمامهم إلى السَّماء فانشقَّ تيَّار النَّهر فوقفت المياه المنحدرة من فوق وعبر الشَّعب على اليابسة[8
أمَّا التَّابوت فإنه يفقد أهميته، فلا نعود نسمع عنه شيئًا في الكتاب المقدَّس ولا شك أنه يختفي مع الهيكل أثناء السَّبي. ويبدو أنَّه عند تشييد الهكيل الثَّاني تحلّ الكفَّارة محل التَّابوت في العبادة. بالتَّابوت يظهر إله العهد أنَّه حاضر وسط شعبه، يرشدهم، ويحميهم، ويعرّفهم كلمته، ويسمع صلواتهم
أولاً: الله حاضر بعمله
التَّابوت يجسّم حضور الله الفعّال أثناء الخروج وفتح أرض الميعاد. فإن أقدم ما ذكر عنه[9]يظهر الله نفسه وهو يقود تنقُّل شعبه في البرية. وكان تنقّل التابوت يقترن بنشيد حربي[10]: فهو شعار للحرب المقدسة، يشهد باشتراك الله "صاحب الحروب" الباسل[11]بنصيبه في تتميم الوعد، أي عبور الأردنّ، والاستيلاء على أريحا، ومحاربة الفلسطينيين. وفي مقدس شيلو يظهر التعبير "رب الجنود" مقترنًا بالتَّابوت[12]. من هذا التاريخ الحربي يحتفظ التابوت بصفة مقدسة رهيبة ونافعة في الوقت نفسه. وأخذ الناس يمثلونه بالله، ويعطونه اسمه، لإنَّه "مجد اسرائيل" و"قوة عزيز يعقوب"، وحضور الله القدوس بين شعبه. وبينما يتمثل فيه شرط قداسة كل من يقترب منه[13
يبلغ تاريخ التابوت قمته وغايته عندما يأمر داود بحمله بمظهر العلنية وسط فرح الشعب إلى أورشليم[14]، حيث يجد مكان راحته[15]وحيث يقيمه سليمان نهائياً في الهيكل[16]. إلى ذلك الوقت كان التابوت المتنقل بنوع ما تحت تصرف الأسباط. وبعد نبوءة ناثان[17]ينتقل العهد إلى عشيرة داود الذي يوحّد الشعب: فسترث أورشليم والهيكل المميِّزات الخاصَّة بتابوت العهد
ثانيًا: الله حاضر بكلمته
التَّابوت هو أيضًا مكان كلمة الله. أولاً لأنَّه يحوي لوحي الشَّريعة، فيخلِّد في إسرائيل "الشَّهادة الَّتي يعطيها الله عن نفسه، والوحي الذي يوحي به مشيئته"[18]. "تابوت العهد" و"تابوت الشَّهادة" تعبيران يدلاّن على التابوت في علاقته بقواعد العهد المنقوشة على اللوحين. والتي تربط فيما بين الطرفين (الله والشعب). والتابوت هو، على وجه ما امتداد للقاء الله مع شعبه، الذي تم عند جبل سيناء. وعليه فكلّما أراد موسى، أثناء تطواف إسرائيل في البرية، أن يستشير الرَّب، ليتلقى منه أيَّة كلمة للشَّعب[19] أو بالعكس. أو كلما أراد أن يصلي من أجل الشعب[20]، فإنه كان يدخل الخباء، فيكلّمه الرب من فوق التابوت "كما يكلم المرء صاحبه". بعد ذلك سيصرّح عاموس أن تعليمه آت من التَّابوت، بمثابة سيناء جديدة[21] وخلال صلاته أمام التابوت يتلقى إشعيا دعوته كنبي[22
يلتقي المؤمن بالله "أمام" تابوت العهد، إمَّا ليسمع كلمته أُسوة بصموئيل[23]، وإما لاستشارته عن طريق وساطة الكهنة وهم حرّاس الشريعة ومفسروها[24]، وإما للصلاة إليه أسوة بحنّة[25]، أو داود[26]. وهذا النوع من التقوى نحو التابوت سينتقل هو أيضًا إلى الهيكل
ثالثاً: تابوت العهد في رجاء اسرائيل وفي العهد الجديد
طلب إرميا من الشَّعب إلاَّ يتأسَّف لإختفاء التَّابوت، لأنَّ أورشليم الجديدة، وقد صارت مركز الأمم، ستكون هي نفسها عرش الله[27]. وفي نظام العهد الجديد ستُنقش الشريعة في القلوب[28]. ويستخدم حزقيال الوصف نفسه للتابوت، فهو مقرّ الله المتنقل، حيث يبين أن "المجد" يهجر الهيكل المدنّس لكي يلحق بالمسبيين. فإن الله سيكون حاضرًا من ذلك الوقت في البقيَّة الباقية، أي الجماعة المقدَّسة[29]. ويبدو أن اليهود كانوا يرجون عودة ظهور التابوت في نهاية الأيام[30]. وهذا ما يورده كتاب الرؤيا[31]. ويبين العهد الجديد أن التابوت قد حقق إتمامه في المسيح، كلمة الله، الذي يسكن بين البشر[32]، ويعمل من أجل خلاصهم[33]، جاعلاً نفسه مرشدًا لهم[34]، وقد أصبح الكفارة الحقيقية[35
المراجع
عبد الله بطرس (الدّكتور)، 1971.قاموس الكتاب المقدَّس، بيروت: مجمع الكنائس في الشَّرق الأدنى
مجموعة من الاختصاصييِّن، 1986.ط2:معجم اللآهوت الكتابي، دار المشرق: لبنان
[1] (خر 25: 10)
[2] (تثنية 10: 1-5)
[3] (مزمور 131: 7، أيام 28: 2)
[4] (عد 3: 29-31)
[5] ( تث 31: 26 )
[6] (خر 25: 16 و 40: 21 )
[7] ( عد 10: 33-36 )
[8] (يش 3: 14-17)
[9] (عدد 10: 33)
[10] (1 صموئيل 4: 5)
[11] (خروج 15: 3)
[12] (1 صموئيل 1: 3، 4: 4، 2 صموئيل 6: 2)
[13] (1 صموئيل 6: 19- 20، 2 صموئيل 6: 1- 11)
[14] (2 صموئيل 6: 12- 19)
[15] (مزمور 132)
[16] (1ملوك8)
[17] (2 صموئيل 7)
[18] (خروج 31: 18)
[19] (خروج 25: 22)
[20] (عدد 14)
[21] (عاموس1: 2)
[22] (إشعيا 6)
[23] (1 صموئيل 3)
[24] (تثنية 31: 9- 11، 33: 10)
[25] (1 صموئيل 1: 9)
[26] (2 صموئيل 7: 8)
[27] (إرميا 3: 16- 17)
[28] (إر31: 31- 34)
[29] (حزقيال 9 إلى 11)
[30] (2 مكابيين2: 4-8)
[31] (رؤيا 11: 19)
[32] (يوحنا 1: 14، كولسي 2: 9)
[33] (1 تسالونيكي 2: 13)
[34] (يوحنا 8: 12)
[35] (رومة 3: 25)
سأقوم ببحثي هذا بتسليط الضوء على "تابوت العهد" في الكتاب المقدس منطلقًا من مقدمة، ومن ثم أنَّه علامة حضور الله بعمله، وثانيًا علامة حضور الله بكلمته، وثالثًا تابوت العهد في رجاء اسرائيل وفي العهد الجديد
مقدمة
يتجلى حضور الله وسط إسرائيل بطرق مختلفة، وكان تابوت العهد إحدى العلامات الظاهرة لهذا الحضور على وجهين: في علبة من خشب أبعادها 125×75×75 سنتيمرًا، صنعها موسى بأمر من الله[1] فيها الكلمات العشر المكتوبة بأصبع الله على الحجر[2]، هذه العلبة مصنوعة من خشب السّنط ومغطَّاة بصفيحة ذهبيَّة من داخل ومن خارج، أي "الكفَّارة"، وفوقها الكاروبين، هي عرش الله أو موطئ قدميه[3]، وهكذا نرى أن يهوه الجالس فوق الكاروبين يحمي كلمته تحت قدميه
يوجد على كل من جانبي التابوت حلقتان من ذهب لعصوي التَّابوت المصفَّحتين بالذَّهب لحمل التَّابوت. وكان المنوط بحراسته وحمله بنو فهات من اللاويين[4]. يحتوي تابوت العهد على وعاء المنّ، وعصا هارون التي أفرخت، ولوحا العهد، ثم وضع بجانبه كتاب التوراة[5]. يسمى التابوت أحيانًا تابوت الشهادة[6
كان في أيام العبور إذا ما رحل العبرانيون في البريَّة أن التَّابوت يحمل أمام الشَّعب ويتقدّمه عمود السَّحاب نهارًا وعمود النَّار ليلاً. وكان إذا حمل التَّابوت يقول "قم يا رب فلتتبدد أعداؤك ويهرب مبغضوك من أمامك" وإذا حل التَّابوت يقول أيضًا "إرجع يا رب إلى ربوات ألوف إسرائيل"[7]. وعندما عبر العبرانيون الأردنّ حمل التَّابوت أمامهم إلى السَّماء فانشقَّ تيَّار النَّهر فوقفت المياه المنحدرة من فوق وعبر الشَّعب على اليابسة[8
أمَّا التَّابوت فإنه يفقد أهميته، فلا نعود نسمع عنه شيئًا في الكتاب المقدَّس ولا شك أنه يختفي مع الهيكل أثناء السَّبي. ويبدو أنَّه عند تشييد الهكيل الثَّاني تحلّ الكفَّارة محل التَّابوت في العبادة. بالتَّابوت يظهر إله العهد أنَّه حاضر وسط شعبه، يرشدهم، ويحميهم، ويعرّفهم كلمته، ويسمع صلواتهم
أولاً: الله حاضر بعمله
التَّابوت يجسّم حضور الله الفعّال أثناء الخروج وفتح أرض الميعاد. فإن أقدم ما ذكر عنه[9]يظهر الله نفسه وهو يقود تنقُّل شعبه في البرية. وكان تنقّل التابوت يقترن بنشيد حربي[10]: فهو شعار للحرب المقدسة، يشهد باشتراك الله "صاحب الحروب" الباسل[11]بنصيبه في تتميم الوعد، أي عبور الأردنّ، والاستيلاء على أريحا، ومحاربة الفلسطينيين. وفي مقدس شيلو يظهر التعبير "رب الجنود" مقترنًا بالتَّابوت[12]. من هذا التاريخ الحربي يحتفظ التابوت بصفة مقدسة رهيبة ونافعة في الوقت نفسه. وأخذ الناس يمثلونه بالله، ويعطونه اسمه، لإنَّه "مجد اسرائيل" و"قوة عزيز يعقوب"، وحضور الله القدوس بين شعبه. وبينما يتمثل فيه شرط قداسة كل من يقترب منه[13
يبلغ تاريخ التابوت قمته وغايته عندما يأمر داود بحمله بمظهر العلنية وسط فرح الشعب إلى أورشليم[14]، حيث يجد مكان راحته[15]وحيث يقيمه سليمان نهائياً في الهيكل[16]. إلى ذلك الوقت كان التابوت المتنقل بنوع ما تحت تصرف الأسباط. وبعد نبوءة ناثان[17]ينتقل العهد إلى عشيرة داود الذي يوحّد الشعب: فسترث أورشليم والهيكل المميِّزات الخاصَّة بتابوت العهد
ثانيًا: الله حاضر بكلمته
التَّابوت هو أيضًا مكان كلمة الله. أولاً لأنَّه يحوي لوحي الشَّريعة، فيخلِّد في إسرائيل "الشَّهادة الَّتي يعطيها الله عن نفسه، والوحي الذي يوحي به مشيئته"[18]. "تابوت العهد" و"تابوت الشَّهادة" تعبيران يدلاّن على التابوت في علاقته بقواعد العهد المنقوشة على اللوحين. والتي تربط فيما بين الطرفين (الله والشعب). والتابوت هو، على وجه ما امتداد للقاء الله مع شعبه، الذي تم عند جبل سيناء. وعليه فكلّما أراد موسى، أثناء تطواف إسرائيل في البرية، أن يستشير الرَّب، ليتلقى منه أيَّة كلمة للشَّعب[19] أو بالعكس. أو كلما أراد أن يصلي من أجل الشعب[20]، فإنه كان يدخل الخباء، فيكلّمه الرب من فوق التابوت "كما يكلم المرء صاحبه". بعد ذلك سيصرّح عاموس أن تعليمه آت من التَّابوت، بمثابة سيناء جديدة[21] وخلال صلاته أمام التابوت يتلقى إشعيا دعوته كنبي[22
يلتقي المؤمن بالله "أمام" تابوت العهد، إمَّا ليسمع كلمته أُسوة بصموئيل[23]، وإما لاستشارته عن طريق وساطة الكهنة وهم حرّاس الشريعة ومفسروها[24]، وإما للصلاة إليه أسوة بحنّة[25]، أو داود[26]. وهذا النوع من التقوى نحو التابوت سينتقل هو أيضًا إلى الهيكل
ثالثاً: تابوت العهد في رجاء اسرائيل وفي العهد الجديد
طلب إرميا من الشَّعب إلاَّ يتأسَّف لإختفاء التَّابوت، لأنَّ أورشليم الجديدة، وقد صارت مركز الأمم، ستكون هي نفسها عرش الله[27]. وفي نظام العهد الجديد ستُنقش الشريعة في القلوب[28]. ويستخدم حزقيال الوصف نفسه للتابوت، فهو مقرّ الله المتنقل، حيث يبين أن "المجد" يهجر الهيكل المدنّس لكي يلحق بالمسبيين. فإن الله سيكون حاضرًا من ذلك الوقت في البقيَّة الباقية، أي الجماعة المقدَّسة[29]. ويبدو أن اليهود كانوا يرجون عودة ظهور التابوت في نهاية الأيام[30]. وهذا ما يورده كتاب الرؤيا[31]. ويبين العهد الجديد أن التابوت قد حقق إتمامه في المسيح، كلمة الله، الذي يسكن بين البشر[32]، ويعمل من أجل خلاصهم[33]، جاعلاً نفسه مرشدًا لهم[34]، وقد أصبح الكفارة الحقيقية[35
المراجع
عبد الله بطرس (الدّكتور)، 1971.قاموس الكتاب المقدَّس، بيروت: مجمع الكنائس في الشَّرق الأدنى
مجموعة من الاختصاصييِّن، 1986.ط2:معجم اللآهوت الكتابي، دار المشرق: لبنان
[1] (خر 25: 10)
[2] (تثنية 10: 1-5)
[3] (مزمور 131: 7، أيام 28: 2)
[4] (عد 3: 29-31)
[5] ( تث 31: 26 )
[6] (خر 25: 16 و 40: 21 )
[7] ( عد 10: 33-36 )
[8] (يش 3: 14-17)
[9] (عدد 10: 33)
[10] (1 صموئيل 4: 5)
[11] (خروج 15: 3)
[12] (1 صموئيل 1: 3، 4: 4، 2 صموئيل 6: 2)
[13] (1 صموئيل 6: 19- 20، 2 صموئيل 6: 1- 11)
[14] (2 صموئيل 6: 12- 19)
[15] (مزمور 132)
[16] (1ملوك8)
[17] (2 صموئيل 7)
[18] (خروج 31: 18)
[19] (خروج 25: 22)
[20] (عدد 14)
[21] (عاموس1: 2)
[22] (إشعيا 6)
[23] (1 صموئيل 3)
[24] (تثنية 31: 9- 11، 33: 10)
[25] (1 صموئيل 1: 9)
[26] (2 صموئيل 7: 8)
[27] (إرميا 3: 16- 17)
[28] (إر31: 31- 34)
[29] (حزقيال 9 إلى 11)
[30] (2 مكابيين2: 4-8)
[31] (رؤيا 11: 19)
[32] (يوحنا 1: 14، كولسي 2: 9)
[33] (1 تسالونيكي 2: 13)
[34] (يوحنا 8: 12)
[35] (رومة 3: 25)