"أُدخلْ مخدَعَكَ، وصلِّ"
"أُدخلْ مخدَعَكَ، وأغلقْ بابك، وصلِّ إلى أبيك في الخفية" متَّى 6:6
هذه هي دعوة السَّيِّد المسيح يوجِّهها لتلاميذه. وبها أتوجَّه إلى أبناء وبنات كنيستي الرُّوميَّة الملَكيَّة الكاثوليكيَّة، في مطلع الصِّيام الأربعيني الكبير المبارك. إنَّه يفتح لنا أبوابًا واسعة، كما نصلِّي في النشيد الذي نترنَّم به في صلاة سَحَر آحاد الصَّوم:"إفتحْ لي أبوابَ التَّوبة يا واهبَ الحياة. لأنَّ روحي تُبكِّرُ إلى هيكلِكَ المقدَّس. حاملةً هيكلَ جسدي مُدنَّسًا بجملتهِ. لكن بما أنَّكَ مُتعطِّف. نقِّني بتحُّننِ مراحمِكَ"
هذه الدَّعوة هي واحدةٌ من الدَّعوات الكثيرة التي وجَّهها السَّيِّد المسيح إلى تلاميذه في ذلك الزَّمان. واليوم يوجِّهُها إلينا في هذا الزَّمن المقبول زمن الخلاص، داعيًا إيَّانا إلى التعمُّق في حياتنا الرُّوحيَّة
وتلبيةً لهذه الدَّعوة كان الرُّهبان يتركون أديارهم يوم الإثنين مطلع الصَّوم (ويسمَّى لذلك إثنين الرَّاهب) وينزحون إلى القفار للصَّلاة والخلوة
أنقل بعض الآيات والمواقف من الكتاب المقدَّس كمدخل لرسالتي ولكي تكون موضوع تأمُّل روحيّ في أيام الصَّوم الأربعيني المبارك
- "وقام قبل الفجر مبكِّرًا، فخرج وذهب إلى مكان قفرٍ وأخذ يصلِّي هناك" مرقس 35:1
- "هلمُّوا إلى مكانٍ قفرٍ واستريحوا قليلاً" مرقس 31:6
- "وكانت مريم تحفظ هذا الكلام وتعيهِ في قلبها" لوقا 19:2
- "وذهب إلى الجبل ليصلِّي. فقضى ليله كلَّه في الصَّلاة" لوقا 12:6
- "واتَّفق أنَّه كان يصلِّي في عزلةٍ وتلاميذه معه" لوقا 18:9
- "وفيما هو (يسوع) يصلِّي تغيَّر وجهه" لوقا 29:9
- "ونأتي إليه ونجعل عنده مقامنا" يوحنَّا 23:14
- "المرأة الخاطئة تُقبِّل بصمتٍ قدَمَي السَّيِّد" لوقا 7: 37- 38
- "جمالُ ابنة الملك من الدَّاخل" مزمور 13:45
- "مَن لي بجناحَين كالحمامة، فأطيرَ وأستريح" المزمور6:55
- "إيليَّا يرى الله ويسمعُه في النَّسيم الخفيف وليس في العاصفة" الملوك الأوَّل 12:19
- "يونان في جوفِ الحوت يكتشف دعوة الله!" يونان 2: 7و9
- "أسمعُ ما ينطق فيَّ الرَّبُّ الإله، لأنَّه ينطق بالسَّلام لشعبه" المزمور 84
- "آتي إليهم وأسكن فيما بينهم. وأكون لهم إلهًا ويكونون لي شعبًا" حزقيال 27:37
وهل ننسى الدَّعوات الملحَّة إلى الهدوء والخلوة والصَّمت في صلواتنا؟
وهذه بعضها
- "ليصمُتْ كلُّ جسدٍ بشريّ..." سبت النُّور
- "لنطرحنَّ كلَّ اهتمامٍ دنيويّ"
- "لنقفْ بخوفٍ وورع..."
- "الحكمة، فلنصغِ"
وهذه وصيَّة القدِّيس باسيليوس للكاهن أثناء الاحتفال باللِّيترجيَّة الإلهيَّة، وهي معبِّرةٌ جدًّا، وهذه مقاطع منها
أيُّها الكاهن
إسعَ أن تعمل بحرصٍ وأمانة مفصِّلاً كلمة الحقِّ بإحكام
لا تقف للخدمة وفي نفسك حقدٌ على أحد، فيفرَّ المعزِّي بعيدًا
لا تَدِنْ ولا تخاصمْ أحدًا يوم الخدمة، بل كُنْ مواظبًا في الكنيسة على الصَّلاة والقراءة حتَّى يحين وقت الاحتفال بالأسرار الإلهيَّة
قفْ أمام المذبح المقدَّس بقلبٍ متخشِّعٍ نقيّ، ولا تلتفت البتَّة إلى هذه الجهة أو تلك، بل بالحريِّ انتصب بخوفٍ ورعدةٍ أمام الملك السَّماوي
ونحبُّ أن نُشير إلى أهمِّيَّة حركات الجسد والتوجيهات العمليَّة في هذه التعابير. مثل ذلك الدَّعوة إلى الهدوء في الصَّلوات ونبرة الصَّوت وترنيم الرِّسالة والإنجيل بطريقةٍ تأمُّليَّةٍ خاشعة. وعبارة "فلنصْغِ" التي تتردَّد تكرارًا في كلِّ الصَّلوات وفي كلِّ الطُّقوس. ونشير أيضًا إلى الصَّلوات المدعوَّة "سرِّيَّة" فهي لا ترنَّم بل تُقال بصوتٍ ناعم تأمُّليّ... ويليها الإعلان بصوتٍ جهير
كما نحبُّ أن نُشدِّد على أهمِّيَّة التأمُّل والخلوة والرِّياضات الرُّوحيَّة الصَّامتة... واللُّجوء إلى الأديار أيَّام الصَّوم لأجل التأمُّل والخلوة والصَّلاة اللِّيترجيَّة الجماعيَّة والفرديَّة
كما نُشير إلى أهمِّيَّة قراءة كلمة الله على انفراد وفي الجماعات والمشاركة الإنجيليَّة حولها بهدوء. وهذا هو موضوع التوصيتَين 2 و 3 من توصيات السِّينودس لأجل الشرق الأوسط. وهذا نصَّهما
"إنَّ كلمة الله هي روح الخِدَم الرَّاعويَّة وأساسها. نتمنَّى أن تمتلك كلُّ أسرةٍ الكتاب المقدَّس"
"يشجِّع آباء السِّينودس على المثابرة اليوميَّة على قراءة كلمة الله والتأمُّل فيها، ولا سيَّما القراءة الرَّبِّيَّة، وعلى خلق موقعٍ بيبليٍّ على الأنترنت، يضع بتصرُّف المؤمنين شروحات وتفاسير كاثوليكيَّة، وعلى إعداد كتيِّب يُقدِّم للكتاب المقدَّس في عهدَيه القديم والجديد، وعلى وضع منهجيَّةٍ سهلة لقراءة الكتاب المقدَّس"
"ويُشجِّعون أيضًا الأبرشيَّات والرَّعايا على تنظيم دوراتٍ بيبليَّة لشرح كلمة الله والتأمُّل فيها، حتى تتسنَّى الإجابة على أسئلة المؤمنين، لخلق جوٍّ من الألفة مع الكتاب المقدَّس، والتعمُّق في روحانيَّة الكتاب المقدَّس، والالتزام في العمل الرَّسوليّ"
ومن المهمِّ أيضًا تربية الشبيبة بخاصَّةٍ على الصَّمت والهدوء في المخيَّمات وفي أوقاتٍ محدَّدة... التخفيف من الموسيقى الصَّاخبة في اجتماعات النشاطات الكنسيَّة، ووضع موسيقى ناعمة تأمُّليَّة. وأهمِّيَّة التقشُّف... والنُّسك... والإماتة اليوميَّة
وهذا كفيلٌ بأن يقود المسيحيّ إلى خبرةٍ روحيَّةٍ داخليَّة (ميستيك) التي تساعد كثيرًا على النُّضوج المسيحيّ والنموِّ الرُّوحيّ
القانونُ الكنسيّ يوصي طلَّاب الكهنوت، داعيًا إيَّاهم إلى الأُلفة مع المسيح والتأمُّل بكلمة الله، والإرشاد الرُّوحيّ، وأن يعيشوا في حياةٍ حميميَّةٍ مع المسيح، ويُشدِّد على فحص الضَّمير، وروح الصَّلاة، والخلوة الرُّوحيَّة
وهناك توصياتٌ أخرى تدعو إلى الحياة الرُّوحيَّة لدى الإكليريكيِّين أي الرُّهبان والكهنة والشمامسة (القانون 346). ولكن هذه التوصيات يمكن أن يقوم بها العلمانيُّون المؤمنون والمؤمنات. وليست محصورةً بالكهنة والرُّهبان والرَّاهبات. وبهذه المناسبة نجدِّد الأمنية الغالية على قلبنا، أن تخصِّص كلّ رهبانيَّة رجاليَّة ونسائيَّة ديرًا من أديارها أو مركزًا من مراكزها لأجل توفير المناخ الملائم للرِّياضات الرُّوحيَّة، من حيث الإرشاد والصَّلوات الطَّقسيَّة التي تُقام فيها على أصولها مع اللِّيترجيَّة الإلهيَّة، وفرص الإرشاد والاعتراف وحفلات التوبة والمواعظ المناسبة. ولهذا ننصح الجميع بعمل رياضةٍ روحيَّةٍ شخصيَّة، أيَّام الصَّوم الأربعيني المقدَّس
إنَّ الحياة الرُّوحيَّة التي نُدعى إليها أثناء الصَّوم المبارك، وإلى تكثيفها وتعميقها، هي الكفيلة بالتغلُّب على الآفات العصريَّة التي أشارت إليها الوثيقة المدخليَّة الأولى لسينودس تشرين الأوَّل 2012 وعنوانه وموضوعه:"بشرى الإنجيل المتجدِّدة" حيث نقرأ
"إنَّ سمات الفهم العلماني للحياة طَبعت بطابعها التصرُّفَ اليوميَّ للعديد من المسيحيين الذين يظهرون متأثِّرين – حتَّى لا نقول أسرى – بثقافة الصُّورة، بأشكالها الأكثر تطرُّفًا وتناقضًا. وقد خلقت الذِّهنيَّة ااـــمُتَعيَّة والاستهلاكيَّة المسيطرة فيهم ميلاً نحو السَّطحيَّة والأنانيَّة التي من الصَّعب مقاومتها. "فموت الله" الذي كان عددٌ من المثقَّفين يبشِّرون به في العقود الأخيرة، أخلى السَّاحة لعقيدةٍ عقيمةٍ تدور حول الفرد. وهناك خطرٌ حقيقيٌّ يُهدِّد بفقدان العناصر الأساسيّة للإيمان، ممَّا سيؤدِّي إمَّا إلى السُّقوط في ضمورٍ روحيٍّ وفراغٍ في القلب. أو على العكس، إلى السُّقوط فريسةَ أشكالٍ تعويضيَّةٍ للانتماء الدِّينيّ، أو روحانيَّةٍ غامضة. وفي إطار هكذا سيناريو، يقدِّم التبشيرُ الجديد نفسه على شكل تشجيعٍ تحتاجه الجماعات الكنسيَّة المتعَبة، لإعادة اكتشاف الفرح المسيحيّ، واستعادة الدِّفءِ السَّابق (رؤيا 2/4) والحرِّيَّة في البحث عن الحقيقة"
قداسة البابا بندكتوس السَّادس عشر يدعو في رسائله وخطاباته وأثناء الاحتفال بالقدَّاس الإلهيّ مع الآلاف من المؤمنين، يدعو إلى الصَّمت بعد تلاوة الإنجيل وبعد سماع العظة، وبعد المناولة المقدَّسة
يا ليتنا ندخل نحن أيضًا الصَّمت ولو لدقائق معدودة، أثناء الاحتفال بليترجيَّة القدَّاس الإلهي، وبالصَّلوات والرُّتَب والأسرار، وأيضًا أثناء اجتماع مختلف النشاطات والمجالس في الرَّعايا. وبحيث نتأمَّل بكلمة الله ونتبادل الاعتبارات والخبرات الرُّوحيَّة بشأنها، من خلال مشاركةٍ روحيَّة، يكون فيها إغناءٌ متبادلٌ بين الحاضرين والمشاركين
أجل نحن بحاجةٍ إلى الذَّهاب إلى العُمق! نحن بحاجةٍ إلى الدُّخول إلى أعماق نفوسنا، إلى هيكلنا الدَّاخليّ، إلى معبدنا الدَّاخليّ... نحن بحاجةٍ إلى الهدوء والسَّكينة والتأمُّل والصَّمت والإصغاء. هذا ما أشرتُ إليه في مقدِّمة كرَّاس "إبتهالاتٌ مشرقيَّة" المحتوي على مختارات من صلوات زمن الصَّوم المبارك وقد ورد فيه
إنَّ الصَّلوات في هذا الكتيِّب ترشدنا إلى طريق التوبة الجسديَّة، وهي الصَّوم والقطاعة والإماتة. وإلى طرق التوبة الرُّوحيَّة التي يوحي لنا بها ضميرنا المستنير بالرُّوح القدس السَّاكن فينا. وهي تقديس الذَّات بالصَّلاة والتنقية بالتوبة والاعتراف والرُّقيّ الرُّوحيّ إلى الله، والاتِّحاد به، ومحبَّة القريب وخدمته، والتقرُّب من الأسرار المقدَّسة، وممارسة فضائل الإيمان والرَّجاء والمحبَّة والصَّدَقة، وأعمال الرَّحمة الرُّوحيَّة والجسديَّة
لقد وضعنا مختارات لكلِّ أيَّام هذه المرحلة المباركة، لأيَّام الآحاد ولأيَّام الأسبوع. بحيث تكون الصَّلاة سُلَّمًا روحيَّةً نصعد بها إلى عيد القيامة المقدَّسة والفصح المجيد
هذا الكتيِّب يهدف تعميم الرُّوحانيَّة الطَّقسيَّة على نطاقٍ واسع. إنَّ المختارات الرُّوحيَّة تصلح للمطالعة الرُّوحيَّة الفرديَّة، للصَّلاة في الأسرة، في الصُّفوف المدرسيَّة، في الرِّياضات الرُّوحيَّة، في اجتماعات الشبيبة والمجالس الرَّاعويَّة، وفي مراكز الثقافة الدِّينيَّة. هذا الكرَّاس متوفِّر في المطبعة البولسيَّة، وفي البطريركيَّة في دمشق وفي الرَّبوة وعلى الموقع
إنَّ أمراضنا الرُّوحيَّة والجسديَّة تحتاج إلى الصَّوم والصَّلاة، والصِّيام وقتٌ مقبولٌ ويوم خلاص
نــــداء
في هذه الظُّروف المأساويَّة التي تعيشها بلادنا العربيَّة، وبخاصَّةٍ سوريَّة، ندعو كهنتنا وجميع المؤمنين أن يجعلوا من وقت الصِّيام الكبير، وقتًا للصَّلاة والتَّوبة والضراعة لأجل السَّلام والتضامن والوحدة والحوار والاحترام المتبادل بين جميع المواطنين. فليحفظ الرَّبُّ بلادنا العربيَّة وبخاصَّةٍ سوريَّة. والمخلِّصُ كفيلٌ بأن يجعل مرحلة الصَّوم الكبير طريقًا يقودنا إلى الفرح الحقيقيّ، فرح القيامة والحياة.
فلا نصلِّ أيُّها الإخوة فريسيًّا. لأنَّ كلَّ من رفع نفسه اتضع، فلنتَّضِعْ أمام الله صارخين بالصَّيام عشَّاريًّا. أللَّهُمَّ اغفر لنا نحن الخطأة
مع محبَّتي وبرَكَتي ودعائي
+ غريغوريوس الثَّالث
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والاسكندريَّة وأورشليم للرُّوم الملَكيِّين الكاثوليك
هذه هي دعوة السَّيِّد المسيح يوجِّهها لتلاميذه. وبها أتوجَّه إلى أبناء وبنات كنيستي الرُّوميَّة الملَكيَّة الكاثوليكيَّة، في مطلع الصِّيام الأربعيني الكبير المبارك. إنَّه يفتح لنا أبوابًا واسعة، كما نصلِّي في النشيد الذي نترنَّم به في صلاة سَحَر آحاد الصَّوم:"إفتحْ لي أبوابَ التَّوبة يا واهبَ الحياة. لأنَّ روحي تُبكِّرُ إلى هيكلِكَ المقدَّس. حاملةً هيكلَ جسدي مُدنَّسًا بجملتهِ. لكن بما أنَّكَ مُتعطِّف. نقِّني بتحُّننِ مراحمِكَ"
هذه الدَّعوة هي واحدةٌ من الدَّعوات الكثيرة التي وجَّهها السَّيِّد المسيح إلى تلاميذه في ذلك الزَّمان. واليوم يوجِّهُها إلينا في هذا الزَّمن المقبول زمن الخلاص، داعيًا إيَّانا إلى التعمُّق في حياتنا الرُّوحيَّة
وتلبيةً لهذه الدَّعوة كان الرُّهبان يتركون أديارهم يوم الإثنين مطلع الصَّوم (ويسمَّى لذلك إثنين الرَّاهب) وينزحون إلى القفار للصَّلاة والخلوة
أنقل بعض الآيات والمواقف من الكتاب المقدَّس كمدخل لرسالتي ولكي تكون موضوع تأمُّل روحيّ في أيام الصَّوم الأربعيني المبارك
- "وقام قبل الفجر مبكِّرًا، فخرج وذهب إلى مكان قفرٍ وأخذ يصلِّي هناك" مرقس 35:1
- "هلمُّوا إلى مكانٍ قفرٍ واستريحوا قليلاً" مرقس 31:6
- "وكانت مريم تحفظ هذا الكلام وتعيهِ في قلبها" لوقا 19:2
- "وذهب إلى الجبل ليصلِّي. فقضى ليله كلَّه في الصَّلاة" لوقا 12:6
- "واتَّفق أنَّه كان يصلِّي في عزلةٍ وتلاميذه معه" لوقا 18:9
- "وفيما هو (يسوع) يصلِّي تغيَّر وجهه" لوقا 29:9
- "ونأتي إليه ونجعل عنده مقامنا" يوحنَّا 23:14
- "المرأة الخاطئة تُقبِّل بصمتٍ قدَمَي السَّيِّد" لوقا 7: 37- 38
- "جمالُ ابنة الملك من الدَّاخل" مزمور 13:45
- "مَن لي بجناحَين كالحمامة، فأطيرَ وأستريح" المزمور6:55
- "إيليَّا يرى الله ويسمعُه في النَّسيم الخفيف وليس في العاصفة" الملوك الأوَّل 12:19
- "يونان في جوفِ الحوت يكتشف دعوة الله!" يونان 2: 7و9
- "أسمعُ ما ينطق فيَّ الرَّبُّ الإله، لأنَّه ينطق بالسَّلام لشعبه" المزمور 84
- "آتي إليهم وأسكن فيما بينهم. وأكون لهم إلهًا ويكونون لي شعبًا" حزقيال 27:37
وهل ننسى الدَّعوات الملحَّة إلى الهدوء والخلوة والصَّمت في صلواتنا؟
وهذه بعضها
- "ليصمُتْ كلُّ جسدٍ بشريّ..." سبت النُّور
- "لنطرحنَّ كلَّ اهتمامٍ دنيويّ"
- "لنقفْ بخوفٍ وورع..."
- "الحكمة، فلنصغِ"
وهذه وصيَّة القدِّيس باسيليوس للكاهن أثناء الاحتفال باللِّيترجيَّة الإلهيَّة، وهي معبِّرةٌ جدًّا، وهذه مقاطع منها
أيُّها الكاهن
إسعَ أن تعمل بحرصٍ وأمانة مفصِّلاً كلمة الحقِّ بإحكام
لا تقف للخدمة وفي نفسك حقدٌ على أحد، فيفرَّ المعزِّي بعيدًا
لا تَدِنْ ولا تخاصمْ أحدًا يوم الخدمة، بل كُنْ مواظبًا في الكنيسة على الصَّلاة والقراءة حتَّى يحين وقت الاحتفال بالأسرار الإلهيَّة
قفْ أمام المذبح المقدَّس بقلبٍ متخشِّعٍ نقيّ، ولا تلتفت البتَّة إلى هذه الجهة أو تلك، بل بالحريِّ انتصب بخوفٍ ورعدةٍ أمام الملك السَّماوي
ونحبُّ أن نُشير إلى أهمِّيَّة حركات الجسد والتوجيهات العمليَّة في هذه التعابير. مثل ذلك الدَّعوة إلى الهدوء في الصَّلوات ونبرة الصَّوت وترنيم الرِّسالة والإنجيل بطريقةٍ تأمُّليَّةٍ خاشعة. وعبارة "فلنصْغِ" التي تتردَّد تكرارًا في كلِّ الصَّلوات وفي كلِّ الطُّقوس. ونشير أيضًا إلى الصَّلوات المدعوَّة "سرِّيَّة" فهي لا ترنَّم بل تُقال بصوتٍ ناعم تأمُّليّ... ويليها الإعلان بصوتٍ جهير
كما نحبُّ أن نُشدِّد على أهمِّيَّة التأمُّل والخلوة والرِّياضات الرُّوحيَّة الصَّامتة... واللُّجوء إلى الأديار أيَّام الصَّوم لأجل التأمُّل والخلوة والصَّلاة اللِّيترجيَّة الجماعيَّة والفرديَّة
كما نُشير إلى أهمِّيَّة قراءة كلمة الله على انفراد وفي الجماعات والمشاركة الإنجيليَّة حولها بهدوء. وهذا هو موضوع التوصيتَين 2 و 3 من توصيات السِّينودس لأجل الشرق الأوسط. وهذا نصَّهما
"إنَّ كلمة الله هي روح الخِدَم الرَّاعويَّة وأساسها. نتمنَّى أن تمتلك كلُّ أسرةٍ الكتاب المقدَّس"
"يشجِّع آباء السِّينودس على المثابرة اليوميَّة على قراءة كلمة الله والتأمُّل فيها، ولا سيَّما القراءة الرَّبِّيَّة، وعلى خلق موقعٍ بيبليٍّ على الأنترنت، يضع بتصرُّف المؤمنين شروحات وتفاسير كاثوليكيَّة، وعلى إعداد كتيِّب يُقدِّم للكتاب المقدَّس في عهدَيه القديم والجديد، وعلى وضع منهجيَّةٍ سهلة لقراءة الكتاب المقدَّس"
"ويُشجِّعون أيضًا الأبرشيَّات والرَّعايا على تنظيم دوراتٍ بيبليَّة لشرح كلمة الله والتأمُّل فيها، حتى تتسنَّى الإجابة على أسئلة المؤمنين، لخلق جوٍّ من الألفة مع الكتاب المقدَّس، والتعمُّق في روحانيَّة الكتاب المقدَّس، والالتزام في العمل الرَّسوليّ"
ومن المهمِّ أيضًا تربية الشبيبة بخاصَّةٍ على الصَّمت والهدوء في المخيَّمات وفي أوقاتٍ محدَّدة... التخفيف من الموسيقى الصَّاخبة في اجتماعات النشاطات الكنسيَّة، ووضع موسيقى ناعمة تأمُّليَّة. وأهمِّيَّة التقشُّف... والنُّسك... والإماتة اليوميَّة
وهذا كفيلٌ بأن يقود المسيحيّ إلى خبرةٍ روحيَّةٍ داخليَّة (ميستيك) التي تساعد كثيرًا على النُّضوج المسيحيّ والنموِّ الرُّوحيّ
القانونُ الكنسيّ يوصي طلَّاب الكهنوت، داعيًا إيَّاهم إلى الأُلفة مع المسيح والتأمُّل بكلمة الله، والإرشاد الرُّوحيّ، وأن يعيشوا في حياةٍ حميميَّةٍ مع المسيح، ويُشدِّد على فحص الضَّمير، وروح الصَّلاة، والخلوة الرُّوحيَّة
وهناك توصياتٌ أخرى تدعو إلى الحياة الرُّوحيَّة لدى الإكليريكيِّين أي الرُّهبان والكهنة والشمامسة (القانون 346). ولكن هذه التوصيات يمكن أن يقوم بها العلمانيُّون المؤمنون والمؤمنات. وليست محصورةً بالكهنة والرُّهبان والرَّاهبات. وبهذه المناسبة نجدِّد الأمنية الغالية على قلبنا، أن تخصِّص كلّ رهبانيَّة رجاليَّة ونسائيَّة ديرًا من أديارها أو مركزًا من مراكزها لأجل توفير المناخ الملائم للرِّياضات الرُّوحيَّة، من حيث الإرشاد والصَّلوات الطَّقسيَّة التي تُقام فيها على أصولها مع اللِّيترجيَّة الإلهيَّة، وفرص الإرشاد والاعتراف وحفلات التوبة والمواعظ المناسبة. ولهذا ننصح الجميع بعمل رياضةٍ روحيَّةٍ شخصيَّة، أيَّام الصَّوم الأربعيني المقدَّس
إنَّ الحياة الرُّوحيَّة التي نُدعى إليها أثناء الصَّوم المبارك، وإلى تكثيفها وتعميقها، هي الكفيلة بالتغلُّب على الآفات العصريَّة التي أشارت إليها الوثيقة المدخليَّة الأولى لسينودس تشرين الأوَّل 2012 وعنوانه وموضوعه:"بشرى الإنجيل المتجدِّدة" حيث نقرأ
"إنَّ سمات الفهم العلماني للحياة طَبعت بطابعها التصرُّفَ اليوميَّ للعديد من المسيحيين الذين يظهرون متأثِّرين – حتَّى لا نقول أسرى – بثقافة الصُّورة، بأشكالها الأكثر تطرُّفًا وتناقضًا. وقد خلقت الذِّهنيَّة ااـــمُتَعيَّة والاستهلاكيَّة المسيطرة فيهم ميلاً نحو السَّطحيَّة والأنانيَّة التي من الصَّعب مقاومتها. "فموت الله" الذي كان عددٌ من المثقَّفين يبشِّرون به في العقود الأخيرة، أخلى السَّاحة لعقيدةٍ عقيمةٍ تدور حول الفرد. وهناك خطرٌ حقيقيٌّ يُهدِّد بفقدان العناصر الأساسيّة للإيمان، ممَّا سيؤدِّي إمَّا إلى السُّقوط في ضمورٍ روحيٍّ وفراغٍ في القلب. أو على العكس، إلى السُّقوط فريسةَ أشكالٍ تعويضيَّةٍ للانتماء الدِّينيّ، أو روحانيَّةٍ غامضة. وفي إطار هكذا سيناريو، يقدِّم التبشيرُ الجديد نفسه على شكل تشجيعٍ تحتاجه الجماعات الكنسيَّة المتعَبة، لإعادة اكتشاف الفرح المسيحيّ، واستعادة الدِّفءِ السَّابق (رؤيا 2/4) والحرِّيَّة في البحث عن الحقيقة"
قداسة البابا بندكتوس السَّادس عشر يدعو في رسائله وخطاباته وأثناء الاحتفال بالقدَّاس الإلهيّ مع الآلاف من المؤمنين، يدعو إلى الصَّمت بعد تلاوة الإنجيل وبعد سماع العظة، وبعد المناولة المقدَّسة
يا ليتنا ندخل نحن أيضًا الصَّمت ولو لدقائق معدودة، أثناء الاحتفال بليترجيَّة القدَّاس الإلهي، وبالصَّلوات والرُّتَب والأسرار، وأيضًا أثناء اجتماع مختلف النشاطات والمجالس في الرَّعايا. وبحيث نتأمَّل بكلمة الله ونتبادل الاعتبارات والخبرات الرُّوحيَّة بشأنها، من خلال مشاركةٍ روحيَّة، يكون فيها إغناءٌ متبادلٌ بين الحاضرين والمشاركين
أجل نحن بحاجةٍ إلى الذَّهاب إلى العُمق! نحن بحاجةٍ إلى الدُّخول إلى أعماق نفوسنا، إلى هيكلنا الدَّاخليّ، إلى معبدنا الدَّاخليّ... نحن بحاجةٍ إلى الهدوء والسَّكينة والتأمُّل والصَّمت والإصغاء. هذا ما أشرتُ إليه في مقدِّمة كرَّاس "إبتهالاتٌ مشرقيَّة" المحتوي على مختارات من صلوات زمن الصَّوم المبارك وقد ورد فيه
إنَّ الصَّلوات في هذا الكتيِّب ترشدنا إلى طريق التوبة الجسديَّة، وهي الصَّوم والقطاعة والإماتة. وإلى طرق التوبة الرُّوحيَّة التي يوحي لنا بها ضميرنا المستنير بالرُّوح القدس السَّاكن فينا. وهي تقديس الذَّات بالصَّلاة والتنقية بالتوبة والاعتراف والرُّقيّ الرُّوحيّ إلى الله، والاتِّحاد به، ومحبَّة القريب وخدمته، والتقرُّب من الأسرار المقدَّسة، وممارسة فضائل الإيمان والرَّجاء والمحبَّة والصَّدَقة، وأعمال الرَّحمة الرُّوحيَّة والجسديَّة
لقد وضعنا مختارات لكلِّ أيَّام هذه المرحلة المباركة، لأيَّام الآحاد ولأيَّام الأسبوع. بحيث تكون الصَّلاة سُلَّمًا روحيَّةً نصعد بها إلى عيد القيامة المقدَّسة والفصح المجيد
هذا الكتيِّب يهدف تعميم الرُّوحانيَّة الطَّقسيَّة على نطاقٍ واسع. إنَّ المختارات الرُّوحيَّة تصلح للمطالعة الرُّوحيَّة الفرديَّة، للصَّلاة في الأسرة، في الصُّفوف المدرسيَّة، في الرِّياضات الرُّوحيَّة، في اجتماعات الشبيبة والمجالس الرَّاعويَّة، وفي مراكز الثقافة الدِّينيَّة. هذا الكرَّاس متوفِّر في المطبعة البولسيَّة، وفي البطريركيَّة في دمشق وفي الرَّبوة وعلى الموقع
إنَّ أمراضنا الرُّوحيَّة والجسديَّة تحتاج إلى الصَّوم والصَّلاة، والصِّيام وقتٌ مقبولٌ ويوم خلاص
نــــداء
في هذه الظُّروف المأساويَّة التي تعيشها بلادنا العربيَّة، وبخاصَّةٍ سوريَّة، ندعو كهنتنا وجميع المؤمنين أن يجعلوا من وقت الصِّيام الكبير، وقتًا للصَّلاة والتَّوبة والضراعة لأجل السَّلام والتضامن والوحدة والحوار والاحترام المتبادل بين جميع المواطنين. فليحفظ الرَّبُّ بلادنا العربيَّة وبخاصَّةٍ سوريَّة. والمخلِّصُ كفيلٌ بأن يجعل مرحلة الصَّوم الكبير طريقًا يقودنا إلى الفرح الحقيقيّ، فرح القيامة والحياة.
فلا نصلِّ أيُّها الإخوة فريسيًّا. لأنَّ كلَّ من رفع نفسه اتضع، فلنتَّضِعْ أمام الله صارخين بالصَّيام عشَّاريًّا. أللَّهُمَّ اغفر لنا نحن الخطأة
مع محبَّتي وبرَكَتي ودعائي
+ غريغوريوس الثَّالث
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والاسكندريَّة وأورشليم للرُّوم الملَكيِّين الكاثوليك