فلا خلاص بأحد غيره، لأنَّه ما من اسم آخر تحت السَّماء أُطلق على أحد النَّاس ننال به الخلاص أع4: 12
مقدِّمة
سأقوم بدراستي هذه شرح هذه الآية من خلال دراسة أولى لاهوتيَّة، ومن ثم آبائيَّة، فكتابيَّة، وأنتهي بدراسة روحيَّة
دراسة لاهوتيَّة
في العهد القديم: الاسم يعبر عن دور الكائن في العالم. يضع الله آخر لمسة لخلقه بإطلاق اسم على مخلوقاته: النهار والليل، والسماء والأرض والبحر، معيّناً كل نجم باسمه، كما أنه يكلّف آدم أن يعطي اسماً لكل من الحيوانات المخلوقة. وبدوره سيعطي النَّاس، عادة، اسماً معبراً للأماكن المرتبطة بحادث هام
أسماء الناس: الاسم المعطى عند الولادة يعبّر عادةً عن نشاط أو مصير من يحمله: كيعقوب "الذي عقب أخاه" ونابال الأحمق. ومن الممكن أن ينوّه لاسم عن ظروف الولادة أو المستقبل الذي يتصوره الأهل لأولادهم: فراحيل مثلاً، وهي على فراش الموت، تدعو ابنها "ابن ألمي". وأحياناً هو ضرب من التنبُّؤ الذي يتمنى للطفل معونة إله إسرائيل: اشعيا (يشاع- يهوا): "الربّ يخلّص". يعبّر الاسم دائماً عن رصيد المرء الاجتماعي بحيث أن "الاسم" قد يصبح كناية أيضاً عن "الشهرة". فالذي لا اسم له هو انسان تافه لا قدر له. وبالعكس إذا كان لشخص عدة أسماء، فقد يدل هذا على أهمية رجل يقوم بعدة مهام، مثل سليمان الذي سُمّي أيضاً "يديديا" أي حبيب الله. وإذا كان الاسم يعني الشخص نفسه فمن أثّر على الاسم تمكّن من السيطرة على حامله. ولذا فقد يعتبر الإحصاء ضرباً من الاستعباد للأشخاص (2 صموئيل 24). ويعتبر تغيير الاسم بمثابة فرض شخصية جديدة عليه ونوعاً من التبعية. هذا، لكي يشير الله إلى تملكّه على حياة بعض الأشخاص، يغيّر أسماءهم، كما فعل مع إبراهيم وساراي ويعقوب. وكذلك نفهم الأسماء الجديدة التي أعطاها الله لأورشليم بعد عفوه عنها، مثل مدينة العدل، "المدينة الأمينة"، مدينة الرب
أسماء الله: في جميع الشعوب، كان لاسم الإله أهمية كبرى. وعندما كان البابليون يسبغون على إلههم الأسمى "مردوك" خمسين اسماً للإقرار بانتصاره عند الخلق، كان الكنعانيون يخفون اسم آلهتهم تحت هذا الاسم العام "بعل" أي "سيد" هذا المكان أو ذاك. عند الإسرائيليين، تنازل الله نفسه فكشف عن اسمه. لم يكن إله موسى من قبل معروفاً إلاّ كإله الأجداد، إله إبراهيم واسحق ويعقوب. وعندما سأل يعقوب الملاك الذي كان يصارعه عن اسمه، أبى أن يدلي به إليه ولم يحصل أبو شمشون إلاّ على صفة لهذا الاسم هي صفة "عجيب". وكذلك للدلالة على إله إسرائيل، في أيام الآباء. ولكن في يوم ما، على جبل حوريب، أعلن الله نفسه عن اسمه لموسى. قد فهم البعض التعبير الموحى به "أنا من أنا" أو "الكائن" كأنه رفض يماثل رفض الملاك بكشف اسمه ليعقوب، لكي لا يستسلم له. إلاّ أن الكتاب المقدس قصد أن يعطي هذا التعبير مضموناً إيجابياً. ونستدل من سياق الكلام، أن مهمة هذا الاسم هي تأكيد رسالة موسى إزاء الشعب، فيقول موسى "الكائن" يرسلني إليكم وعندئذ يأتي الشعب لعبادة "الذي هو" (يهوه) على الجبل المقدس. على كل حال، يعني هذا الاسم أن الله حاضر وسط شعبه. إنه "يهوه" (الكائن
الدعاء باسم الله: أوحى الله باسمه، لكي يعبده الناس بموجب هذا الاسم الحقيقي الأصيل. ولذا سيشكّل هذا الاسم هتاف التجمع لكل الأسباط، أثناء الفتح وبعده. هذا هو اسم الإله الأحد، بحسب تعبير الأنبياء، "إني أنا هو، لم يكن إله قبلي ولا يكون بعدي. أنا أنا الرب". وهكذا سيكون هذا الاسم الوحيد الذي يجوز ذكره على شفاه إسرائيل. الاسم الوحيد الذي سيدعى به في أورشليم، عندما يجعل داود منها العاصمة الدينية، لأن "الرب اسمه الغيّور". الدعاء باسم الرب يفيد مباشرة عبادة الله والتضرع إليه: باسم الرب يدعو الشعب ويصرخ إليه ويستغيث به. ولكن إذا كان الله قد عهد إلى بني إسرائيل باسمه الخاص، فيجب على هؤلاء ألا يحلفوا باسمه باطلاً
الاسم، هو الله نفسه: يتم تطابق وثيق بين الله واسمه، لدرجة أن ذكر الاسم يشير إلى الله نفسه. فهذا الاسم هو الجدير بالمحبة، والتسبيح، والتقديس. إنه اسم رهيب، أبدي. وهو، "نظراً لاسمه العظيم"، ولأجل اسمه، يعمل لصالح إسرائيل، ومعنى هذا أنه يعمل لمجده لكي يعترف الناس بعظمته وقداسته. ولابراز سمّو الله الذي لا يُدنى منه والذي يفوق الإدراك، يكتفي اليهود باسمه للإشارة إليه وهكذا، لكي يتفادوا تحديداً لا يليق بالله. وبدافع من الاحترام المتزايد، سيصل اليهود في الفترة اللاحقة للسبي، إلى عدم التجرؤ على التلفّظ بالاسم المعلن في جبل حوريب. فأثناء القراءة، سيلفظون عوضاً عنه "ألوهيم" (الله)، وفي أكثر الأحيان، "أدوناي" (ربّي). وعلى هذا فاليهود الذين سيترجمون الكتب المقدّسة من العبرية إلى اليونانية، لن ينسخوا اسم يهوه ولكنهم يستبدلون به"KurioV" "رب": هذا اللقب الذي سيثبّته العهد الجديد
العهد الجديد
اسم الآب: في مقابل إعلان اسم الله في العهد القديم، نجد في العهد الجديد الإعلان الذي به يعرّف يسوع تلاميذه باسم أبيه. وهو إذ يظهر نفسه كابن، يكشف أن "الآب" هو الاسم الذي يعبّر عن الكيان الإلهي في أعماقه. وعلى المسيحيين واجب تسبيح اسم الله، وعليهم أيضاً أن يحرصوا على ألاّ يكون سلوكهم سبباً لأن يجدف أحد عليه
اسم يسوع: باسم يسوع، يشفي التلاميذ المرضى، ويخرجون الشياطين، ويحققون كل أنواع المعجزات. فيظهر هكذا يسوع، كما يدلّ عليه اسمه مخلصاً، معيداً الصحة لذوي العاهات، ولكن أيضاً وخاصة مانحاً الخلاص الأبدي للذين يؤمنون به
اسم الرب: لما أقام الله يسوع من الموت، وأجلسه عن يمينه، أعطاه الاسم الذي يفوق كل الأسماء، اسماً جديداً لا يتميز عن اسم الله ويشترك في سموّه. وهذا الاسم، الذي يفوق الوصف، يمكن التعبير عنه بتسمية "الرب" التي تليق بالمسيح الممجّد كما تليق بالله، وأيضاً في تسميته "الابن" التي لا يشاركه فيها بهذا المعنى أي مخلوق البتة. ولا يتردّد المسيحيون الأوّلون في أن يطلقوا على يسوع إحدى أخص التسميات اليهودية في كلامهم عن الله، فنرَى الرسل في غاية الفرح "لأنهم وُجدوا أهلاً لأن يلقوا الهوان من أجل الاسم"، كما أنه ذكر أن مبشرين "خرجوا (للرسالة) من أجل الاسم"
تهدف الكرازة الرسولية إلى نشر اسم يسوع المسيح، سيتعذّب المبشّرون من أجل هذا الاسم، وسيكون هذا لهم مصدر فرح. وكتاب الرؤيا موجّه إلى مسيحيين يتحمّلون العذاب من اجل هذا الاسم، ولكنهم يتمسكون به بقوة ولا ينكرونه. وتؤول خدمة اسم يسوع خاصة إلى بولس: فقد تسلّمها كدعوة مع ما تسببه من آلام. ومع ذلك، فهو يقوم برسالته بإقدام وعزة، لأنه كرّس حياته لاسم ربنا يسوع المسيح، وهو مستعدّ لأن يموت من أجله
يسوع المسيح مخلص البشر: بأعمال لها مغزاها أولاً يعلن يسوع عن نفسه بأنه هو المخلص. أنه يخلّص المرضى إذ يشفيهم. نتطلع إلى أبعد من الخلاص الجسدي. فيسوع يقدم للبشر خلاصا ًأعظم أهمية بكثير: فالمرأة الخاطئة تخلَص لأنه غفر لها خطاياها، والخلاص يدخل بيت زكا المعترف والتائب. فلكي ينال المرء الخلاص ينبغي إذاً أن يقبل بالإيمان إنجيل الملكوت. أما يسوع فإن هدف حياته هو الخلاص: لأنه جاء على الأرض ليبحث عن الهالك فيخلصه، ليخلص العالم، لا ليحكم عليه. وإذا ما تكلّم فليخلَص البشر. هو الباب، من يدخل منه ينال الخلاص
والشيطان قريب منهم متحفز لكل محاولة من أجل هلاكهم وهو يمنعهم من أن يخلصوا
إنجيل الخلاص: بعد القيامة وحلول الروح القدس، وفق تعاليم الكتاب المقدس. فإن الله بقيامة يسوع، أقامه "قائداً ومخلصاً. والمعجزات " التي منحها الرسل تؤيد رسالتهم. وإن كان بعض المرضى قد شفوا بفضل اسم يسوع، فذلك لأنه "ما من اسم آخر تحت السماء وُهِبَ للناصري نستطيع به أن ندرك الخلاص". ويوصف الإنجيل بأنه هو "كلمة الخلاص"، وقد وجه أولاً إلى اليهود، وبعد ذلك إلى الأمم الأخرى. ويطلب من الناس، مقابل هذا، أن يؤمنوا. وشرط الخلاص هو الإيمان بالرب يسوع، والدعاء باسمه، وعلى هذا الأساس يكون اليهود والأمم في وضع واحد. فهم لا يخلّصون أنفسهم، لكن نعمة الرب يسوع هي التي تخلصهم. إذن فالرسل يقدّمون للبشر " سبيل الخلاص " الفريد. وكان المهتدون حديثاً يدركون جيداً هذه الحقيقة، حتى إنهم اعتبروا أنفسهم البقية" التي ينبغي أن تخلص. أهمية موضوع الخلاص هذه في بداية الكرازة هي التي تفسر لماذا أراد الإنجيليان متى ولوقا أن يشدّدا على دور يسوع المستقبل كمخلّص، منذ كلامهما عن طفولته. فإنَ متى يظهر علاقة هذا الدور باسمه، الذي معناه "الرب يخلص " (متى 1: 21)، ولوقا يلقبه "بالمخلّص " (لوقا 2: 11). ويبيّن أن زكريا يرحّب ببزوغ فجر الخلاص الذي وعد به الأنبياء، وإن سمعان يحّيي ظهور ذلك الخلاص على الأرض في تطلع عالمي يشمل الكون كله. وأخيرًا تمهد كرازة يوحنا المعمدان، لسبل الربّ، بحيث إن "كل بشر يرى الخلاص الآتي من لدن الله". وإن الذكريات المحفوظة في تتابع الأناجيل لتقدّم إلينا، بطريقة إيجابية، إعلان الخلاص هذا الذي يبلغ وقته بالصليب والقيامة من الأموات
اللاهوت المسيحي في الخلاص مع أن الكتابات الرسولية تلجأ إلى عبارات متنوعة لوصف عمل يسوع الخلاصي، إلا أننا نستطيع محاولة بناء تعليم مسيحي جامع حول فكرة الخلاص
معنى حياة المسيح: "الله يريد أن يخلص جميع الناس". لأجل هذا أرسل ابنه كمخلص للعالم. ولما ظهر على الأرض إلهنا ومخلّصنا، هو الذي جاء ليخلص الخطأة، فان نعمة مخّلّصنا ومحبته ظهرتا، لأن المسيح بموته وقيامته، صار لنا " علة خلاص أبدي ". مخلصاً للجسم الذي هو الكنيسة. وهكذا نجد أن لقب "المخلص" هذا يناسب أيضا الآب. ويسوع أيضًا. وهذا هو السبب الذيَ لأجله يعد الإنجيل الذي يروي لنا كل هذه الحقائق. بمثابة "قدرة الله لخلاص كل من آمن". وإذا كرز رسول به لا يكون لديه هدف سوى خلاص البشر، سواء الوثنيون منهم أم اليهود الذين خلصت منهم بقية" على الأقل، إلى أن يخلص كل بني إسرائيل أخيراً
الاسم الذي يفوق كل إسم: وإن كان الإيمان المسيحي لا يمكنه أن يحوّل أنظاره عن يسوع وعن كل ما ينطوي عليه هذا الإسم من اتّضاع وبشريّة واقعية، فلأن هذا الإسم قد أصبح اسم الرب وأنه لا يمكن فصله بعد الآن عن " الاسم الذي يفوق جميع الأسماء"، بحيث "تجثو لاسم يسوع كل ركبة في السماء وفي الأرض وفي لجحيم". ويسوع، إذ يصبح الرب، لا يفقد اسمه، كما أنه لا يفقد إنسانيته، ولكنّ اسمه يتحوّل ويتسامى، كأنه محاط ومغمور بعظمة الاسم الذي لا يوصف وبقدرته السامية. فلا خلاص للبشرية إلا باسم يسوع وفيه تجد الكنيسة كنزها الأوحد والقدرة الوحيدة التي في متناول يديها: إن "المسيح يسوع يعافيك". وإن رسالة الكنيسة كلها، إنما تقوم على" التعليم باسم يسوع ". وهذا هو بولس الرسول، في مجامع دمشق، وفي غداة اهتدائه "يكرز بيسوع"، وفي ساحة مدينة أثينا،"يبشّر بيسوع وبالقيامة"، وفي كورنتس ينادي "بيسوع المسيح المصلوب". إن كل جوهر المسيحية يكمن في تكريس الحياة المسيحية " لاسم ربنا يسوع المسيح. وأعظم فرح يشعر به المسيحي هو أن يُعدَّ " أهلاً لأن يلقى الهوان" وأن " يموت لاسم الرب يسوع
دراسة آبائيَّة
وقف الجليلي الأمِّيّ يدعو رجال العلم والمعرفة الدينية والسلطة إلى التوبة والتمتع بالخلاص. رفعهم الرسول بطرس من الانشغال بشفاء الكسيح إلى شفاء نفوسهم العاجزة عن العبور إلى السماء، أو خلاصها لتتمتع بالمجد المُعد للمؤمنين. هذا الذي شفي الكسيح هو طبيب النفوس والأجساد، باسمه وحده ينعم الإنسان بالخلاص. ليس من وجهٍ للمقارنة بين الأسماء التي عرفوها واعتزوا بها مثل إبراهيم أب الآباء أو موسى مستلم الشريعة أو أحد الأنبياء، فإنه ليس أحد منهم قادرًا أن يخلص النفوس من الفساد وينعم عليها بالمجد، إنما اسم ذاك الذي رفضوه واحتقروه وقتلوه. القديس أمبروسيوس
قدم لهم الرسول جوهر الإيمان، وهو أن الخلاص لا يتحقق بحرفية الناموس، وإنما بالإيمان باسم يسوع المسيح، أي بالقادر وحده أن يخلص: يمحو الخطايا، ويهب البرّ، يحول آلام الضيق إلى بهجة قيامة، يرفع القلب إلى السماء، ليتذوق المؤمن عربون الأبدية. يحطم متاريس الهاوية، ويفتح أمامنا أحضان الآب السماوي، لنتمتع بالاتحاد معه. القديس أمبروسيوس
"ليس اسم آخر": لا يعني الرسول تجاهل اسم الله الآب، لكن بذل الآب ابنه الوحيد ليهب الخلاص خلال اسم ابنه، فمن يدعو اسم الابن الوحيد إنما يدعو الثالوث القدوس، حيث لا انفصال بين الأقانيم، بل توجد وحدة عمل. الشهيد كبريانوس
"قد أُعطي": هذا الاسم أو شخص ربنا يسوع المسيح أُعطي لنا مجانًا، أو كما يقول الرسول: "فشكرًا لله على عطيته التي لا يُعبر عنها" (٢ كو ٩: ١٥). الشهيد كبريانوس
أنصت إلى المخلص: أنا جددتك، يا من وُلدت في العالم بالشقاء للموت. لقد حررتك، وشفيتك وخلصتك. سأهبك الحياة التي بلا نهاية، السرمدية، الفائقة للطبيعة. سأريك وجه الله الآب الصالح. الشهيد كبريانوس
أني أحثك على الخلاص، هذا ما يشتهيه المسيح. الشهيد كبريانوس
سخي هو ذاك الذي يهبنا أعظم كل العطايا، حياته ذاتها. الشهيد كبريانوس
من هو؟ تعلموا باختصار، إنه كلمة الحق، كلمة عدم الفساد، الذي يجدد الإنسان إذ يرده إلى الحق. إنه المهماز الذي يحث على الخلاص. هو محطم الهلاك، وطارد الموت. أنه يبني هيكل اللّه في الناس، فيأخذهم للّه مسكنًا له. الشهيد كبريانوس
يحتاج المرضى إلى مخلص، ويحتاج الضالون إلى مرشد، يحتاج العميان إلى من يقودهم إلى النور، والعطاش إلى الينبوع الحيَّ الذي من يشرب منه لا يعطش أبدًا والموتى إلى الحياة، والخراف إلى راعى، والأبناء إلى معلم؛ تحتاج كل البشرية إلى يسوع! القديس إكليمنضس الإسكندري
ليكن المسيح هو كل شيء. من يترك كل شيء من أجل المسيح، حتمًا يجد أمرًا واحدًا فيه الكل، لكي يصرخ: نصيبي هو الرب. القديس چيروم
وُلد اسحق رمزًا للمسيح، لأن الأمم لا تتبارك في اسحق بل في المسيح، يقول الرسول بطرس: "ليس بأحدٍ غيره الخلاص، لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أُعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص. أمبروسياستر
دراسة بيبليَّة
الاسم الوحيد الذي يمنح الخلاص: شدَّد بطرس على جملة أخيرة اعتبرها نداء للايمان المسيحي: "كل من يدعو باسم الرَّب يخلص". وهذا النِّداء عينه سيتوضح، بالنَّظر إلى المعمودية. وسيستعيد بطرس في نهاية دفاعه أمام مجلس الشيوخ: "فما من اسم آخر تحت السماء وهبه الله للناس نقدر به أن نخلص". وسيتردَّد هذا النِّداء في نهاية خطبة بطرس لدى كورنيليوس: "له يشهد جميع الأنبياء بأن كل من آمن به ينال باسمه غفران خطاياه". وهكذا يبدو المسيحيون كالذين "يدعون باسم الرب يسوع". وسيوجّه بولس رسالته الأولى إلى الكورنثيين، "إلى كنيسة الله التي في كورنثوس، إلى كل الذين يدعون باسم ربنا يسوع المسيح" (1 كور1: 2). سينطلق من يوئيل ليبيّن للمتهودين شمولية الخلاص الذي حمله يسوع (روم1: 11- 13). وفي النهاية، يحثّ تلميذه الحبيب تيموتاوس على طلب الإيمان والمحبة "مع كل الذين يدعون باسم الرب بقلب طاهر" (2 تم 2: 22). في المعمودية، دعا المؤمنون باسم الرب يسوع لينالوا منه الخلاص. هذا ما سمعناه بمناسبة العنصرة: "توبوا، وليعتمد كل واحد منكم باسم يسوع المسيح لغفران خطاياه" (2: 38). هذا ما قاله بطرس. وسيأمر أن يعمّد كورنيليوس وذووه "باسم يسوع المسيح" (10: 48). وسيقول حنانيا لبولس: "والآن مالك تبطىء، قم تعمّد وتطهر من خطاياك داعياً باسمه" (22: 16). وهناك مقاطع أخرى عديدة (8: 16 19: 5) هو المسيح يضع يده على الذين تكرّسوا له
إن خلاص يسوع يصل إذن أبعد من الأشفية العجائبية من أجل الكنيسة. إنه يدرك عمق نفوس المؤمنين الذين يدعون بالاسم الخلاصي ويتعمّدون في هذا الاسم
طرحت السلطات اليهوديَّة أولاً سؤالاً ماكراً على بطرس ويوحنَّا: "بأي سلطة أو بأي اسم عملتما هذا" (4: 17)؟ لا شك في أنهم كانوا يعلمون أن المعجزة تمّت باسم يسوع الناصري، ولكنهم أرادوا أن يجبروا الرسولين على التلفّظ بهذا الاسم. إذ (تث 13: 2- 6) تعاقب الأشخاص الذين يعملون بغير اسم يهوه. ذكر بطرس اسم يسوع، وأدخل عبارات خاصة بالكرازة الرسولية الأولى، فجاءت اتهاماً خطيراً للقضاة الذين يحاكمونه: "يسوع المسيح الناصري الذي صلبتموه أنتم وأقامه الله من بين الأموات. هذا هو الحجر الذي رفضتموه أيها البناؤون، فصار رأس الزواية" (4: 10- 11). ويُنهي بطرس كلامه بدعوة إلى الارتداد يرافقه تهديد: "فما من اسم آخر تحت السماء نقدر به أن نخلص" (4: 12). لا يطرد أحد من عالم الخلاص الذي يقدّمه يسوع. هذا ما يقوله بطرس للذين حكموا على يسوع. ليس من اسم آخر وهبه الله للناس. فيسوع هو الذي فتح لنا طريق الخلاص الوحيدة. هي طريق مرسومة من الأرض إلى السماء بفضل نعمة تجسّد الابن وآلامه وقيامته. كان يهوه ينبوع خلاص في السماء، وصار يسوع الوسيط الوحيد بعد أن أقام بين البشر واتخذ في وسطهم اسماً بشرياً
دهش السنهدرين من جرأة بطرس ويوحنا أمام محفل عظيم كهذا، واهتموا قبل كل شيء بأن يضعوا حداً لهذه الدعاية المسيحية. فمنعوهما من التعليم باسم يسوع وهدّدوهما. ولكن الرسولين تابعا التعليم في الهيكل. وسيوقف المجلس الرسل ويحاول أن يخيفهم: "جلدوهم وأمروهم أن لا يتكلّموا باسم يسوع". أما الرسل فخرجوا فرحين وظلّوا يعلّمون كل يوم في الهيكل وفي البيوت ويبشّرون بالمسيح يسوع (5 : 40- 41
وبعد وقت قليل، سيعلن فيلبّس بشارة ملكوت الله واسم يسوع المسيح وسط السامريين (8: 12). وسنرى بولس بعد ارتداده يعلّم باسم يسوع (9: 15- 28). هذا الاسم هو جوهر كرازة الرسل
مز 118، عبد يهوه، ابن الإنسان في دانيال. " لا تلميذ أعظم من معلمه، ولا خادم أعظم من سيّده". إن عائلة الكنيسة الكبيرة لا تهتم إلا أن تحمل عن جدارة اسم هذا الرب الذي نالت العماد باسمه
دراسة روحيَّة
اسم يسوع هذا الاسم العذب الَّذي به ننال خلاصنا، لا سيَّما بالإيمان، فنجثو لاسمه مقدِّمين السُّجود لعزَّته الَّتي لا تدرك، فاسمه يحمل في حناياه كل معاني التَّنازل واللإخلاء محبَّة بنا نحن البشر ومغمور بعظمة الاسم الذي لا يوصف وبقدرته السامية. فلا خلاص للبشرية إلا باسم يسوع وفيه تجد الكنيسة كنزها الأوحد والقدرة الوحيدة التي في متناول يديها، وأن رسالة الكنيسة كلها تقوم على التعليم باسم يسوع، فلا بد لنا نحن المسيحيِّين أن نلجأ لهذا الاسم الخلاصيّ الَّي يخلِّص به جميع الناس. وهي دعوة لنا لنتمثَّل بالرُّسل الأطهار ننشر بشرى الخلاص، الخلاص بالاسم الجميل، العذب والحلو
خاتمة
من خلال هذه المقاربات والدِّراسات ليس لنا إلاَّ أن نطأطئ أعناقنا ونجرح مقلتينا من بهاء شعاع هذا الاسم العذب، فنترنَّم به، ونسجد لعزته، وننحني له، مقدِّمين السجود لملك الملوك ورب الأرباب يسوع المسيح المخلِّص
المراجع
1- مجموعة مؤلِّفين، 1986. معجم اللاهوت الكتابيّ، دار المشرق: لبنان
2- الفغالي بولس (الخوري)، 1994. أعمال الرُّسل، المطبعة البولسيَّة: لبنان.ج6
3- www.albichara.org
4- www.abouna.org
5- مجموعة مترجمين،1998. الكتاب المقدَّس، دار المشرق: لبنان
سأقوم بدراستي هذه شرح هذه الآية من خلال دراسة أولى لاهوتيَّة، ومن ثم آبائيَّة، فكتابيَّة، وأنتهي بدراسة روحيَّة
دراسة لاهوتيَّة
في العهد القديم: الاسم يعبر عن دور الكائن في العالم. يضع الله آخر لمسة لخلقه بإطلاق اسم على مخلوقاته: النهار والليل، والسماء والأرض والبحر، معيّناً كل نجم باسمه، كما أنه يكلّف آدم أن يعطي اسماً لكل من الحيوانات المخلوقة. وبدوره سيعطي النَّاس، عادة، اسماً معبراً للأماكن المرتبطة بحادث هام
أسماء الناس: الاسم المعطى عند الولادة يعبّر عادةً عن نشاط أو مصير من يحمله: كيعقوب "الذي عقب أخاه" ونابال الأحمق. ومن الممكن أن ينوّه لاسم عن ظروف الولادة أو المستقبل الذي يتصوره الأهل لأولادهم: فراحيل مثلاً، وهي على فراش الموت، تدعو ابنها "ابن ألمي". وأحياناً هو ضرب من التنبُّؤ الذي يتمنى للطفل معونة إله إسرائيل: اشعيا (يشاع- يهوا): "الربّ يخلّص". يعبّر الاسم دائماً عن رصيد المرء الاجتماعي بحيث أن "الاسم" قد يصبح كناية أيضاً عن "الشهرة". فالذي لا اسم له هو انسان تافه لا قدر له. وبالعكس إذا كان لشخص عدة أسماء، فقد يدل هذا على أهمية رجل يقوم بعدة مهام، مثل سليمان الذي سُمّي أيضاً "يديديا" أي حبيب الله. وإذا كان الاسم يعني الشخص نفسه فمن أثّر على الاسم تمكّن من السيطرة على حامله. ولذا فقد يعتبر الإحصاء ضرباً من الاستعباد للأشخاص (2 صموئيل 24). ويعتبر تغيير الاسم بمثابة فرض شخصية جديدة عليه ونوعاً من التبعية. هذا، لكي يشير الله إلى تملكّه على حياة بعض الأشخاص، يغيّر أسماءهم، كما فعل مع إبراهيم وساراي ويعقوب. وكذلك نفهم الأسماء الجديدة التي أعطاها الله لأورشليم بعد عفوه عنها، مثل مدينة العدل، "المدينة الأمينة"، مدينة الرب
أسماء الله: في جميع الشعوب، كان لاسم الإله أهمية كبرى. وعندما كان البابليون يسبغون على إلههم الأسمى "مردوك" خمسين اسماً للإقرار بانتصاره عند الخلق، كان الكنعانيون يخفون اسم آلهتهم تحت هذا الاسم العام "بعل" أي "سيد" هذا المكان أو ذاك. عند الإسرائيليين، تنازل الله نفسه فكشف عن اسمه. لم يكن إله موسى من قبل معروفاً إلاّ كإله الأجداد، إله إبراهيم واسحق ويعقوب. وعندما سأل يعقوب الملاك الذي كان يصارعه عن اسمه، أبى أن يدلي به إليه ولم يحصل أبو شمشون إلاّ على صفة لهذا الاسم هي صفة "عجيب". وكذلك للدلالة على إله إسرائيل، في أيام الآباء. ولكن في يوم ما، على جبل حوريب، أعلن الله نفسه عن اسمه لموسى. قد فهم البعض التعبير الموحى به "أنا من أنا" أو "الكائن" كأنه رفض يماثل رفض الملاك بكشف اسمه ليعقوب، لكي لا يستسلم له. إلاّ أن الكتاب المقدس قصد أن يعطي هذا التعبير مضموناً إيجابياً. ونستدل من سياق الكلام، أن مهمة هذا الاسم هي تأكيد رسالة موسى إزاء الشعب، فيقول موسى "الكائن" يرسلني إليكم وعندئذ يأتي الشعب لعبادة "الذي هو" (يهوه) على الجبل المقدس. على كل حال، يعني هذا الاسم أن الله حاضر وسط شعبه. إنه "يهوه" (الكائن
الدعاء باسم الله: أوحى الله باسمه، لكي يعبده الناس بموجب هذا الاسم الحقيقي الأصيل. ولذا سيشكّل هذا الاسم هتاف التجمع لكل الأسباط، أثناء الفتح وبعده. هذا هو اسم الإله الأحد، بحسب تعبير الأنبياء، "إني أنا هو، لم يكن إله قبلي ولا يكون بعدي. أنا أنا الرب". وهكذا سيكون هذا الاسم الوحيد الذي يجوز ذكره على شفاه إسرائيل. الاسم الوحيد الذي سيدعى به في أورشليم، عندما يجعل داود منها العاصمة الدينية، لأن "الرب اسمه الغيّور". الدعاء باسم الرب يفيد مباشرة عبادة الله والتضرع إليه: باسم الرب يدعو الشعب ويصرخ إليه ويستغيث به. ولكن إذا كان الله قد عهد إلى بني إسرائيل باسمه الخاص، فيجب على هؤلاء ألا يحلفوا باسمه باطلاً
الاسم، هو الله نفسه: يتم تطابق وثيق بين الله واسمه، لدرجة أن ذكر الاسم يشير إلى الله نفسه. فهذا الاسم هو الجدير بالمحبة، والتسبيح، والتقديس. إنه اسم رهيب، أبدي. وهو، "نظراً لاسمه العظيم"، ولأجل اسمه، يعمل لصالح إسرائيل، ومعنى هذا أنه يعمل لمجده لكي يعترف الناس بعظمته وقداسته. ولابراز سمّو الله الذي لا يُدنى منه والذي يفوق الإدراك، يكتفي اليهود باسمه للإشارة إليه وهكذا، لكي يتفادوا تحديداً لا يليق بالله. وبدافع من الاحترام المتزايد، سيصل اليهود في الفترة اللاحقة للسبي، إلى عدم التجرؤ على التلفّظ بالاسم المعلن في جبل حوريب. فأثناء القراءة، سيلفظون عوضاً عنه "ألوهيم" (الله)، وفي أكثر الأحيان، "أدوناي" (ربّي). وعلى هذا فاليهود الذين سيترجمون الكتب المقدّسة من العبرية إلى اليونانية، لن ينسخوا اسم يهوه ولكنهم يستبدلون به"KurioV" "رب": هذا اللقب الذي سيثبّته العهد الجديد
العهد الجديد
اسم الآب: في مقابل إعلان اسم الله في العهد القديم، نجد في العهد الجديد الإعلان الذي به يعرّف يسوع تلاميذه باسم أبيه. وهو إذ يظهر نفسه كابن، يكشف أن "الآب" هو الاسم الذي يعبّر عن الكيان الإلهي في أعماقه. وعلى المسيحيين واجب تسبيح اسم الله، وعليهم أيضاً أن يحرصوا على ألاّ يكون سلوكهم سبباً لأن يجدف أحد عليه
اسم يسوع: باسم يسوع، يشفي التلاميذ المرضى، ويخرجون الشياطين، ويحققون كل أنواع المعجزات. فيظهر هكذا يسوع، كما يدلّ عليه اسمه مخلصاً، معيداً الصحة لذوي العاهات، ولكن أيضاً وخاصة مانحاً الخلاص الأبدي للذين يؤمنون به
اسم الرب: لما أقام الله يسوع من الموت، وأجلسه عن يمينه، أعطاه الاسم الذي يفوق كل الأسماء، اسماً جديداً لا يتميز عن اسم الله ويشترك في سموّه. وهذا الاسم، الذي يفوق الوصف، يمكن التعبير عنه بتسمية "الرب" التي تليق بالمسيح الممجّد كما تليق بالله، وأيضاً في تسميته "الابن" التي لا يشاركه فيها بهذا المعنى أي مخلوق البتة. ولا يتردّد المسيحيون الأوّلون في أن يطلقوا على يسوع إحدى أخص التسميات اليهودية في كلامهم عن الله، فنرَى الرسل في غاية الفرح "لأنهم وُجدوا أهلاً لأن يلقوا الهوان من أجل الاسم"، كما أنه ذكر أن مبشرين "خرجوا (للرسالة) من أجل الاسم"
تهدف الكرازة الرسولية إلى نشر اسم يسوع المسيح، سيتعذّب المبشّرون من أجل هذا الاسم، وسيكون هذا لهم مصدر فرح. وكتاب الرؤيا موجّه إلى مسيحيين يتحمّلون العذاب من اجل هذا الاسم، ولكنهم يتمسكون به بقوة ولا ينكرونه. وتؤول خدمة اسم يسوع خاصة إلى بولس: فقد تسلّمها كدعوة مع ما تسببه من آلام. ومع ذلك، فهو يقوم برسالته بإقدام وعزة، لأنه كرّس حياته لاسم ربنا يسوع المسيح، وهو مستعدّ لأن يموت من أجله
يسوع المسيح مخلص البشر: بأعمال لها مغزاها أولاً يعلن يسوع عن نفسه بأنه هو المخلص. أنه يخلّص المرضى إذ يشفيهم. نتطلع إلى أبعد من الخلاص الجسدي. فيسوع يقدم للبشر خلاصا ًأعظم أهمية بكثير: فالمرأة الخاطئة تخلَص لأنه غفر لها خطاياها، والخلاص يدخل بيت زكا المعترف والتائب. فلكي ينال المرء الخلاص ينبغي إذاً أن يقبل بالإيمان إنجيل الملكوت. أما يسوع فإن هدف حياته هو الخلاص: لأنه جاء على الأرض ليبحث عن الهالك فيخلصه، ليخلص العالم، لا ليحكم عليه. وإذا ما تكلّم فليخلَص البشر. هو الباب، من يدخل منه ينال الخلاص
والشيطان قريب منهم متحفز لكل محاولة من أجل هلاكهم وهو يمنعهم من أن يخلصوا
إنجيل الخلاص: بعد القيامة وحلول الروح القدس، وفق تعاليم الكتاب المقدس. فإن الله بقيامة يسوع، أقامه "قائداً ومخلصاً. والمعجزات " التي منحها الرسل تؤيد رسالتهم. وإن كان بعض المرضى قد شفوا بفضل اسم يسوع، فذلك لأنه "ما من اسم آخر تحت السماء وُهِبَ للناصري نستطيع به أن ندرك الخلاص". ويوصف الإنجيل بأنه هو "كلمة الخلاص"، وقد وجه أولاً إلى اليهود، وبعد ذلك إلى الأمم الأخرى. ويطلب من الناس، مقابل هذا، أن يؤمنوا. وشرط الخلاص هو الإيمان بالرب يسوع، والدعاء باسمه، وعلى هذا الأساس يكون اليهود والأمم في وضع واحد. فهم لا يخلّصون أنفسهم، لكن نعمة الرب يسوع هي التي تخلصهم. إذن فالرسل يقدّمون للبشر " سبيل الخلاص " الفريد. وكان المهتدون حديثاً يدركون جيداً هذه الحقيقة، حتى إنهم اعتبروا أنفسهم البقية" التي ينبغي أن تخلص. أهمية موضوع الخلاص هذه في بداية الكرازة هي التي تفسر لماذا أراد الإنجيليان متى ولوقا أن يشدّدا على دور يسوع المستقبل كمخلّص، منذ كلامهما عن طفولته. فإنَ متى يظهر علاقة هذا الدور باسمه، الذي معناه "الرب يخلص " (متى 1: 21)، ولوقا يلقبه "بالمخلّص " (لوقا 2: 11). ويبيّن أن زكريا يرحّب ببزوغ فجر الخلاص الذي وعد به الأنبياء، وإن سمعان يحّيي ظهور ذلك الخلاص على الأرض في تطلع عالمي يشمل الكون كله. وأخيرًا تمهد كرازة يوحنا المعمدان، لسبل الربّ، بحيث إن "كل بشر يرى الخلاص الآتي من لدن الله". وإن الذكريات المحفوظة في تتابع الأناجيل لتقدّم إلينا، بطريقة إيجابية، إعلان الخلاص هذا الذي يبلغ وقته بالصليب والقيامة من الأموات
اللاهوت المسيحي في الخلاص مع أن الكتابات الرسولية تلجأ إلى عبارات متنوعة لوصف عمل يسوع الخلاصي، إلا أننا نستطيع محاولة بناء تعليم مسيحي جامع حول فكرة الخلاص
معنى حياة المسيح: "الله يريد أن يخلص جميع الناس". لأجل هذا أرسل ابنه كمخلص للعالم. ولما ظهر على الأرض إلهنا ومخلّصنا، هو الذي جاء ليخلص الخطأة، فان نعمة مخّلّصنا ومحبته ظهرتا، لأن المسيح بموته وقيامته، صار لنا " علة خلاص أبدي ". مخلصاً للجسم الذي هو الكنيسة. وهكذا نجد أن لقب "المخلص" هذا يناسب أيضا الآب. ويسوع أيضًا. وهذا هو السبب الذيَ لأجله يعد الإنجيل الذي يروي لنا كل هذه الحقائق. بمثابة "قدرة الله لخلاص كل من آمن". وإذا كرز رسول به لا يكون لديه هدف سوى خلاص البشر، سواء الوثنيون منهم أم اليهود الذين خلصت منهم بقية" على الأقل، إلى أن يخلص كل بني إسرائيل أخيراً
الاسم الذي يفوق كل إسم: وإن كان الإيمان المسيحي لا يمكنه أن يحوّل أنظاره عن يسوع وعن كل ما ينطوي عليه هذا الإسم من اتّضاع وبشريّة واقعية، فلأن هذا الإسم قد أصبح اسم الرب وأنه لا يمكن فصله بعد الآن عن " الاسم الذي يفوق جميع الأسماء"، بحيث "تجثو لاسم يسوع كل ركبة في السماء وفي الأرض وفي لجحيم". ويسوع، إذ يصبح الرب، لا يفقد اسمه، كما أنه لا يفقد إنسانيته، ولكنّ اسمه يتحوّل ويتسامى، كأنه محاط ومغمور بعظمة الاسم الذي لا يوصف وبقدرته السامية. فلا خلاص للبشرية إلا باسم يسوع وفيه تجد الكنيسة كنزها الأوحد والقدرة الوحيدة التي في متناول يديها: إن "المسيح يسوع يعافيك". وإن رسالة الكنيسة كلها، إنما تقوم على" التعليم باسم يسوع ". وهذا هو بولس الرسول، في مجامع دمشق، وفي غداة اهتدائه "يكرز بيسوع"، وفي ساحة مدينة أثينا،"يبشّر بيسوع وبالقيامة"، وفي كورنتس ينادي "بيسوع المسيح المصلوب". إن كل جوهر المسيحية يكمن في تكريس الحياة المسيحية " لاسم ربنا يسوع المسيح. وأعظم فرح يشعر به المسيحي هو أن يُعدَّ " أهلاً لأن يلقى الهوان" وأن " يموت لاسم الرب يسوع
دراسة آبائيَّة
وقف الجليلي الأمِّيّ يدعو رجال العلم والمعرفة الدينية والسلطة إلى التوبة والتمتع بالخلاص. رفعهم الرسول بطرس من الانشغال بشفاء الكسيح إلى شفاء نفوسهم العاجزة عن العبور إلى السماء، أو خلاصها لتتمتع بالمجد المُعد للمؤمنين. هذا الذي شفي الكسيح هو طبيب النفوس والأجساد، باسمه وحده ينعم الإنسان بالخلاص. ليس من وجهٍ للمقارنة بين الأسماء التي عرفوها واعتزوا بها مثل إبراهيم أب الآباء أو موسى مستلم الشريعة أو أحد الأنبياء، فإنه ليس أحد منهم قادرًا أن يخلص النفوس من الفساد وينعم عليها بالمجد، إنما اسم ذاك الذي رفضوه واحتقروه وقتلوه. القديس أمبروسيوس
قدم لهم الرسول جوهر الإيمان، وهو أن الخلاص لا يتحقق بحرفية الناموس، وإنما بالإيمان باسم يسوع المسيح، أي بالقادر وحده أن يخلص: يمحو الخطايا، ويهب البرّ، يحول آلام الضيق إلى بهجة قيامة، يرفع القلب إلى السماء، ليتذوق المؤمن عربون الأبدية. يحطم متاريس الهاوية، ويفتح أمامنا أحضان الآب السماوي، لنتمتع بالاتحاد معه. القديس أمبروسيوس
"ليس اسم آخر": لا يعني الرسول تجاهل اسم الله الآب، لكن بذل الآب ابنه الوحيد ليهب الخلاص خلال اسم ابنه، فمن يدعو اسم الابن الوحيد إنما يدعو الثالوث القدوس، حيث لا انفصال بين الأقانيم، بل توجد وحدة عمل. الشهيد كبريانوس
"قد أُعطي": هذا الاسم أو شخص ربنا يسوع المسيح أُعطي لنا مجانًا، أو كما يقول الرسول: "فشكرًا لله على عطيته التي لا يُعبر عنها" (٢ كو ٩: ١٥). الشهيد كبريانوس
أنصت إلى المخلص: أنا جددتك، يا من وُلدت في العالم بالشقاء للموت. لقد حررتك، وشفيتك وخلصتك. سأهبك الحياة التي بلا نهاية، السرمدية، الفائقة للطبيعة. سأريك وجه الله الآب الصالح. الشهيد كبريانوس
أني أحثك على الخلاص، هذا ما يشتهيه المسيح. الشهيد كبريانوس
سخي هو ذاك الذي يهبنا أعظم كل العطايا، حياته ذاتها. الشهيد كبريانوس
من هو؟ تعلموا باختصار، إنه كلمة الحق، كلمة عدم الفساد، الذي يجدد الإنسان إذ يرده إلى الحق. إنه المهماز الذي يحث على الخلاص. هو محطم الهلاك، وطارد الموت. أنه يبني هيكل اللّه في الناس، فيأخذهم للّه مسكنًا له. الشهيد كبريانوس
يحتاج المرضى إلى مخلص، ويحتاج الضالون إلى مرشد، يحتاج العميان إلى من يقودهم إلى النور، والعطاش إلى الينبوع الحيَّ الذي من يشرب منه لا يعطش أبدًا والموتى إلى الحياة، والخراف إلى راعى، والأبناء إلى معلم؛ تحتاج كل البشرية إلى يسوع! القديس إكليمنضس الإسكندري
ليكن المسيح هو كل شيء. من يترك كل شيء من أجل المسيح، حتمًا يجد أمرًا واحدًا فيه الكل، لكي يصرخ: نصيبي هو الرب. القديس چيروم
وُلد اسحق رمزًا للمسيح، لأن الأمم لا تتبارك في اسحق بل في المسيح، يقول الرسول بطرس: "ليس بأحدٍ غيره الخلاص، لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أُعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص. أمبروسياستر
دراسة بيبليَّة
الاسم الوحيد الذي يمنح الخلاص: شدَّد بطرس على جملة أخيرة اعتبرها نداء للايمان المسيحي: "كل من يدعو باسم الرَّب يخلص". وهذا النِّداء عينه سيتوضح، بالنَّظر إلى المعمودية. وسيستعيد بطرس في نهاية دفاعه أمام مجلس الشيوخ: "فما من اسم آخر تحت السماء وهبه الله للناس نقدر به أن نخلص". وسيتردَّد هذا النِّداء في نهاية خطبة بطرس لدى كورنيليوس: "له يشهد جميع الأنبياء بأن كل من آمن به ينال باسمه غفران خطاياه". وهكذا يبدو المسيحيون كالذين "يدعون باسم الرب يسوع". وسيوجّه بولس رسالته الأولى إلى الكورنثيين، "إلى كنيسة الله التي في كورنثوس، إلى كل الذين يدعون باسم ربنا يسوع المسيح" (1 كور1: 2). سينطلق من يوئيل ليبيّن للمتهودين شمولية الخلاص الذي حمله يسوع (روم1: 11- 13). وفي النهاية، يحثّ تلميذه الحبيب تيموتاوس على طلب الإيمان والمحبة "مع كل الذين يدعون باسم الرب بقلب طاهر" (2 تم 2: 22). في المعمودية، دعا المؤمنون باسم الرب يسوع لينالوا منه الخلاص. هذا ما سمعناه بمناسبة العنصرة: "توبوا، وليعتمد كل واحد منكم باسم يسوع المسيح لغفران خطاياه" (2: 38). هذا ما قاله بطرس. وسيأمر أن يعمّد كورنيليوس وذووه "باسم يسوع المسيح" (10: 48). وسيقول حنانيا لبولس: "والآن مالك تبطىء، قم تعمّد وتطهر من خطاياك داعياً باسمه" (22: 16). وهناك مقاطع أخرى عديدة (8: 16 19: 5) هو المسيح يضع يده على الذين تكرّسوا له
إن خلاص يسوع يصل إذن أبعد من الأشفية العجائبية من أجل الكنيسة. إنه يدرك عمق نفوس المؤمنين الذين يدعون بالاسم الخلاصي ويتعمّدون في هذا الاسم
طرحت السلطات اليهوديَّة أولاً سؤالاً ماكراً على بطرس ويوحنَّا: "بأي سلطة أو بأي اسم عملتما هذا" (4: 17)؟ لا شك في أنهم كانوا يعلمون أن المعجزة تمّت باسم يسوع الناصري، ولكنهم أرادوا أن يجبروا الرسولين على التلفّظ بهذا الاسم. إذ (تث 13: 2- 6) تعاقب الأشخاص الذين يعملون بغير اسم يهوه. ذكر بطرس اسم يسوع، وأدخل عبارات خاصة بالكرازة الرسولية الأولى، فجاءت اتهاماً خطيراً للقضاة الذين يحاكمونه: "يسوع المسيح الناصري الذي صلبتموه أنتم وأقامه الله من بين الأموات. هذا هو الحجر الذي رفضتموه أيها البناؤون، فصار رأس الزواية" (4: 10- 11). ويُنهي بطرس كلامه بدعوة إلى الارتداد يرافقه تهديد: "فما من اسم آخر تحت السماء نقدر به أن نخلص" (4: 12). لا يطرد أحد من عالم الخلاص الذي يقدّمه يسوع. هذا ما يقوله بطرس للذين حكموا على يسوع. ليس من اسم آخر وهبه الله للناس. فيسوع هو الذي فتح لنا طريق الخلاص الوحيدة. هي طريق مرسومة من الأرض إلى السماء بفضل نعمة تجسّد الابن وآلامه وقيامته. كان يهوه ينبوع خلاص في السماء، وصار يسوع الوسيط الوحيد بعد أن أقام بين البشر واتخذ في وسطهم اسماً بشرياً
دهش السنهدرين من جرأة بطرس ويوحنا أمام محفل عظيم كهذا، واهتموا قبل كل شيء بأن يضعوا حداً لهذه الدعاية المسيحية. فمنعوهما من التعليم باسم يسوع وهدّدوهما. ولكن الرسولين تابعا التعليم في الهيكل. وسيوقف المجلس الرسل ويحاول أن يخيفهم: "جلدوهم وأمروهم أن لا يتكلّموا باسم يسوع". أما الرسل فخرجوا فرحين وظلّوا يعلّمون كل يوم في الهيكل وفي البيوت ويبشّرون بالمسيح يسوع (5 : 40- 41
وبعد وقت قليل، سيعلن فيلبّس بشارة ملكوت الله واسم يسوع المسيح وسط السامريين (8: 12). وسنرى بولس بعد ارتداده يعلّم باسم يسوع (9: 15- 28). هذا الاسم هو جوهر كرازة الرسل
مز 118، عبد يهوه، ابن الإنسان في دانيال. " لا تلميذ أعظم من معلمه، ولا خادم أعظم من سيّده". إن عائلة الكنيسة الكبيرة لا تهتم إلا أن تحمل عن جدارة اسم هذا الرب الذي نالت العماد باسمه
دراسة روحيَّة
اسم يسوع هذا الاسم العذب الَّذي به ننال خلاصنا، لا سيَّما بالإيمان، فنجثو لاسمه مقدِّمين السُّجود لعزَّته الَّتي لا تدرك، فاسمه يحمل في حناياه كل معاني التَّنازل واللإخلاء محبَّة بنا نحن البشر ومغمور بعظمة الاسم الذي لا يوصف وبقدرته السامية. فلا خلاص للبشرية إلا باسم يسوع وفيه تجد الكنيسة كنزها الأوحد والقدرة الوحيدة التي في متناول يديها، وأن رسالة الكنيسة كلها تقوم على التعليم باسم يسوع، فلا بد لنا نحن المسيحيِّين أن نلجأ لهذا الاسم الخلاصيّ الَّي يخلِّص به جميع الناس. وهي دعوة لنا لنتمثَّل بالرُّسل الأطهار ننشر بشرى الخلاص، الخلاص بالاسم الجميل، العذب والحلو
خاتمة
من خلال هذه المقاربات والدِّراسات ليس لنا إلاَّ أن نطأطئ أعناقنا ونجرح مقلتينا من بهاء شعاع هذا الاسم العذب، فنترنَّم به، ونسجد لعزته، وننحني له، مقدِّمين السجود لملك الملوك ورب الأرباب يسوع المسيح المخلِّص
المراجع
1- مجموعة مؤلِّفين، 1986. معجم اللاهوت الكتابيّ، دار المشرق: لبنان
2- الفغالي بولس (الخوري)، 1994. أعمال الرُّسل، المطبعة البولسيَّة: لبنان.ج6
3- www.albichara.org
4- www.abouna.org
5- مجموعة مترجمين،1998. الكتاب المقدَّس، دار المشرق: لبنان