أنــا رأيـت وشـــهـدت
شهد يوحنا المعمدان، على ضوء ما حدث عند معمودية يسوع في نهر الأردن، أنّ يسوع المسيح هو ابن الله المتجسّد، حامل خطايا العالم فادياً، والمعمِّد بالروح القدس من أجل الولادة لحياة جديدة. ولهذا قال: أنا رأيت وشهدت
شهادة يوحنا تتواصل عبر شهادة المؤمنين بالمسيح. كانت شهادتُه وكِرازتُه ودعوتُه للتوبة وترقّب ملكوت الله الآتي أي حضور الله في العالم بالمسيح، بالشركة والمحبة. عن شهادته وكرازته ورسالته التي تعدّ الطريق للربّ المسيح الآتي، تنبّأ آشعيا: "ها أنذا مرسِلٌ ملاكي أمام وجهك ليعدّ طريقك. صوتُ صارخٍ في البرية: أعدّوا طريق الرب، واجعلوا سبله قويمة" (اش40: 3؛ مر1: 1-2). وكان يوحنا يحضّ الشعب: "أثمروا ثمراً يليق بالتوبة" (متى 3: 8). وسبق أن تنبّأ زكريا أبوه يوم مولده "بأنّ هذا الطفل سيُدعى نبي العلي، ليعدّ طريقه، فيعطي الربُّ شعبه معرفة الحياة الحقّة بمغفرة خطاياهم، وينير الجالسين في الظلمات وظلال الموت، ويقود خطاهم في طريق السلام"لو1: 76-79
أمّا شهادة المسيحيين، جماعة المؤمنين بالمسيح، فهي إيّاها الشهادة - الرسالة التي أدّاها يوحنا المعمدان. ولقد منحهم الربُّ، بالمعمودية والميرون ونعمة سائر الأسرار، "أن يكونوا شهوداً له في كلّ مكان حتى أقاصي الأرض"أعمال1: 8
هذه شهادتنا ورسالتنا، نحن المسيحيين، في لبنان وبلدان الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الذين هم في مختلف بلدان الإنتشار. ينبغي على كلّ واحد منا، من موقعه وحالته ومسؤوليته، أن يعمل، بالكلمة والفعل والمسلك، على إعداد طريق المسيح الفادي الى القلوب. إنّه طريقُ الحقيقة والنعمة، طريقُ المحبة والعدالة، طريقُ كرامة الشخص البشري والسلام. إنّ الذين هم مُقامون في الأسقفية والكهنوت، إنّما بشخص المسيح وباسمه يكرِزون بكلمة الإنجيل، وينقلون تعليم التقليد الحيّ في الكنيسة، ويوزّعون نعمة الأسرار الخلاصيّة. أما المسيح الكاهن الأزليّ، فهو نفسه الكلمة التي تلد الإيمان وتُصلِح الأفكار والتصرفات، وهو نفسه يؤتي الأسرارَ ثمارَها ونِعَمها. وأمّا الروح القدس فهو الذي يحقّق كلَّ مفاعيلها في نفوس المؤمنين وقلوبِهم. ولهذا السبب يعمل المسيحيون جاهدين من أجل مستقبل أفضل في حياة أوطانهم والكنيسة والعالم
وليعلم المسيحيون أنّ الشهادة تبلغُ ذروتها في الإستشهاد بالدّمّ أو في الإستشهاد المعنوي. ذلك أننا ننتمي الى الكنيسة المجاهِدة في سبيل بناء قيَم السماء في مدينة الأرض. ولذلك نلقى الرفض والإضطهاد والمُمانعة. لكنَّ كلمة المسيح الربّ تُشدّدنا: "سيكون لكم في العالم ضيق، لكن تشجّعوا، أنا غلبت العالم" يو16: 33
من هذا المنطلق، وعلى المستوى الوطني، يدعوهم الإرشاد الرسولي "رجاء جديد للبنان" وسواهم من المواطنين اللبنانين الى "بناء نظام سياسي واجتماعي، عادل ومنصف، يحترم كل الاشخاص والمكوِّنات، ليبنوا معاً بيتهم المشترك"(الفقرة 94). هذه الدعوة تأتيهم بحكم واجب الشهادة للمسيح وللقيم المسيحية، التي تنطلق من المعرفة الى واقع الحياة. "فالمسيح الكلمة صار بشراً ملؤه النعمة والحقّ"يو1: 14
ويُقدّم الإرشادُ الرسولي عناصر هذا النظام وهي: أنْ يتحمّل كلُّ واحد مسؤوليتَه الأخلاقية والمدنية؛ أن يأخذ بالاعتبار كلُّ مسؤول سياسي أو ديني، وكلُّ فريق، حاجاتِ الافرقاء الآخرين وتطلعاتهم الشرعية والخير العام؛ أن يلتزم كلُّ العاملين في الخدمة العامة، أي في الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية، باحترام الموجِبات الأخلاقية والمناقبية، وبإخضاع مصالحهم الخاصة أو الفئوية لصالح وطنهم، وبتجاوزِ السلوك الاناني، والعيش في التجرّد حتى إنكار الذات؛ أنْ يوطّدَ المسؤولون السياسيون ثقة المواطنين بالمؤسسات الدستورية والوطنية، ويُفعِّلوا فيهم حسَّ المشاركة والمسؤولية والتفاني في سبيل الصالح العام، الذي منه خيرُ الكلّ وكلِّ فرد، لأنّ الجميع مسؤولون حقاً عن الجميع؛ أن تزداد المشاركة المنصِفة في المسؤوليات داخل الدولة، بحيث يتمكّن الجميع من وضع مواهبهم وقدراتهم في خدمة إخوانهم في المواطَنة، ومن تأديةِ مساهمةٍ مميَّزة في نهوض وطنهم؛ أن لا يبحث ايُّ مسؤول عن امتيازاتٍ له أو لطائفته ولا يعمل على إبعاد الآخرين، فالمواطَنة تقوم على حياة الأخوّةِ والتضامن وعلى الإفساح بالمجال لكلِّ واحدٍ ليقوم بدوره في الحياة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والثقافية والنقابية، من أجل تعزيز الحياة الوطنية؛ أن يُولى اهتمامٌ خاص بالشبّان والشابّات الذين هم أعظمُ ثروةٍ لبلدنا: بتنشئتهم الثقافية والمهنية والأخلاقية، وبتمكينهم من إعداد مستقبلهم على أرض الوطن، وبإعطائهم دورَهم في القرارات الوطنية، وبتوفير فرص عمل لهم في بلدهم وإخراجهم من حالة العوز والبطالة واللامبالاة، لئلا يندفعوا الى نوع من الهجرة النفسية واليأس من المستقبل في رحاب وطنهم الفقرات 94-96
كلّ هذه العناصر اللازمة "لبناء نظام سياسي واجتماعي، عادل ومنصف"، تشكّل مداميك أساسية لقيام دولة مدنية ديموقراطية جذّابة للمواطنين، على أساس عقد اجتماعي متطور ينطلق من الميثاق الوطني، ميثاق العيش معاً، في دولة ديموقراطية تفصل بين الدين والدولة، فلا تكون لا دولة دينية، ولا دولة علمانية معارضة للدين
هذا، ولا يمكن أن يستمرَّ الحكم في لبنان منقسماً بين طرفَين سياسييَّن على خلفية مذهبية متعارضَين، والأوضاعُ الاقتصادية آخذةٌ في التردّي وتُنذرُ بالإفلاس. فالتراجع متزايد في النمو الاقتصادي، والدَّين العام يتفاقم، وقد بلغ إلى اليوم 54 مليار دولار، ما يوازي 170 % من الناتج المحلّي. فيجب على أهل الحكم أن يتحمّلوا مسؤولياتهم الوطنية ويعملوا سريعاً على وضع تصميمٍ اقتصاديٍّ واضحٍ ومتماسِك، محورُه النمو
إنّ جمعيّة سينودوس الأساقفة الخاصة بالشرق الاوسط، التي انعقدت في روما برئاسة قداسة البابا بندكتوس السادس عشر، دعت الى تفعيل الحضور المسيحي في هذه البلدان بالشهادة للمسيح على مستوى الحياة المسيحية الحقة وفقاً للقيم الإنجيلية، والممارسة الدينية التي تُحقّق في المسيحيين نهضة روحية وأخلاقية، وعلى مستوى حوار الحياة والثقافة والمواطنة مع المسلمين من اجل بناء مدينة الشركة والسلام على أسسها الأربعة: الحقيقة والحرية والعدالةِ والمحبة، وأخيراً على مستوى خدمة المحبة الإجتماعية في مختلف قطاعاتها
بالعودة الى شهادة يوحنا المعمدان عن المسيح بأنّه ابن الله المتجسد، حامل خطايا العالم وفادي الانسان، والمعمِّد بالروح القدس من أجل ولادة جديدة لإنسان جديد على مقياس قامة المسيح، فإنّنا نحن المسيحيين نستمدُّ ثقافتنا من هذه الشهادة، ونبني عليها حضارتنا الإنسانية والإجتماعية والوطنية. وبذلك نقّدم لمجتمعنا اللبناني قيمةً مسيحيةً مضافة، ونتطلّع الى إخواننا المسلمين اللبنانيين يُقدّمون قيمتهم الإسلامية المضافة، لكي نؤلّف معاً الكيان اللبناني الموحَّد بالتكامل الحضاري والثقافي، وبمنظومة المُثُل والقيَم المتنوِّعة. وبهذا النموذج يؤدّي لبنانُ رسالتَه في محيطه العربي وتجاه العالم الغربي
فبالنسبة لمحيطه العربي، ينقل لبنان أفكار الحرية والحداثة وإمكانية العيش معاً بالتنوّع الثقافي والديني، ويجهد عاملاً ما قال عنه أحد السفراء الأجانب: "سلام المنطقة يأتي من سلام لبنان". وبالنسبة للعالم الغربي، يشهد أنّ الإسلام دين تعايش لا دين الأصولية والعنف. لكن ما نشهد في بعض البلدان العربية من أعمال عنف وتفجيرات متنقِّلة تحصدُ العديد من الضحايا البريئة، ونحن نستنكرها أشدّ الاستنكار، يقتضي من المرجعيات الاسلامية المعتدلة والمستنيرة أن تشجب وتُحرِّم رسمياً هذه الصورة المعاكسة. كما أنَّ لبنان يشهد أنّ العروبة الحقيقيّة ثقافة وقيم، وأنّها تسعى الى تحديث نفسها وتحديث حياة مواطنيها (روجيه ديب، لبنان المستقر، ص148و185). إنّ الوجود المسيحي في بلدان الشرق الأوسط، الذي عمره ألفا سنة، أدّى باستمرار هذه الشهادة، وهو الضمانة لاستمرارية تظهير حقيقة الإسلام والعروبة
إنّنا جميعاً في كلّ ذلك نجعل من حياتنا بكلّ أبعادها نشيد تسبيحٍ وتمجيدٍ للّه الواحد والمثلث الأقانيم، الآب والابن والروح القدس، الآن والى الابد، آمين
شهادة يوحنا تتواصل عبر شهادة المؤمنين بالمسيح. كانت شهادتُه وكِرازتُه ودعوتُه للتوبة وترقّب ملكوت الله الآتي أي حضور الله في العالم بالمسيح، بالشركة والمحبة. عن شهادته وكرازته ورسالته التي تعدّ الطريق للربّ المسيح الآتي، تنبّأ آشعيا: "ها أنذا مرسِلٌ ملاكي أمام وجهك ليعدّ طريقك. صوتُ صارخٍ في البرية: أعدّوا طريق الرب، واجعلوا سبله قويمة" (اش40: 3؛ مر1: 1-2). وكان يوحنا يحضّ الشعب: "أثمروا ثمراً يليق بالتوبة" (متى 3: 8). وسبق أن تنبّأ زكريا أبوه يوم مولده "بأنّ هذا الطفل سيُدعى نبي العلي، ليعدّ طريقه، فيعطي الربُّ شعبه معرفة الحياة الحقّة بمغفرة خطاياهم، وينير الجالسين في الظلمات وظلال الموت، ويقود خطاهم في طريق السلام"لو1: 76-79
أمّا شهادة المسيحيين، جماعة المؤمنين بالمسيح، فهي إيّاها الشهادة - الرسالة التي أدّاها يوحنا المعمدان. ولقد منحهم الربُّ، بالمعمودية والميرون ونعمة سائر الأسرار، "أن يكونوا شهوداً له في كلّ مكان حتى أقاصي الأرض"أعمال1: 8
هذه شهادتنا ورسالتنا، نحن المسيحيين، في لبنان وبلدان الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الذين هم في مختلف بلدان الإنتشار. ينبغي على كلّ واحد منا، من موقعه وحالته ومسؤوليته، أن يعمل، بالكلمة والفعل والمسلك، على إعداد طريق المسيح الفادي الى القلوب. إنّه طريقُ الحقيقة والنعمة، طريقُ المحبة والعدالة، طريقُ كرامة الشخص البشري والسلام. إنّ الذين هم مُقامون في الأسقفية والكهنوت، إنّما بشخص المسيح وباسمه يكرِزون بكلمة الإنجيل، وينقلون تعليم التقليد الحيّ في الكنيسة، ويوزّعون نعمة الأسرار الخلاصيّة. أما المسيح الكاهن الأزليّ، فهو نفسه الكلمة التي تلد الإيمان وتُصلِح الأفكار والتصرفات، وهو نفسه يؤتي الأسرارَ ثمارَها ونِعَمها. وأمّا الروح القدس فهو الذي يحقّق كلَّ مفاعيلها في نفوس المؤمنين وقلوبِهم. ولهذا السبب يعمل المسيحيون جاهدين من أجل مستقبل أفضل في حياة أوطانهم والكنيسة والعالم
وليعلم المسيحيون أنّ الشهادة تبلغُ ذروتها في الإستشهاد بالدّمّ أو في الإستشهاد المعنوي. ذلك أننا ننتمي الى الكنيسة المجاهِدة في سبيل بناء قيَم السماء في مدينة الأرض. ولذلك نلقى الرفض والإضطهاد والمُمانعة. لكنَّ كلمة المسيح الربّ تُشدّدنا: "سيكون لكم في العالم ضيق، لكن تشجّعوا، أنا غلبت العالم" يو16: 33
من هذا المنطلق، وعلى المستوى الوطني، يدعوهم الإرشاد الرسولي "رجاء جديد للبنان" وسواهم من المواطنين اللبنانين الى "بناء نظام سياسي واجتماعي، عادل ومنصف، يحترم كل الاشخاص والمكوِّنات، ليبنوا معاً بيتهم المشترك"(الفقرة 94). هذه الدعوة تأتيهم بحكم واجب الشهادة للمسيح وللقيم المسيحية، التي تنطلق من المعرفة الى واقع الحياة. "فالمسيح الكلمة صار بشراً ملؤه النعمة والحقّ"يو1: 14
ويُقدّم الإرشادُ الرسولي عناصر هذا النظام وهي: أنْ يتحمّل كلُّ واحد مسؤوليتَه الأخلاقية والمدنية؛ أن يأخذ بالاعتبار كلُّ مسؤول سياسي أو ديني، وكلُّ فريق، حاجاتِ الافرقاء الآخرين وتطلعاتهم الشرعية والخير العام؛ أن يلتزم كلُّ العاملين في الخدمة العامة، أي في الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية، باحترام الموجِبات الأخلاقية والمناقبية، وبإخضاع مصالحهم الخاصة أو الفئوية لصالح وطنهم، وبتجاوزِ السلوك الاناني، والعيش في التجرّد حتى إنكار الذات؛ أنْ يوطّدَ المسؤولون السياسيون ثقة المواطنين بالمؤسسات الدستورية والوطنية، ويُفعِّلوا فيهم حسَّ المشاركة والمسؤولية والتفاني في سبيل الصالح العام، الذي منه خيرُ الكلّ وكلِّ فرد، لأنّ الجميع مسؤولون حقاً عن الجميع؛ أن تزداد المشاركة المنصِفة في المسؤوليات داخل الدولة، بحيث يتمكّن الجميع من وضع مواهبهم وقدراتهم في خدمة إخوانهم في المواطَنة، ومن تأديةِ مساهمةٍ مميَّزة في نهوض وطنهم؛ أن لا يبحث ايُّ مسؤول عن امتيازاتٍ له أو لطائفته ولا يعمل على إبعاد الآخرين، فالمواطَنة تقوم على حياة الأخوّةِ والتضامن وعلى الإفساح بالمجال لكلِّ واحدٍ ليقوم بدوره في الحياة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والثقافية والنقابية، من أجل تعزيز الحياة الوطنية؛ أن يُولى اهتمامٌ خاص بالشبّان والشابّات الذين هم أعظمُ ثروةٍ لبلدنا: بتنشئتهم الثقافية والمهنية والأخلاقية، وبتمكينهم من إعداد مستقبلهم على أرض الوطن، وبإعطائهم دورَهم في القرارات الوطنية، وبتوفير فرص عمل لهم في بلدهم وإخراجهم من حالة العوز والبطالة واللامبالاة، لئلا يندفعوا الى نوع من الهجرة النفسية واليأس من المستقبل في رحاب وطنهم الفقرات 94-96
كلّ هذه العناصر اللازمة "لبناء نظام سياسي واجتماعي، عادل ومنصف"، تشكّل مداميك أساسية لقيام دولة مدنية ديموقراطية جذّابة للمواطنين، على أساس عقد اجتماعي متطور ينطلق من الميثاق الوطني، ميثاق العيش معاً، في دولة ديموقراطية تفصل بين الدين والدولة، فلا تكون لا دولة دينية، ولا دولة علمانية معارضة للدين
هذا، ولا يمكن أن يستمرَّ الحكم في لبنان منقسماً بين طرفَين سياسييَّن على خلفية مذهبية متعارضَين، والأوضاعُ الاقتصادية آخذةٌ في التردّي وتُنذرُ بالإفلاس. فالتراجع متزايد في النمو الاقتصادي، والدَّين العام يتفاقم، وقد بلغ إلى اليوم 54 مليار دولار، ما يوازي 170 % من الناتج المحلّي. فيجب على أهل الحكم أن يتحمّلوا مسؤولياتهم الوطنية ويعملوا سريعاً على وضع تصميمٍ اقتصاديٍّ واضحٍ ومتماسِك، محورُه النمو
إنّ جمعيّة سينودوس الأساقفة الخاصة بالشرق الاوسط، التي انعقدت في روما برئاسة قداسة البابا بندكتوس السادس عشر، دعت الى تفعيل الحضور المسيحي في هذه البلدان بالشهادة للمسيح على مستوى الحياة المسيحية الحقة وفقاً للقيم الإنجيلية، والممارسة الدينية التي تُحقّق في المسيحيين نهضة روحية وأخلاقية، وعلى مستوى حوار الحياة والثقافة والمواطنة مع المسلمين من اجل بناء مدينة الشركة والسلام على أسسها الأربعة: الحقيقة والحرية والعدالةِ والمحبة، وأخيراً على مستوى خدمة المحبة الإجتماعية في مختلف قطاعاتها
بالعودة الى شهادة يوحنا المعمدان عن المسيح بأنّه ابن الله المتجسد، حامل خطايا العالم وفادي الانسان، والمعمِّد بالروح القدس من أجل ولادة جديدة لإنسان جديد على مقياس قامة المسيح، فإنّنا نحن المسيحيين نستمدُّ ثقافتنا من هذه الشهادة، ونبني عليها حضارتنا الإنسانية والإجتماعية والوطنية. وبذلك نقّدم لمجتمعنا اللبناني قيمةً مسيحيةً مضافة، ونتطلّع الى إخواننا المسلمين اللبنانيين يُقدّمون قيمتهم الإسلامية المضافة، لكي نؤلّف معاً الكيان اللبناني الموحَّد بالتكامل الحضاري والثقافي، وبمنظومة المُثُل والقيَم المتنوِّعة. وبهذا النموذج يؤدّي لبنانُ رسالتَه في محيطه العربي وتجاه العالم الغربي
فبالنسبة لمحيطه العربي، ينقل لبنان أفكار الحرية والحداثة وإمكانية العيش معاً بالتنوّع الثقافي والديني، ويجهد عاملاً ما قال عنه أحد السفراء الأجانب: "سلام المنطقة يأتي من سلام لبنان". وبالنسبة للعالم الغربي، يشهد أنّ الإسلام دين تعايش لا دين الأصولية والعنف. لكن ما نشهد في بعض البلدان العربية من أعمال عنف وتفجيرات متنقِّلة تحصدُ العديد من الضحايا البريئة، ونحن نستنكرها أشدّ الاستنكار، يقتضي من المرجعيات الاسلامية المعتدلة والمستنيرة أن تشجب وتُحرِّم رسمياً هذه الصورة المعاكسة. كما أنَّ لبنان يشهد أنّ العروبة الحقيقيّة ثقافة وقيم، وأنّها تسعى الى تحديث نفسها وتحديث حياة مواطنيها (روجيه ديب، لبنان المستقر، ص148و185). إنّ الوجود المسيحي في بلدان الشرق الأوسط، الذي عمره ألفا سنة، أدّى باستمرار هذه الشهادة، وهو الضمانة لاستمرارية تظهير حقيقة الإسلام والعروبة
إنّنا جميعاً في كلّ ذلك نجعل من حياتنا بكلّ أبعادها نشيد تسبيحٍ وتمجيدٍ للّه الواحد والمثلث الأقانيم، الآب والابن والروح القدس، الآن والى الابد، آمين