حوَّل الماء إلى خمرٍ فائق الجودة
1. إستهلَّ يسوعُ رسالته الخلاصية بحضور عِرس في قانا الجليل، وبزرع البهجة في القلوب، وأجرى آية تحويل الماء الى خمر فائق الجودة. وأرادها علامةً تدلُّ أنّه قادر على تحويل باطن الإنسان العتيق إلى إنسانٍ جديد. وبهذا التحويل يزرع الفرح والسعادة في القلب، كما زرعه في عروسَي قانا والمدعوين. ما يعني أنَّ يسوع المسيح هو فرحُ الانسان الدائمِ والثابت. وبهذه الآية استبق وهيّأَ تحويلَ الخمر إلى دمه في عرس الفداء. فكما آمنَ تلاميذُه بألوهيَّته عندما حوَّل الماء إلى خمر، كذلك سيؤمنون عندما سيحوِّل، في عشائه الأخير وهو وليمةُ عرس فداء البشر، الخبز إلى جسده والخمر إلى دمه لحياة العالم
.2. تبدأ الكنيسة زمن الصوم الكبير بمدخله في هذا الأحد، وببداية الصيام الأربعيني، الذي يتواصل بأسبوع الآلام، نهارَ غد المعروف بإثنين الرماد، للدلالة على أنه زمنُ التوبة والاهتداء، وبالتالي زمنُ التغيير. وقد وجَّهتُ رسالتي الراعوية الأولى بمناسبة الصوم، وهي بعنوان: "الصوم الكبير زمن التغيير". ونعني التغييرَ في المسلك وفي العلاقة مع الله والذات والآخرين، بوسائل ثلاث هي الصلاةُ والصومُ والصدقة
.3. بالصلاة نرمِّم العلاقةَ مع الله، لأنها ترفع عقولنا وإرداتِنا وقلوبَنا إليه، فنتحرَّر بقوة الروح القدس من الخطيئةِ والميولِ الشريرة. والصلاةُ تُثمرُ فينا ثمار الروح، حسب تعبير القديس بولس، وهي: المحبة والفرح والسلام والطهر والتواضع والصبر والطاعة لإرادة الله.وبالصوم عن الطعام نرمِّم العلاقة مع ذاتنا الشخصية، لأنه يمرِّن الإرادة ويمكّنها من السيطرة الذاتية على الأهواء المنحرفة، ويُعطيها المناعة لمقاومة التجربة وإغراءاتها المضادة لوصايا الله وتعليمِ الانجيل. هذا فضلاً عن كونِها تكفيراً عن الخطايا الشخصية، والتماساً لغفران الله عن كل ما شوَّهْنا به صورتَه فينا.وبالصدقة نرمِّم العلاقة مع اخوتنا الفقراء والمحتاجين بما نقوم به من أعمالِ محبةٍ ورحمة نساعدهم من خلالها في حاجاتهم الجسدية والروحية. إننا نسدُّ حاجاتهم الجسدية عندما نساعدهم في حالات جوعهم وعطشهم ولباسهم وغربتهم ومرضهم. ونسدُّ حاجاتهم الروحية عندما نساعدهم في حالات حزنهم وضياعهم وقهرهم وحرمانهم ويأسهم
.4. زمن الصوم هو موسم الصلاة والرياضات الروحية، وموسم الإماتات والتقشّف. وموسم أعمال الخير والرحمة وتقديم المساعدات المالية والعينية، سواء مباشرة، أم بواسطة المؤسسات الخيرية الرسمية، ولاسيما تلك التي تنظِّم حملاتها السنوية في الأبرشيات والرعايا والمؤسسات وعلى الطرقات في زمن الصوم. نأمل أن نلتزم جميعُنا بعيش هذه المواسم التي تُهيّئ نفوسَنا للتوبة والمصالحة مع الله والناس. وذلك بالمشاركة في الرياضات الروحية التي تُقام في الرعايا، وتُختَتم برتب التوبة والاعتراف الشخصي بالخطايا، من أجل التغيير والتجدّد الروحي، الكفيلَين وحدهما بتغيير مجرى الأمور في الحياة العائلية والاجتماعية والوطنية، والخروج من حالات الفساد والعداوات والنزاعات والشرور. وهكذا نبلغ في نهاية مسيرة الصوم الكبير إلى العبور الفصحي مع المسيح المائت عن خطايانا والقائم من الموت لتقديسنا، فنعبر من حالة الضعف إلى حالة القوة، من حالة الخطيئة إلى حالة النعمة، من حالة الموت الروحي إلى قيامة القلوب
.5. بالعودة إلى آية تحويل الماء إلى خمر فائق الجودة، لا بدّ من قطف ثمار التعليم الذي تدلُّ إليه الآية – العلامة.فإذ يجمع إنجيل يوحنا بين الماء والخمر في آية عرس قانا الجليل، يعود فيربط بين الماء والدم اللذَين سالا من جنب يسوع المعلَّق على الصليب، عندما طعنه أحد الجنود بحربة(يو 19: 33). فإذا بعناصر آية تحويل الماء إلى خمر فائق الجودة في العرس البشري، تصبح إياها عناصر عرس الخلاص الإلهي: فالماء الذي جرى من جنب يسوع أصبح ماء المعمودية للولادة الثانية من الماء والروح(يو 3: 5)، والخمرأصبح دم ذبيحة الفداء لغفران الخطايا والحياة الجديدة فينا بالروح القدس.ولأن الخمر علامة الفرح، فإنه يرمز للروح القدس، المعروف بخمرة الروح التي تنعش حياةَ المؤمنين والمؤمنات وحياةَ الكنيسة، فيتكلَّمون كلام هذا الروح، أعني كلام الحقيقة والمحبة والغفران، كلامَ العدالة والحرية والسلام. في الواقع عندما حلَّ الروح القدس على التلاميذ، راحوا يُكلّمون الشعوب المتواجدين في أورشليم لعيد الخمسين، كان هؤلاء مندهشين إذ سمعوهم يتحدَّثون بعظائم الله بلغاتهم، وهم "من كلَّ الشعوب الذين تحت السماء"، قال بعضهم، ولو بهزء: "هؤلاء شربوا خمراً، فسكروا"(أعمال 2: 1-13). فشرح بطرس أن ذلك ليس من شرب الخمر المادّي، بل من "شرب" خمرة الروح القدس، إذ قال: "كلاَّ! ما هؤلاء سكارى كما تزعمون. بل ما قيل على لسان يوئيل النبي: "يكون في تلك الايام الأخيرة، يقول الله، أنّي أُفيضُ من روحي على كلِّ بشر، فيتنبّأ بنوكم وبناتكم... وعلى عبادي أُفيض من روحي في تلك الايام، فيتنبّأون"(أعمال 2: 15-18).أما موقع مريم في هذه الآية فهو أنها تُعَلِّمنا معنى "الحضور" المنفتح على الآخر في حاجاته، والعمل على سدِّ هذه الحاجات، فقالت ليسوع:"ليس عندهم خمر". وطلبت إلى الخدم أن يستعدوا لأي عمل يقوم به يسوع: "إصنعوا ما يقول لكم". إنَّ حاجاتنا تفتح نفوسنا على الرجاء بتدخُّل الله وعنايته، الذي يُظهر دائماً مجده في عظائم التاريخ. مريم العذراء هي الوسيطة بين البشر والله، والمسيح الوسيط الاول والوحيد بين الله والناس، يُتمُّ ما يلتمسه المؤمنون والمؤمنات على يد أمه مريم العذراء الكلية القداسة.6. أجل، الصوم الكبير هو زمن التغيير وترميم العلاقات مع بعضنا البعض، ولاسيما على مستوى الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية الآخذة بالتردّي، فيما المسؤولون السياسيون ما زالوا غرقى بل أسرى مصالحهم الخاصّة، وعمل المؤسسات الدستورية شبه معطَّل، وبالتالي متسبّباً مباشرة بتردّي هذه الاوضاع. إنّ زمن الصوم ينادي الجميع إلى التزام المحبة الاجتماعية. لكن الدعوة مُلحّة بالنسبة إلى السلطة السياسيةلتستثمر طاقاتِ الدولة وأملاكَها ومالَها العام ومرافقَها ومرافئَها والضرائبَ والرسومَ والاقتصادَ الوطني في خدمة الخير العام، لكي يعيش المواطنون في بحبوحة وحياة كريمة. ومن أُولى واجبات السلطة السياسية الاعتناء بالمواطنين الفقراء والمحتاجين، فيشعرون بقيمة انتمائهم إلى وطنهم، ويعتزّون.بل كلنا مدعوون للمساهمة المالية والعينية، على قدر كل واحد منا، لمساعدة إخوتنا وأخواتنا الفقراء والمحتاجين، بحكم وصية الكنيسة: "أوفِ البركة أي العِشِر". وهي مساعدة بدافع من المحبة ومن باب العدالة، لأننا نُعيد لهم ما هو في الاساس من حقّهم. هذه هي ثقافتنا الانجيلية وتعليم كنيستنا.7. باسم المسيح، الذي صام أربعين يوماً وأربعين ليلة، استعداداً لبدء رسالته الخلاصية، نبدأ مسيرة الصوم الكبير على مثاله، لكي نُهيئ نفوسنا، كلٌّ من موقعه، لتحمُّل مسؤولياتنا في العائلة والمجتمع، في الكنيسة والدولة. ونرجو في ختام مسيرتِنا مواكبةَ ربيعِ الطبيعة المزهر لمواسم العطاء، جاعلين من حياتِنا وأعمالِنا نشيدَ تسبيحٍ، مثل نشيد أزهار الربيع، لله الخالق والفادي، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
.2. تبدأ الكنيسة زمن الصوم الكبير بمدخله في هذا الأحد، وببداية الصيام الأربعيني، الذي يتواصل بأسبوع الآلام، نهارَ غد المعروف بإثنين الرماد، للدلالة على أنه زمنُ التوبة والاهتداء، وبالتالي زمنُ التغيير. وقد وجَّهتُ رسالتي الراعوية الأولى بمناسبة الصوم، وهي بعنوان: "الصوم الكبير زمن التغيير". ونعني التغييرَ في المسلك وفي العلاقة مع الله والذات والآخرين، بوسائل ثلاث هي الصلاةُ والصومُ والصدقة
.3. بالصلاة نرمِّم العلاقةَ مع الله، لأنها ترفع عقولنا وإرداتِنا وقلوبَنا إليه، فنتحرَّر بقوة الروح القدس من الخطيئةِ والميولِ الشريرة. والصلاةُ تُثمرُ فينا ثمار الروح، حسب تعبير القديس بولس، وهي: المحبة والفرح والسلام والطهر والتواضع والصبر والطاعة لإرادة الله.وبالصوم عن الطعام نرمِّم العلاقة مع ذاتنا الشخصية، لأنه يمرِّن الإرادة ويمكّنها من السيطرة الذاتية على الأهواء المنحرفة، ويُعطيها المناعة لمقاومة التجربة وإغراءاتها المضادة لوصايا الله وتعليمِ الانجيل. هذا فضلاً عن كونِها تكفيراً عن الخطايا الشخصية، والتماساً لغفران الله عن كل ما شوَّهْنا به صورتَه فينا.وبالصدقة نرمِّم العلاقة مع اخوتنا الفقراء والمحتاجين بما نقوم به من أعمالِ محبةٍ ورحمة نساعدهم من خلالها في حاجاتهم الجسدية والروحية. إننا نسدُّ حاجاتهم الجسدية عندما نساعدهم في حالات جوعهم وعطشهم ولباسهم وغربتهم ومرضهم. ونسدُّ حاجاتهم الروحية عندما نساعدهم في حالات حزنهم وضياعهم وقهرهم وحرمانهم ويأسهم
.4. زمن الصوم هو موسم الصلاة والرياضات الروحية، وموسم الإماتات والتقشّف. وموسم أعمال الخير والرحمة وتقديم المساعدات المالية والعينية، سواء مباشرة، أم بواسطة المؤسسات الخيرية الرسمية، ولاسيما تلك التي تنظِّم حملاتها السنوية في الأبرشيات والرعايا والمؤسسات وعلى الطرقات في زمن الصوم. نأمل أن نلتزم جميعُنا بعيش هذه المواسم التي تُهيّئ نفوسَنا للتوبة والمصالحة مع الله والناس. وذلك بالمشاركة في الرياضات الروحية التي تُقام في الرعايا، وتُختَتم برتب التوبة والاعتراف الشخصي بالخطايا، من أجل التغيير والتجدّد الروحي، الكفيلَين وحدهما بتغيير مجرى الأمور في الحياة العائلية والاجتماعية والوطنية، والخروج من حالات الفساد والعداوات والنزاعات والشرور. وهكذا نبلغ في نهاية مسيرة الصوم الكبير إلى العبور الفصحي مع المسيح المائت عن خطايانا والقائم من الموت لتقديسنا، فنعبر من حالة الضعف إلى حالة القوة، من حالة الخطيئة إلى حالة النعمة، من حالة الموت الروحي إلى قيامة القلوب
.5. بالعودة إلى آية تحويل الماء إلى خمر فائق الجودة، لا بدّ من قطف ثمار التعليم الذي تدلُّ إليه الآية – العلامة.فإذ يجمع إنجيل يوحنا بين الماء والخمر في آية عرس قانا الجليل، يعود فيربط بين الماء والدم اللذَين سالا من جنب يسوع المعلَّق على الصليب، عندما طعنه أحد الجنود بحربة(يو 19: 33). فإذا بعناصر آية تحويل الماء إلى خمر فائق الجودة في العرس البشري، تصبح إياها عناصر عرس الخلاص الإلهي: فالماء الذي جرى من جنب يسوع أصبح ماء المعمودية للولادة الثانية من الماء والروح(يو 3: 5)، والخمرأصبح دم ذبيحة الفداء لغفران الخطايا والحياة الجديدة فينا بالروح القدس.ولأن الخمر علامة الفرح، فإنه يرمز للروح القدس، المعروف بخمرة الروح التي تنعش حياةَ المؤمنين والمؤمنات وحياةَ الكنيسة، فيتكلَّمون كلام هذا الروح، أعني كلام الحقيقة والمحبة والغفران، كلامَ العدالة والحرية والسلام. في الواقع عندما حلَّ الروح القدس على التلاميذ، راحوا يُكلّمون الشعوب المتواجدين في أورشليم لعيد الخمسين، كان هؤلاء مندهشين إذ سمعوهم يتحدَّثون بعظائم الله بلغاتهم، وهم "من كلَّ الشعوب الذين تحت السماء"، قال بعضهم، ولو بهزء: "هؤلاء شربوا خمراً، فسكروا"(أعمال 2: 1-13). فشرح بطرس أن ذلك ليس من شرب الخمر المادّي، بل من "شرب" خمرة الروح القدس، إذ قال: "كلاَّ! ما هؤلاء سكارى كما تزعمون. بل ما قيل على لسان يوئيل النبي: "يكون في تلك الايام الأخيرة، يقول الله، أنّي أُفيضُ من روحي على كلِّ بشر، فيتنبّأ بنوكم وبناتكم... وعلى عبادي أُفيض من روحي في تلك الايام، فيتنبّأون"(أعمال 2: 15-18).أما موقع مريم في هذه الآية فهو أنها تُعَلِّمنا معنى "الحضور" المنفتح على الآخر في حاجاته، والعمل على سدِّ هذه الحاجات، فقالت ليسوع:"ليس عندهم خمر". وطلبت إلى الخدم أن يستعدوا لأي عمل يقوم به يسوع: "إصنعوا ما يقول لكم". إنَّ حاجاتنا تفتح نفوسنا على الرجاء بتدخُّل الله وعنايته، الذي يُظهر دائماً مجده في عظائم التاريخ. مريم العذراء هي الوسيطة بين البشر والله، والمسيح الوسيط الاول والوحيد بين الله والناس، يُتمُّ ما يلتمسه المؤمنون والمؤمنات على يد أمه مريم العذراء الكلية القداسة.6. أجل، الصوم الكبير هو زمن التغيير وترميم العلاقات مع بعضنا البعض، ولاسيما على مستوى الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية الآخذة بالتردّي، فيما المسؤولون السياسيون ما زالوا غرقى بل أسرى مصالحهم الخاصّة، وعمل المؤسسات الدستورية شبه معطَّل، وبالتالي متسبّباً مباشرة بتردّي هذه الاوضاع. إنّ زمن الصوم ينادي الجميع إلى التزام المحبة الاجتماعية. لكن الدعوة مُلحّة بالنسبة إلى السلطة السياسيةلتستثمر طاقاتِ الدولة وأملاكَها ومالَها العام ومرافقَها ومرافئَها والضرائبَ والرسومَ والاقتصادَ الوطني في خدمة الخير العام، لكي يعيش المواطنون في بحبوحة وحياة كريمة. ومن أُولى واجبات السلطة السياسية الاعتناء بالمواطنين الفقراء والمحتاجين، فيشعرون بقيمة انتمائهم إلى وطنهم، ويعتزّون.بل كلنا مدعوون للمساهمة المالية والعينية، على قدر كل واحد منا، لمساعدة إخوتنا وأخواتنا الفقراء والمحتاجين، بحكم وصية الكنيسة: "أوفِ البركة أي العِشِر". وهي مساعدة بدافع من المحبة ومن باب العدالة، لأننا نُعيد لهم ما هو في الاساس من حقّهم. هذه هي ثقافتنا الانجيلية وتعليم كنيستنا.7. باسم المسيح، الذي صام أربعين يوماً وأربعين ليلة، استعداداً لبدء رسالته الخلاصية، نبدأ مسيرة الصوم الكبير على مثاله، لكي نُهيئ نفوسنا، كلٌّ من موقعه، لتحمُّل مسؤولياتنا في العائلة والمجتمع، في الكنيسة والدولة. ونرجو في ختام مسيرتِنا مواكبةَ ربيعِ الطبيعة المزهر لمواسم العطاء، جاعلين من حياتِنا وأعمالِنا نشيدَ تسبيحٍ، مثل نشيد أزهار الربيع، لله الخالق والفادي، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.